آن الاوان لكلام صريح، ومباشر، وهادىء، عن تلك المخاطرة الذي تسير بها بعض دول الخليج العربي، بذريعة الصراع مع الجارة الصعبة إيران، ويمكن ان تفضي الى فك الحرم عن التطبيع مع دولة العدو الاسرائيلي، والشروع في مبادرات سياسية ومناورات عسكرية ومشاورات أمنية مع الاسرائيليين، لا يسندها منطق، ولا يبررها عقل، ويرجح ان تشكل تهديداً إضافياً عميقاً، للدول الست الاعضاء في مجلس التعاون الخليجي وشعوبها التي تعيش واحدة من أدق المراحل في تاريخها الحديث.
لعل وصف إيران ب"الجارة الصعبة" هو تعبير مخفف وملطف، بالقياس الى السلوك الايراني الفظ الذي يطلق العنان لأقصى وجوه العصبية الفارسية، ويتوسع في الداخل الخليجي والعربي عموماً بطريقة توحي بانه ينتقم لاربعة عشر قرناً من الفتوحات والغزوات والحروب العربية على بلاد فارس، التي لم ينتصر الايرانيون في أي منها على الاطلاق... وبينها الحرب الراهنة التي لم تضع أوزارها بعد، برغم الاختراقات المهمة التي حققتها إيران مؤخراً في أكثر من بلد وعلى أكثر من جبهة عربية.
هذه الحرب التي تستخدم فيها مختلف أنواع الاسلحة المحرمة شرعاً، من المس المباشر بالعقائد الى التعرض القاسي للأساطير، والتي وصلت الى حد نقل الاشتباك الى الداخل الخليجي وتالياً، باتت عبئاً ثقيلاً على الأمتين العربية والاسلامية، يسمح بتسلل إسرائيلي لم يسبق له مثيل الى العقل والى الشارع الخليجي، بما لا يخدم بأي حال من الاحوال ذاك الصراع الحاد مع إيران، بل يرجح ان يؤدي الى نتائج عكسية، على الخليجيين خاصة وعلى العرب جميعا.
هذا التسلل الذي يحتفي به الاسرائيليون ويعتبرونه فرصة تاريخية وانقلاباً جذرياً في معالم الشرق الاوسط بل والعالم أجمع، ليس سوى عملية إبتزاز اسرائيلية وأميركية صريحة، تنتهز ما يبدو أنه شعور خليجي عام بالضعف او حتى الخوف على المصير ، لكي تمد يد التضامن والتكافل الزائف..من دون أن تثير حساسية او حرج اي مسؤول خليجي، ولا تحفز إلا احتجاجاً غير صريح لبعض الكتاب الخليجيين، وتصمت غالبية من المثقفين الذين يعلمون علم اليقين ان الإنفتاح على العدو الاسرائيلي هو بمثابة هدية ثمينة الى التيارات الاسلامية الخليجية تغذي خطابها للطعن في شرعية عائلات ومؤسسات الحكم في الخليج والتشكيك بقدرتها على حماية الوطن والذود عن العقيدة.
ليس هناك عربي مـتزن يمكن أن يقبل بان تدخل الدول الخليجية في مثل هذه المتاهة الداخلية، الناجمة عن إنتهاك إسرائيلي يستدعيه بعض الخليجيين، او أن يتساهل مع فكرة ان ترث التيارات الاسلامية مثلا حكام الخليج ومشروعاتهم، وان تتحول الدول الست الى مشيخات بالمعنى الحرفي للكلمة تديرها العمائم، التي لطالما نفر الخليجيون أنفسهم ، حاكمين ومحكومين، من غلوها وتشددها ، بل ومن تخلفها المنبثق من البيئة الصحراوية القاسية، حسب تعبير أحد كبار المسؤولين الخليجيين.
في هذه الحالة فقط يمكن ان يكون النصر حليف إيران التي تكون قد نجحت فعلا في تعميم تجربتها في الحكم الديني،المذهبي، الخاضع لعمامة تستمد شرعيتها من السماء، وسطوتها من الامام الغائب، وسلطتها من حرس ثوري لا يختلف عن المطاوعين السعوديين إلا في الإسم والرمز.. ما يمكن ان يقود جميع البلدان المطلة على سواحل الخليج العربي الى خراب عميم، ويلهب بقية أنحاء العالم العربي المشتعلة أصلاً بحروب وأزمات تتغذى بذلك الصراع القومي المذهبي التاريخي بين العرب والفرس.
ما زال هناك أمل في وقف ذلك التسلل الاسرائيلي الى بلدان الخليج العربي، التي سبق لبعضها ان خاض تلك التجربة مع العدو، لكنه عاد منها بعدما إكتشاف بؤسها وعدم جدواها في تشجيع اسرائيل على المضي قدماً في مغامرة السلام مع الشعب الفلسطيني، وفق المبادرة العربية الشهيرة التي رفضها الاسرائيليون وما زالوا يزدرونها.. وكان ذلك قبل ان تتحول إسرائيل في العقد الاخير الى دولة يهودية داعشية، يقودها متطرفون همّهم الوحيد هو تحطيم أي حلم فلسطيني بالحرية والاستقلال.
لا تستحق إسرائيل اليوم بالذات اي هِبة ( أو مبادرة) خليجية،مثل تلك التي كشفتها صحيفة وول ستريت جورنال، عن عرض خليجي بالتطبيع مقابل وقف الاستيطان! مثلما لا تستدعي إيران مثل هذه المخاطرة بإستقرار أي دولة خليجية.. ولا يتطلب إستقبال الرئيس الاميركي دونالد ترامب مثل هذا المهرجان الاحتفالي، بل مجرد جزية مالية تدفع لأميركا لرد الاذى والشر!
عن التهافت الخليجي أمام إسرائيل
عن التهافت الخليجي أمام إسرائيلساطع نور الدين
NewLebanon
التعريفات:
مصدر:
المدن
|
عدد القراء:
1300
عناوين أخرى للكاتب
مقالات ذات صلة
ارسل تعليقك على هذا المقال
إن المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس بـالضرورة سياسة الموقع
© 2018 All Rights Reserved |
Powered & Designed By Asmar Pro