تزداد حرارة معركة الإنتخابات الإيرانية، وتنحصر المعركة عملياً بين مرشحين؛ ابراهيم رئيسي، والرئيس الحالي حسن روحاني، بعدما إنسحب المرشح محمد باقر قاليباف لصالح رئيسي، وانسحب اسحاق جهانغيري لصالح روحاني.
إنسحاب قاليباف يعني أن المحافظين يريدون تجميع قوتهم وتوحيدها لمواجهة روحاني. وكان متوقعاً أن يتقدّم قاليباف على رئيسي، خصوصاً أنه معروف أكثر من رئيسي من خلال نشاطه في بلدية طهران، فيما لا يتمتع رئيسي بغير الصفة المعنوية كرجل دين. وبما أن المحافظين يريدون رئيسي، انسحب قاليباف بعد تلقّيه وعداً بأن يصبح نائباً للرئيس رئيسي إذا ما انتخب.
صورة رئيسي كرجل دين، تترك تأثيراً كبيراً لدى الفئات الشعبية وخصوصاً في الأرياف. وهذه ستعزز حظوظ رئيسي في استعادة شكلية لتجربة الرئيس السابق محمد خاتمي. وستنقسم الأصوات التي كان من المفترض أن تعطى لقاليباف. وعلى الرغم من تجييرها لصالح رئيسي، لكن هذا التجيير لن يكون كتلة واحدة، وهذا ما تؤكده إستطلاعات الرأي التي ترجّح كفّة روحاني. لكن هناك من يتحدّث عن مفاجآت، وهذه المفاجآت غالباً ما يصنعها الريف الإيراني. وهذه نقطة قوة رئيسي الذي يلعب على وتر التأثير العاطفي في المجتمع الريفي، إنطلاقاً من اعتباره سيّداً، وسليل أهل البيت. والعامل الثاني هو تأثير "الحرس الثوري" في البيئات الريفية. كما يرتكز رئيسي على أنه سادن مقام الإمام الرضا، وهذا موقع مهم جداً في إيران، لأنه يمتلك قدرة إقتصادية هائلة، إستناداً إلى أوقافه وأملاكه والتي توازي أوقاف وأملاك دول. وكانت الدولة الإيرانية تستدين من أموال هذا المقام لسد العجز، أثناء الحرب العراقية الإيرانية.
في نظرة عميقة للأمور، لن يكون هناك اختلاف كبير بين روحاني ورئيسي. فالرئيس الحالي كان قريباً من المرشد طوال سنوات عمله في الشأن العام. روحاني لم يكن في طرف مواجه للمرشد، وبالتالي في جوهره فهو محافظ، على الرغم من صناعته لصورة إصلاحية لنفسه. لكن كل المناصب التي تسلمها، كان فيها ممثلاً شخصياً للولي الفقيه بمواقع مهمّة جداً وتسلم ملفات إستراتيجية بالنسبة لإيران، والمواقع التي تسلمها كان يعيّنها المرشد.
لكن حتى الآن ليس هناك أي جواب نهائي وحاسم من قبل المرشد، إذ يبقي علي خامنئي كل الأوراق بين يديه. القوى القريبة منه تدعم رئيسي، وخصوصاً المجموعات المحافظة والمؤسسات المرتبطة بالمرشد، لكنه لم يعط أي إشارة بنفسه بأنه ضد روحاني. وهو يترك لنفسه هذا الهامش، كي لا يظهر نجاح روحاني إذا ما فاز وكأنه موجه ضده.
لا يريد المرشد تكرار تجربة خاتمي بوجه علي أكبر ناطق نوري، لأن المجتمع الايراني لا يزال مجتمعاً حيوياً، وإذا ما شعر بأن خامنئي يضغط سيقوم الإيرانيون بردّة فعل لمصلحة روحاني. هذا ما حصل مع الرئيس السابق محمد خاتمي الذي ترشح في الدورة الأولى ضد الشيخ ناطق نوري. في حينها كان نوري مدعوماً من المؤسسة الدينية والجماعات المحافظة، فذهبت الناس إلى إنتخاب خاتمي الذي حصل على 70 بالمئة من الأصوات. ومنذ تلك الفترة، لم يعد المرشد يأخذ موقفاً علنياً لتجنّب هكذا موقف.
يتعاطى الإيرانيون مع الإنتخابات وفق الظروف الإقتصادية، فإذا ما كانت إيران تعيش مرحلة تخوف خارجي، تلجأ إلى المحافظين. ولكن الآن هناك حيرة في الأمر، ثمة ضغوط دولية على إيران، وهذا يمنح المتشددين عنصراً للتشدد والتصلّب أكثر. لكن من ناحية ثانية، فإن روحاني لم يفقد أوراقه، ولا يزال قادراً على المنافسة. وفي حال إستمر التصعيد الكلامي بين إيران والغرب، فإن ذلك قد يدفع بالإيرانيين إلى التصويت لرئيسي. وهذا ما يجري العمل عليه لتغيير المعادلة، مع دخول شعارات جديدة من قبل المحافظين بأن فوز روحاني سيؤجل ظهور المهدي.
وإذا ما زادت نسبة التصويت وخصوصاً في صفوف الشباب والنساء، فيكون التوجه الإيراني إلى إستمرار النهج الذي اتبعه روحاني، وبالتالي يريدون إيصال رسالة أساسية للمجتمع الدولي بأن المجتمع الإيراني لا يريد التصعيد. اما في حال القدرة على تغيير هذا المفهوم، وحصول الإنقلاب في المزاج الإيراني، فيعني أن التصعيد سيكون أكبر، ولكن بمعزل عمن سيكون الرئيس المقبل الذي سيفوز في الإنتخابات.
السلطة لن تتأثر ولا التوجهات الإيرانية الأساسية، فيما ستبقى الإستفادة الأساسية من قبل النظام، هي في إظهار الصورة الديموقراطية، وترييح الشارع إستناداً إلى التعبير عن رأيه وهذا ما سيستثمر بشكل إعلامي واسع جداً. وإنطلاقاً من ذلك فلن يكون هناك أي مشكلة لدى "الثورة الإيرانية" مهما كانت النتيجة، وهي لن تؤثر على خياراتها الإستراتيجية.