فاحت روائح الموت المنبعثة من «محرقة الجثث» الأسدية بقوة داخل مقر الأمم المتحدة في جنيف، مع بدء الجولة السادسة للمفاوضات السورية، التي دخلها نظام دمشق بإصرار على المضي بالقتل والتدمير غير عابئ حتى بـ«مناطق خفض التصعيد» المُفترض أنها مضمونة من قبل حليفيه الرئيسيين، روسيا وإيران، موقعاً عشرات الضحايا بالغارات والقصف، ما بدد آمالاً قليلة أصلاً بإمكان أن تنتهي هذه الجولة بأفضل من سابقاتها.

وإذا كان نظام بشار الأسد راهن على أن ثمار «الآستانة 4» برعاية روسيا سيقطفها في «جنيف 6» معززاً بمكاسب على الأرض بعد نجاحه في التهجير القسري لأحياء دمشقية عدة، فإن خطوة «قلب الطاولة» من قبل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب عشية المفاوضات الجديدة، بكشف أدلة نامت عليها إدارة باراك أوباما طويلاً عن استخدام «محرقة جثث» في سجن صيدنايا، من شأنها ربما أن تُعيد الحسابات عبر فرض ضغط أخلاقي على من يسندون هذه النظام لتحريك الأمور باتجاه حل سياسي يوقف المحارق والإبادات. 

ووفقاً لموفد «العربية» إلى جنيف فإن وفد المعارضة سيقدم للمبعوث الأممي ستافان دي ميستورا ملفاً عن جرائم الأسد ضد معتقلي سجن صيدنايا، وستطالبه بإضافة «محرقة الجثث» إلى سلة «مكافحة الإرهاب».

رئيس وفد الهيئة العليا للمفاوضات نصر الحريري أكد أن الوقت قد حان لمحاسبة مرتكبي الجرائم، حيث يستمر نظام الأسد بحربه ضد الشعب السوري منذ ست سنوات.

وقال الحريري في مؤتمر صحافي: «يجب على العالم أن يتحرك لوقف انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا»، مؤكداً أن هذا الملف سيكون حاضراً في المفاوضات الجارية حالياً.

وأعلنت باريس أمس أنها أخذت علماً بالمعلومات الأميركية حول محرقة الجثث وطالبت بـ«تحقيق دولي في أسرع وقت».

وقال المتحدث باسم الخارجية الفرنسية في بيان: «إن هذا الاتهام في غاية الخطورة»، مشدداً على أن للنظام السوري «ماضياً مُثقلاً بالرعب».

أضاف البيان: «إن فرنسا تُطالب بإجراء تحقيق دولي في أسرع وقت حول سجن صيدنايا»، كما «دعت كل داعمي النظام وبخاصة روسيا الى استخدام نفوذها لدى دمشق» للسماح للجنة تحقيق دولية وللجنة الدولية للصليب الأحمر بزيارة السجن.

وكانت واشنطن اتهمت أول من أمس النظام السوري بإقامة محرقة جثث داخل سجن صيدنايا أحرق فيه قسم من آلاف الجثث لسجناء قتلوا فيه خلال السنوات القليلة الماضية. وكشفت وزارة الخارجية الأميركية صوراً، مأخوذة من الأقمار الاصطناعية رفع طابع السرية عنها، لهذا السجن في صيدنايا في شمال دمشق.

وتعود الصور الى نيسان 2017 ونيسان 2016 وكانون الثاني 2015 وآب 2013، وتبدو فيها صور مبانٍ أحدها كتب تحته «السجن الرئيسي» وتحت صورة اخرى «محرقة الجثث المحتملة».

وتتقاطع هذه المعلومات الأميركية مع تقرير مدعم بصور مأخوذة من أقمار اصطناعية نشرته منظمة العفو الدولية في شباط الماضي ويتهم النظام السوري بشنق نحو 13 ألف شخص بين عامي 2011 و2015 في هذا السجن. ونددت المنظمة بما وصفته «سياسة إبادة» تتضمن «جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية».

واعتبرت المندوبة الأميركية الدائمة في الأمم المتحدة نيكي هايلي ان «المجازر الجماعية التي يرتكبها نظام بشار الأسد في المحرقة بسجن صيدنايا تذّكرنا بأكبر الجرائم ضد الإنسانية في القرن العشرين».

وقالت هايلي في بيان إن «نظام الأسد يُمارس الإرهاب ضد شعبه بشكل وحشي وممنهج». وشددت على أن «الأسد يتحمل مسؤولية تلك الوحشية، كما أن روسيا وإيران تتحملان جزءاً من تلك الهمجية». 

ولفتت هايلي إلى أن «روسيا وإيران قدمتا الدعم (لنظام الأسد) في عمليات الخطف والتعذيب، والإعدام من دون محاكمة، إلى جانب غاراته الجوية وهجماته بالبراميل المتفجرة والأسلحة الكيميائية».

وقالت هايلي: «العالم بأسره مدرك لوحشية النظام السوري، وقد حان وقت أن تنضم روسيا لنا».

وأعلن المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوغريك أن الأمم المتحدة تلقت العديد من التقارير المروعة عن وقوع جرائم في سوريا خلال السنوات الست أو الخمس الماضية، وهو ما يجعل مبدأ المحاسبة غاية في الأهمية والحساسية.

وأكد المتحدث أن الجمعية العامة للأمم المتحدة وضعت آلية لمحاسبة مرتكبي الجرائم في سوريا.

ولليوم الـ11 على التوالي منذ توقيع اتفاق «مناطق خفض التصعيد» في الآستانة، واصلت قوات الأسد وحلفائه انتهاك الاتفاق، واستهدفت مدن حماة وحمص وريف دمشق بالغارات الجوية موقعة عشرات الضحايا.