رأى رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري أن "منتدى الدوحة الذي يلتئم هذه المرة تحت عنوان "التنمية والاستقرار واللاجئين" يتناول مسائل وقضايا مهمة تطرح في ظروف صعبة ومعقدة يمر بها العالم العربي حاليا، وكلها تهم لبنان كما العديد من الدول العربية لترابطها مع بعضها البعض"، مشيدا بـ"الجهود التي بذلها أمير البلاد والمسؤولين القطريين، لطرح هذه المسائل على بساط البحث والسعي لإيجاد الحلول لها في هذا الظرف بالذات".
وفي حديث لصحيفة "الشرق" القطرية، أعرب الحريري عن ارتياحه لـ"عودة العلاقات الخليجية مع لبنان إلى طبيعتها"، مؤكدا "حرص الحكومة والمسؤولين على قيام أفضل العلاقات مع دول الخليج والسعي قدر الإمكان لإبعاد هذه العلاقات عن التجاذبات والصراعات الإقليمية"، مشددا على "أننا في الحكومة حريصون على الحفاظ على أفضل العلاقات مع دول الخليج الشقيقة والسعي قدر الإمكان لإبعاد هذه العلاقات عن التجاذبات والصراعات الإقليمية، هذا ما نعمل عليه منذ تشكيل هذه الحكومة وبالتفاهم مع رئيس الجمهورية، لأنه ليس من مصلحة لبنان والشعب اللبناني تعريض هذه العلاقات لأي اهتزازات من أي نوع كان".
وجزم الحريري أن "المواقف المعادية التي تصدر من حزب الله تجاه الأشقاء في الخليج ليست في مصلحة لبنان بل هي تعرض مصالح لبنان لأضرار خطيرة وتسيء لعلاقاتنا مع الأشقاء العرب. بالطبع، ليس بالإمكان إيجاد ضوابط لحزب الله وغيره لعدم التعرض لدول الخليج، ولكن مصلحة اللبنانيين تحتم على الجميع تحييد لبنان عن الصراعات والمحاور والتحالفات لأنها ليست في صالحه على الإطلاق".
وردا على سؤال حول ما اذا يتطلع إلى مبادرة سياسية قطرية تسهم في إخراج لبنان من أزمته، أكد أن "دولة قطر الشقيقة لم تقصر أبدا في مد يد المساعدة للبنان باستمرار للخروج من أزماته أو مساعدته ودعمه لتجاوز الاعتداءات الإسرائيلية التي تعرض لها في نهاية القرن الماضي أو خلال عدوان تموز في صيف العام 2006. ويذكر اللبنانيون بكثير من الامتنان مسارعة المسؤولين في دولة قطر لمد يد المساعدة للبنان واحتضان مؤتمر الدوحة الذي جمع القادة السياسيين في شهر أيار من العام 2007 لوضع حد للأحداث الدموية المؤسفة التي استهدفت العاصمة والخروج بما سمي بـ"اتفاق الدوحة" الذي أنهى الأزمة السياسية والأمنية وسهّل انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتأليف حكومة وحدة وطنية وإجراء الانتخابات النيابية"، مشيرا الى "أننا في لبنان على تشاور مستمر مع الأخوة في قطر ونطلب مساعدتهم عند الحاجة، ولكن الأزمة التي نعاني منها حاليا لا تقاس بالأزمات السابقة التي مررنا بها سابقا، بالرغم من تعثر حلها حتى الآن، وكلنا على ثقة بأننا قادرون على تجاوزها خلال الأسابيع المقبلة والوصول إلى حل يرضي جميع الأفرقاء".
وأضاف: "صحيح أن لبنان يعيش أزمة سياسية بسبب الخلافات حول مشروع قانون الانتخابات الجديد، ولكن هناك حرص من كافة الأفرقاء على معالجة هذه الأزمة والتوصل إلى اتفاق يجنب لبنان الدخول في أي فراغ دستوري من أي نوع كان، لأن مثل هذا الفراغ سيضر الجميع والبلد كله ولن يكون في صالح هذا الفريق أو ذاك"، معبترا أن "المواقف التي عبر عنها كافة الأفرقاء في اللقاءات الأخيرة تؤكد حرصهم على التوصل إلى قانون انتخابات جديد، وهذا الأمر ليس مستحيلا".
وأوضح أن "قانون الستين مرفوض من معظم الافرقاء الأساسيين وكان خارج النقاشات في المشاورات واللقاءات المطروحة، ولا أعتقد أنه من أفضل الحلول مع العلم أنه ما يزال ساري المفعول حتى اليوم. الحل الأمثل هو بالتوصل إلى قانون توافقي وهو ما نعمل على تحقيقه"، لافتا الى أن "المشكلة أن كل فريق لديه رؤية وهواجس وتصورات ومطالب تتعارض مع الفريق الآخر، وليس ممكنا فرض هذه الأفكار فرضا وخصوصا بقانون الانتخاب. ولذلك نحن نحاول قدر الإمكان الجمع بين الإيجابيات، من هنا وهناك لتشكيل نواة القانون المطلوب، وهو بالطبع يجب أن يكون توافقيا ويعالج هواجس المعترضين ويبدد قلقهم، لأي طرف أو جهة سياسية انتموا".
وأكد الحريري أنه "ما زالت هناك فرصة أمامنا لتجنب الدخول في أزمة الفراغ البرلماني وغيره لا سمح الله، ونحن نستغل كل لحظة لتضييق الخلافات وتقريب وجهات النظر بين الأفرقاء كافة. وأريد هنا أن أؤكد أن هناك إيجابيات يمكن البناء عليها في سبيل التوصل إلى قانون انتخاب تتوافق عليه الأفرقاء في النهاية"، جازما أنه "إذا لم نستطع إنجاز قانون جديد ضمن المهلة الدستورية المتبقية، فأنا أعتبر أن الحكومة قد فشلت وهذا ليس سرا".
ولفت الى أن "التحالفات السياسية تتشكل باستمرار على وقع الأحداث والمتغيرات السياسية وغيرها، وهذا ما حصل في لبنان بفعل المستجدات الداخلية التي تأثرت إلى حد بعيد بالأزمات والحروب الإقليمية ولا سيما منها الحرب في سوريا التي ما تزال ترخي بتداعياتها وآثارها على لبنان. ولا شك أن تحالفاتنا السياسية السابقة لم تعد قائمة كما كانت من قبل، ولكن هذا لا يمنع من التعاون وحتى التحالف مع أي فريق أو حليف سابق يتلاقى معنا بتوجهاته وثوابته الوطنية بالمرحلة الحالية والمقبلة".
وأشار الحريري الى أن "التحالف السابق مع زعيم الحزب الاشتراكي والقوات اللبنانية لم يعد قائما كما كان سابقا وهذا معروف. ولكن كما قلت، نحن نتلاقى ونتحالف مع أي فريق أو تيار أو حزب سياسي انطلاقا من تلاقي توجهاتنا السياسية والوطنية ولما فيه المصلحة اللبنانية العامة"، موضحا أن "زيارتنا إلى الجنوب برفقة وزير الدفاع وقائد الجيش هي للتأكيد أن الحكومة والدولة اللبنانية هي وحدها المرجعية السياسية والأمنية على الأراضي اللبنانية، وأن الجيش اللبناني والقوى الأمنية الشرعية هي المسؤولة عن حماية لبنان ومواجهة أي تهديدات يتعرض لها من إسرائيل أو غيرها. ولا شك أن هذه الزيارة، بما تحمله من مضامين، هي من أهم الآليات الحكومية لتأكيد التزام الدولة بأمن اللبنانيين ومنع أي تفلت أمني من أي جهة كان ولمواجهة أي تهديدات أو اعتداءات إسرائيلية ولإعطاء تأكيدات بالتزام الحكومة بكل قرارات الشرعية الدولية، ولا سيما ما يتعلق منها بالوضع في جنوب لبنان".
وردا على سؤال أنه في حال فرضت الإدارة الأميركية عقوبات مالية جديدة على حزب الله، كيف سيتم التعامل معها لحماية القطاع المصرفي من التبعات؟، قال الحريري: "منذ مدة ونسمع مثل هذه الأخبار والشائعات التي تتردد وتزداد وتيرتها بالتزامن مع التطورات في المنطقة. الحكومة حريصة كل الحرص على تحصين الوضع المصرفي من أي تداعيات أو إجراءات محتملة والتزامها باحترام أسس النظام المصرفي العالمي. وفي السابق تعاملنا مع مثل هذه الإجراءات بأقل الأضرار الممكنة".
ودعا الحريري السواح "بلا تردد لزيارة لبنان والاصطياف فيه، لأن الوضع الأمني مستتب فيه أكثر من أي دولة أخرى، بفضل الإجراءات والتدابير التي يتخذها الجيش اللبناني والقوى الأمنية على اختلافها لتأمين الأمن والاستقرار، ولأن الشعب اللبناني شعب مضياف ومحب لأشقائه الخليجيين. أما بخصوص ما يحصل بالنسبة للوضع السياسي والخلاف حول قانون الانتخاب وغيره، فهذا من طبيعة السياسةاللبنانية وأطمئن الجميع بأننا قادرون على حل هذا الخلاف والتوصل إلى إنجاز قانون انتخابي في أقرب فرصة".