أولاً: تطمينات حاكم مصرف لبنان تبعث على القلق
طمأن اليوم حاكم المصرف المركزي رياض سلامة اللبنانيين على سلامة الاحتياط النقدي ووصفه بالمستقر، مع استعداد المصرف للتّدخل ضمانة لهذا الاستقرار، وهذا يدفع للقلق أكثر من الاطمئنان، فقد سبق للحاكم أن قام العام الماضي ب"عملية هندسة مالية" ،قيل أنّها كلّفت خمسة مليار دولار ، وذهبت إلى جيوب المصارف المحظوظة، وإذا كان وضع المصرف مقبولاً وتحت السيطرة حسب وعود الحاكم، فإنّ وضع الخزينة العامة ليست على ما يُرام كما هو معروف ومُتداول، فالموازنة مُثقلة بالنفقات غير المجدية، ومئات الملايين تذهب سُدىً لجمعيات وهمية ونشاطات مُصطنعة، ورحلات اعتباطية باهظة، ونفقات سرّية، ومقاولات لا ظابط لها، وأموال سلسلة الرّتب والرواتب لم تؤمّن ، وقطع الحساب لم يُنجز حتى الساعة، وحلّت ثالثة الاثافي : خطة أبي خليل الكهربائية "الجهنّمية" والتي قاربت الملياري دولار مع ملحقاتها.
إقرأ أيضا : عقوبات إقتصادية قاسية على حزب الله لن توفر حركة أمل
ثانياً: سُنن عمر بن الخطاب ورفيق الحريري
عندما حلّ الشهيد رفيق الحريري رئيساً للوزراء أولّ مرّة عام ١٩٩٢ بعد سقوط حكومة الراحل عمر كرامي تحت سنابك التّضخم المالي، بدأ الحريري مرحلة الاستدانة الباهظة، وراح يُوزّع الأموال العامة يميناً وشمالا وفي كل اتجاه ومجال: إستيعاب الميليشيات في دوائر الدولة، تعويضات للمهجّرين فاقت كلّ خيال ، إستيعاب زعماء الحرب الأهلية واحتضانهم مالياً، تضخّم جهاز الدولة الإداري والأمني، وعندما لامس الدين العام عتبة عشرين مليار دولار، قيل للحريري : كيف ستتحمّل الخزينة فوائد هذا الدين الضخم؟ قال مُمازحاً: طالما أنا رئيس حكومة، فأنا كفيل بسداد الدين، ورغم تربُّعه على كرسي الرئاسة فالدين العام ظلّ على ارتفاع حتى أصبحت الاستدانة سُنّة مُتّبعة حتى يومنا هذا، من هنا إصرار رئيس الحكومة ووزيره أبي خليل على تمرير الخطة الكهربائية رغم وضع الخزينة البائس، والشيء بالشيء يُذكر: كان الخليفة الثاني عمر بن الخطاب أحرص الناس في زمنه على الخزينة العامة (بيت المال بلغة تلك الأيام)، فقد أرسل عمر إلى عبد الرحمن بن عوف (الذي سيختاره مُقرّراً للجنة الشورى بعد مقتله) يستسلفُهُ أربعمائة درهم، فقال عبد الرحمن: أتستسلفُني وعندك بيت المال، ألا تأخذُ منه ثم تردّه، فقال عمر: إنّي أتخوّف أن يصيبني قدري، فتقول أنت وأصحابك : إتركوا هذا لأمير المؤمنين، حتى يُؤخذ من ميزاني يوم القيامة، ولكنّي أتسلّفها منك لما أعلم من شُحّك ،فإذا متُّ جئت فاستوفيتها من ميراثي.
إقرأ أيضا : رياض سلامة وفاتورة النجاح ... بين اللعبة السياسية وأثمان التسوية في لبنان
رحم الله الرّجُلين، فقد ترك كلّ واحد منهما سُنّة مُتّبعة حتى يومنا ، ولا يجدر بنا سوى ذكر محاسن موتانا.