"كيف تريدونني أن أعود للعيش في منزلي؟ هنا اغتصب عناصر "داعش" الايزيديات!" بهذه الكلمات تختصر منار (35 عامًا) المتحدرة من منطقة قراقوش في العراق، قصّتها الأليمة مع النزوح.
منار الثلاثينية، والدة 4 أطفال، من طائفة السريان الكاثوليك، تعيش منذ حوالى 3 سنوات داخل مخيم للنازحين أنشأه الاب باولو دالوليو (الذي اختفى عام 2013 في سوريا)، وتديره جماعة مار موسى الحبشي في السليمانية. تجلس منار، التي كانت من أهم خياطي قراقوش، على آلة الخياطة، في المخيم وتروي معاناتها قائلة: "لقد عشنا في منزلنا لـ6 أشهر فقط. كان جديدًا. استدنا المال لبنائه وشراء أثاثه. كما أننا ما زلنا، حتّى اليوم، ندين لأصدقائنا ومعارفنا بـ24 ألف دولار"، مضيفة: "في السابق، كان بإمكاننا ردّ الدين، إذ كنت أعمل، وزوجي أيضَا. أمّا اليوم، فهو سائق لجماعة مار موسى الحبشي".
منار التي لا تنسى لحظات مغادرتها وعائلتها، لمنزلهم، تقول: "في البداية، تركنا منزلنا، عند سقوط الموصل، لأيام قليلة قبل أن نعود. ولكن بعد أسبوعين تقريبًا، كان النزوح التام، وذلك، عندما أبلغنا زوج شقيقتي الذي كان شرطيا، أن الجنود الأكراد سيتراجعون، وأن علينا الرحيل. فسرنا لمدة 8 ساعات على طريق قراقوش باتجاه اربيل، التي لا تحتاج ساعة واحدة في العادة. وتحت وابل من الرصاص هربنا، فنسينا ابننا في السيارة لأنه كان نائمًا".
بتعابير مؤثرة، تسأل منار: "كيف تريدونني أن أعود للعيش في منزلي؟ لقد استخدمه "داعش" لاغتصاب الفتيات الايزيديات! عندما عدنا للاطلاع على وضع المنزل في تشرين الاول الماضي، بعد خروج "داعش" الارهابي، وجدنا ملابسهم بالاضافة إلى أزياء تقليدية لفتيات ونساء إيزيديات. لقد جمعنا كلّ تلك الملابس وأحرقناها بعيدًا عنّا، في أرض شاسعة. كيف تريدونني أن أعود للعيش في مكان تمّ فيه تعذيب أرواح عديدة، وشهد معاناة الكثير من الأشخاص"؟
عائلة منار التي فرّت مع 7 عائلات أخرى، من قراقوش، وصلت إلى دير للأب باولو دالوليو في السليمانية، حيث عملت في تعليم الخياطة للسيدات. وفي حين توزّعت عائلة منار وزوجها على مدن مختلفة من العراق، كما في دول متعدّدة منها كندا، السويد، الدنمارك ولبنان، رفض والداها مغادرة قراقوش، بانتظار عودة شقيقها الذي قام "داعش" بأسره، هو الذي يصادف اليوم عيد ميلاده الـ28، لكن الظروف أجبرتهم على النزوح لاحقًا.
وتخبر منار أنه منذ سنة تقريبًا، زارهم السفير البابوي ومبعوث الفاتيكان، وبعد إبلاغه باسم شقيقها، ردّوا عليها بعد حوالى أسبوع، بأنه حيّ، ولكنه سجين لدى "داعش" في الرقة.
منار التي تروي قصّة عائلتها أمام أطفالها، تبدو هادئة ولا تذرف أي دمعة، فما تقوله ليس إلا جزءًا عاديًا من يومياتها، فما الذي سيؤثر فيها بعدما فقدت ابنتها (7 سنوات) قدرتها على النطق لثلاثة أشهر، لدى نزوحهم؟
وفي حين تَعِدُ عائلة منار نفسها بالعودة إلى قراقوش في أيلول، مع بدء العام الدراسي، إن تمّ ضمان أمن المسيحيين من قبل المجتمع الدولي، ما زالت تقبع قراقوش في الدّمار ولم يتمّ إنقاذها بعد.
(L'orient le jour)