يروي أحد المشاركين في لقاءات عديدة للوزير جبران باسيل، أنه قال في أكثر من مجلس ومحطة ولقاء، إنه سيُنسي المسيحيين قادتهم التاريخيين، سينسيهم بشير الجميل وكميل شمعون وغيرهما. يعمل باسيل على اثبات ذلك، منذ تحوّل إلى راع للعهد الجديد يمسك بيده الملفات كلها. أي قانون للانتخابات لن يمرّ بدون موافقة باسيل عليه. وهذه رسالة أساسية وجهها إلى اللقاء الثلاثي الذي عقد في عين التينة مساء الأحد. أراد للرسالة أن تصيب الرئيس نبيه بري، وحملت طابعاً حادّاً، إذ قال باسيل إنه لن يسمح للنسبية أن تمرّ وأنه متمسك بالتأهيلي. قد يكون ذلك لرفع الأسقف، وقد يكون موقفاً نهائياً، لكنه لن يؤدي إلى أي نتيجة توصل إلى تسوية.
تقرأ شخصية في سلوك باسيل، وتعتبر أنه يريد تكريس نفسه مرجعاً في الجمهورية اللبنانية، وهو لا يتوانى عن اللعب على الوجدان المسيحي. وآخر إبتكاراته خطابه عن الاستمرار منذ ستة آلاف سنة. توصّف الشخصية حال باسيل قائلة إنه ينظر إلى نفسه على أنه النبّي الذي بشّر به جبران خليل جبران. لذلك، لا بد من أن يعمل ليصبح هو الرئيس المقبل للجمهورية اللبنانية. ووفق الشخصية، فإن باسيل ينطلق في طروحاته الانتخابية ولا يريد أن يحيد عنها، يريد لأي قانون أن يرضي المستقبل والقوات، بمعزل عن الأفرقاء الآخرين. وهو يعتبر أن حزب الله في جيبه، فيما يريد الرئيس سعد الحريري على يمينه ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع على يساره. لكنه، لا يعلم أن هذا المنطق مع حزب الله لا يجدي نفعاً.
وتكشف الشخصية محضر أحد الاجتماعات في بيت الوسط، ضم الحريري وباسيل والوزير علي حسن خليل. في ذلك اللقاء، قدّم خليل مقترح الرئيس بري لقانون الانتخاب ومجلس الشيوخ، ويتضمن إبقاء مجلس النواب مناصفة بين المسيحيين والمسلمين، مقابل انتخاب مجلس الشيوخ على الأساس الطائفي. وأبدى بري استعداده للتنازل عن بعض صلاحياته لمصلحة مجلس الشيوخ، كقرار السلم والحرب، وإقرار قانون الانتخاب. تدخّل الحريري قائلاً لباسيل: "هذا العرض لا يمكن أن يرفض"، فما كان من وزير الخارجية إلا أن أعلن تمسّكه بالتأهيلي ورفضه مقترح بري. والسبب يعود لأنه يخوض معركة رئاسة الجمهورية منذ الآن، ويريد حصد أكبر عدد من المقاعد.
وتنتقل الشخصية إلى اللقاء الذي جمع الرئيس ميشال عون ونائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم. في ذلك اللقاء، أبدى عون موافقته على النسبية، لكن عاد باسيل وتدخّل متوجهاً إلى قاسم بالسؤال: "لماذا ترفضون المقترح التأهيلي؟". وهنا، أخذ النقاش إلى مكان آخر، فيما عون لم يتدخل لإعادة البحث بالنسبية.
حتى الآن، لا تقدّم في ما يخص قانون الانتخاب، وكل اللقاءات التي عقدت، لم تؤدِ إلى أي نتيجة، فيما وضع النائب جورج عدوان باسيل في أجواء لقاء عين التينة. عقد لقاء ليلي آخر لبحث بعض التفاصيل، كنقل أربعة مقاعد مسيحية من بعض الأقضية، نقل المقعد الماروني من طرابلس إلى البترون، والمقعد الماروني من بعلبك الهرمل إلى جبيل، والمقعد الماروني من البقاع الغربي إلى المتن الشمالي، والمقعد الإنجيلي من بيروت الثالثة إلى الأولى، بالإضافة إلى التمسك بالصوت التفضيلي. وهذه الشروط غير مقبولة من قبل بري.
حصل الأفرقاء على فترة سماح جديدة، وهي مهلة شهر وخمسة أيام، للوصول إلى عشرين حزيران. وقد تساهل بري في موعد تأجيل جلسة التمديد، بعد تلقّي وعود من رئيس الجمهورية بفتح دورة إستثنائية لمجلس النواب. وهذا ما بحثه عون مع الحريري الإثنين في بعبدا. وأكد الحريري بعد اللقاء أن الأمور تسير بإيجابية، ولا بد من الوصول إلى حلّ.
ولكن، كيف سيكون ذلك الحلّ؟ تؤكد مصادر متابعة أن هناك خياراً من إثنين، الأول أن يعود رئيس الجمهورية إلى تبنّي خيار النسبية الكاملة، والتخلّي عن دعم التأهيلي، مع إيجاد فرص لتسوية بشأن بعض الضوابط. أما الخيار الثاني، فهو انتظار حزب الله الفرصة المناسبة، والتقدم بمبادرة انتخابية جديدة تكون الأخيرة، ويرضى بها الجميع، ترتكز على أساس النسبية الكاملة. وتترك المصادر تفاصيلها إلى أن يأتي وقتها، وحينها ستنطلق مقدّمة هذه الصيغة من المفهوم الوطني، وبأن الحزب لن يفرّط بالعهد وحرصاً عليه وعلى نجاحه والإنجازات التي يحققها في الإقليم، يريد تعزيز ذلك بإيجاد قانون انتخابي جديد، وطني جامع، لا يؤدي إلى أي تفرقة طائفية. وحينها يكون الجميع موافقاً عليه.
عدا عن ذلك، فإن خيار الذهاب إلى انتهاء ولاية المجلس غير مطروح كلّياً، إذ لا بري ولا حزب الله سيسمحان به على الإطلاق. وفي حال عدم التوافق، ستكون العودة إلى قانون الستين، لكن بدون انتهاء ولاية مجلس النواب إنما عبر تعديل المهل الدستورية.