تسير عجلة الحياة في شوارع طهران غير مكترثة بالتنافس الانتخابي بين مرشحي الرئاسة المحافظين والإصلاحيين، الذين جادوا بالوعود الانتخابية والخطب النارية تحضيرا لحسم المعركة في الأسبوع القادم.

وسبق للإيرانيين أن اختبروا كل توجهات الحكم، سواء كانوا إصلاحيين ومحافظين من المؤسسة، وشعبويين أصحاب الخطابات النارية… وعايشوا خيبة الأمل بتحسن أوضاعهم الاقتصادية خلال السنوات الأربع الماضية، مع رجل الدين المعتدل الرئيس حسن روحاني الذي وقع اتفاقا تاريخيا يهدف إلى إعادة إيران إلى الساحة الدولية.

ويخشى المسؤولون الإيرانيون ألا يشارك الناخبون القاطنون في أحياء فقيرة في انتخابات 19 مايو. ويحثون الناخبين باستمرار على المشاركة في التصويت، إذ ينظر إلى الامتناع على أنه ضربة لشرعية النظام إلى حد كبير.

ويتنافس في الانتخابات الرئاسية 6 مرشحين هم الرئيس الحالى حسن روحانى، المحسوب على المحافظين المعتدلين والمدعوم من قبل الإصلاحيين، ونائبه إسحاق جهانجيري، والوزير الأسبق مصطفى هاشمى طبا، وثلاثة من التيار الأصولي المتشدد وهم رجل الدين المقرب من خامنئي، إبراهيم رئيسى، وعمدة العاصمة طهران، محمد باقر قاليباف، ووزير الثقافة الأسبق، مصطفى مير سليم.

ويقول السكان إنهم يشعرون بأن المرشحين الستة الذين اختارهم مجلس صيانة الدستور الخاضع لهيمنة المحافظين تجاهلوهم، ولا سيما مع رفض المجلس ترشح الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد.

ولا يظهر أي حماس للانتخابات الرئاسية في أحد أحياء طهران تسكنه فئات من الطبقة العاملة ويعج بأناس يعملون بتحميل البضائع ويملؤه صخب الدراجات النارية والشاحنات الصغيرة.

ويشكو محسن الذي يعمل في البيع بالجملة في البازار المحلي، من أن “أحدا لا يتحدث عنّا”. وفي المناظرات الرئاسية التلفزيونية “لا أحد يأتي على ذكر الشاب البالغ من العمر 30 عاما والذي لا يزال غير قادر على بناء عائلة لأن لا مال لديه”.

ولكن سكان مولوي في جنوب العاصمة يقولون إن حياتهم لم تشهد الكثير من التحسن. وباتت محلات الحي الذي كان يوما مركزا تجاريا رئيسيا، مهترئة وملوثة بآثار دخان الملايين من عادمات السيارات.

ويعبر بائع الملابس البالغ من العمر 35 عاما، باباك كياني، عن هذا التشاؤم بقوله “لا أرى أي شيء مميزا يحصل في المستقبل، بغض النظر عمن سيصبح رئيسا”. ويضيف “هي أصوت، ولكنني أعرف أن ذلك لن يغير شيئا”.

ويقع مولوي قرب نهاية شارع رئيسي يمر وسط العاصمة، بعيدا عن المقاهي الجديدة الراقية ومراكز التسوق الفخمة في شمال طهران.

ويعتبر روحاني أنه حقق إنجازا في القضاء على التضخم والمفاوضات من أجل إلغاء العديد من العقوبات الاقتصادية المتعلقة ببرنامج إيران النووي. إلا أن السكان يشيرون إلى أنهم عاشوا سنوات أربع صعبة. ويقول محسن أن القيود الاجتماعية وقبضة الشرطة القاسية لا تزالان على ما هما عليه رغم وعود روحاني بإعطاء المزيد من الحريات للمجتمع.

ويتحدث بعض السكان عن ذكريات جيدة خلال عهد سلف روحاني، محمود أحمدي نجاد، رغم تصريحاته المثيرة للجدل التي زادت من التوترات بين إيران والقوى الغربية، والقيود الواسعة على الحريات في البلاد.

ويذكر العديد من أبناء الطبقة العاملة قيام حكومته بتوزيع المعونات المالية وتنفيذ المشاريع التطويرية، على الرغم من أن ذلك تسبب في تضخم كبير أدى إلى انتشار أبنية مهجورة في طهران.

ويؤكد ناصر زماني الذي يعمل في الحراسة الأمنية “أريد التصويت فقط لأحمدي نجاد”. ولكن مجلس صيانة الدستور النافذ منع أحمدي نجاد والمئات غيره من المرشحين من خوض الانتخابات. ويشير زماني إلى أنه سيصوت بدلا من ذلك لرئيس بلدية طهران المتشدد محمد باقر قاليباف.

ويعبر سكان آخرون عن خيبة أمل تشعر بها مثلا ناديا غيليشي التي تقول إن أملها في تحسن الأمور ضئيل للغاية. وتضيف “ازداد الفقر والبطالة وأصبح الشباب مدمنين على المخدرات… لم تكن هناك إلا نتائج سلبية خلال الأعوام الأربعة الماضية”.

وعلى جانب آخر تخشى فئة أخرى من الإيرانيين من صعود المتشددين في الانتخابات، وتقول الكاتبة نجمة بوزورغ مهر في مقال لصحيفة فايننشال تايمز إن مزدوجي الجنسية الذين عادوا إلى إيران في رئاسة، حسن روحاني، يفكرون الآن في مغادرة البلاد، إذا فاز أحد المتشددين بالرئاسة.

وأضافت أن القلق يعتري آخرين من نتائج استطلاعات الرأي قبل بدء الانتخابات، التي يقول الإصلاحيون إنها ستكون خيارا بين الاستمرار في نهج الانفتاح أو العودة إلى الشعبوية والانغلاق، التي سادت فترة، محمود أحمدي نجاد.

ففي الأعوام الأخيرة تعرض العديد من الإيرانيين من مزدوجي الجنسية إلى الاعتقال بتهمة العلاقة مع المخابرات البريطانية، أو التعاون مع الولايات المتحدة، بل وحتى حيازة الخمر أيضا، ويفسر محللون هذه الاعتقالات بأنها حملة من المتشددين في القضاء والحرس الثوري لردع غيرهم على الانضمام إلى التيار الإصلاحي.

وترى نجمة أن منافسي روحاني الرئيسيين، إيراهيم رئيسي، ومحمد باقر قاليباف، عمدة طهران، لا يؤيدان العلاقات مع الغرب، وبالتالي لا يفسحون المجال للملايين من الإيرانيين الذين غادروا البلاد منذ 1979، ويملكون من كفاءات وإمكانيات تسعى حكومة روحاني إلى جلبها من أجل تطوير اقتصاد البلاد، وقد وضعت خطة لذلك استجاب لها 600 عادوا فعلا إلى البلاد.