لا التحذير بمخاطر الفراغ، ولا التنبيه من تداعياته الأمنية والاقتصادية، كانا كافيين لدفع الأفرقاء إلى الاتفاق على قانون جديد للانتخابات النيابية. إذ لا تزال النقاشات تنطلق من خلفيات سلطوية وطائفية، في لحظة إقليمية بالغة الدقة.
على مشارف الأيام الفاصلة عن جلسة 29 أيار التشريعية، تسود حالة تهيّب، من دون معرفة مجريات هذه الجلسة، ولا مصير البلاد إن لم تسمح الظروف بعقدها. وفيما لم يغادر التفاؤل أجواء بعبدا والسرايا الحكومية وعين التينة، رغم تأكيد أوساط مطلعة «أننا لم نغادر مربّع الصفر»، عاد احتمال التمديد للمجلس النيابي ليطلّ برأسه، في ظلّ تلميح شخصيات في تيار المستقبل إلى إمكان أن يعود الرئيس سعد الحريري الى تبنّي هذا الخيار في اللحظات الأخيرة. في موازاة ذلك، تتجه الأنظار إلى ملف التجديد لحاكم مصرف لبنان الذي لا يبدو أن التفاهم عليه قد أُنجز. وكذلك القمّة الأميركية – العربية التي نوقشت أمس في جلسة مجلس الوزراء.
وبات واضحاً أن فترة التفاوض حول قانون الانتخاب ستستمرّ حتى آخر يوم من الدورة العادية للبرلمان، بعدما شهدت الأيام الأخيرة تناقضاً في الكلام، بين تمسّك التيار الوطني الحرّ بالقانون التأهيلي وإشادة رئيس الجمهورية به من جهة، وبين تأكيد أن التفاوض يصب عملياً في مصلحة قانون الستين. ومع أن لا بوادر تشي بانفراجة قريبة، نقل النواب عن الرئيس نبيه برّي بعد لقاء الأربعاء أمس، أنه «لا يزال متفائلاً بإمكانية الوصول إلى اتفاق، وإن مصدر هذا التفاؤل هو استمرار التواصل بين الجميع». فيما كان لافتاً كلام عضو كتلة «المستقبل» النائب سمير الجسر الذي اعتبر أنه في حال «عدم التوصّل إلى قانون قبل انتهاء ولاية المجلس، لا بد من تطبيق القانون الساري المفعول»، وأن «التمديد بات حكماً أقلّه لمدة 3 أشهر التي تستلزمها مهلة دعوة الهيئات الناخبة». كلام الجسر أتى بالتزامن مع أجواء تروّج لها مصادر مستقبلية رفيعة بأن «الحريري يُمكن أن يعود إلى تبنّي خيار التمديد في اللحظة الأخيرة». وفيما لا يزال التيار الوطني الحرّ متمسكاً بـ «التأهيلي»، تحاول أوساط القوات الإيحاء «بالوصول إلى مساحة مشتركة بين الجميع، عنوانها النسبية الكاملة». واعتبرت أن «حزب الله وحركة أمل يبديان مرونة في التفاوض، والمطلوب هو تفهم هواجس المسيحيين وتقبّل مبدأ توسيع عدد الدوائر».
وقد أشار الوزير السابق زياد بارود إلى أنّه «في حال عدم الوصول إلى هذا القانون، فالقانون النافذ أي قانون الستين غير قابل للتطبيق، إلّا إذا صدر قرار بتجديد المهل الدستورية».
ولم يحضر قانون الانتخاب في جلسة الحكومة أمس، إلا في الكلمة الافتتاحية للرئيس الحريري الذي أكد أن «هناك إصراراً لدى كل الأفرقاء على الوصول إلى قانون جديد» مبدياً تفاؤله بذلك. فيما كان البند الأهم تمثيل لبنان في القمة الأميركية ــ العربية ــ الإسلامية في الرياض بعد يومين. وقد وضع الحريري الوزراء في جوّ سفره، بعدما أبدى بعضهم «تحفظاته» خوفاً من نتائج هذه القمة. وقالت مصادر وزارية إن «وزراء حزب الله التزموا الصمت بعد تأكيد الحريري أن القمة ستركّز على محاربة الإرهاب». فيما تحدث الوزراء علي حسن خليل وعلي قانصو وطلال أرسلان عن «تخوف من صدور مواقف تحمل في خلفيتها قرار مواجهة لا حلحلة»، وتمنّى هؤلاء أن «يكون الوفد اللبناني واعياً ومتنبهاً لأن لا يتورط لبنان في موقف يؤثر على وحدته». فيما أشاد الوزير ملحم رياشي بـ «حكمة الحريري»، وأكد الوزير مروان حمادة أنه «لا يجب التخوف من سياسة الحريري الذي عاد وشارك الحزب بحكومة وحدة وطنية بعد المحكمة الدولية». بدوره أكد رئيس الحكومة أن «الوفد اللبناني لن يقبل بأن يمسّ بوحدة لبنان الداخلية، وأنه سيلتزم البيان الوزاري، وسيشدّد على دور لبنان في مواجهة إسرائيل ومكافحة الإرهاب». وفيما سيشارك كل من الوزراء جبران باسيل ونهاد المشنوق ورياشي في الوفد، علمت «الأخبار» أن وزير المال رفض المشاركة بعد توجيه الدعوة إليه.
من جهة أخرى، لا تزال قضية التجديد لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة غير محسومة بعد، مع أن جهات عديدة تحدّثت عن اتفاق سياسي ناجز في شأنه، رغم عدم طرحه على طاولة الحكومة أمس. وفيما تقدّم وزير المال بطلب التجديد إلى رئاسة مجلس الوزراء، على أن يضعه الحريري على جدول أعمال الجلسات المقبلة، أشارت مصادر وزارية إلى أن «الرئيسين عون والحريري ينتظران الوقت المناسب لاتخاذ هذا القرار، رغم استعجال رئيس الحكومة لبتّه سريعاً». غير أن مصادر سياسية نفت هذه الأجواء، مؤكّدة أن «عون لم يفاتح سلامة بالأمر خلال اللقاء الذي جمعهما أمس في بعبدا، بل تحدث إليه فقط في أمور تتعلق بالسوق المصرفية وبسياسات مستقبلية». واعتبرت أن «رئيس الجمهورية لا يريد التجديد لسلامة لكن لا بديل لديه عنه حتى الآن».
وفي سياق آخر، طرح على طاولة الحكومة بند تطويع 4000 جندي في الجيش اللبناني، غير أن وزير المال أشار إلى أن «الوضع المالي لا يسمح بهذا العدد». وبعد المداولات تمّ التصويت على حلّ وسطي يقضي بتطويع 2000. وحده الوزير حمادة عارض، مؤكداً لـ«الأخبار» أن «اعتراضه لا يستهدف المؤسسة العسكرية، بل يرتبط بالوضع المالي الصعب». وكان وزير الداخلية قد طرح تطويع عناصر في قوى الأمن الداخلي، غير أن الأمر لم يُبت به.