تكتسب الزيارة المرتقبة للرئيس الاميركي دونالد ترامب الأسبوع المقبل للمملكة العربية السعودية اهتماماً بالغاً في أوساط عواصم الدول المؤثرة في المنطقة، وعلى رأسها طهران نظرا إلى الرسائل العديدة التي تحملها، والتي سيتم من خلالها اطلاق استراتجيات المرحلة المقبلة. ولكن ماذا عن مضمون هذه الرسائل ولأي مدى سيصل صداها؟
 

لاشك في أن السياسية الاميركية مع دخولها عهداً جديداً بقيادة ترامب بدأت بتقليب صفحات الماضي في علاقتها مع محيطها ونبش نقاط القوة والضعف التي وسمت تاريخ هذه العلاقات، محاولة الاستفادة منها للعودة بزخم الى سابق عهدها واستنهاض عصر نفوذها الذهبي، فكانت أولى الترجمات عبر إعادة البوصلة نحو الرياض، مستفيدة من اجواء انعدام التوازن واختلال أرضية دول منطقة الشرق الاوسط، وتقاطعها معها في مواجهة عدوهما المشترك ايران، حاصرة الصراع معه بالتوازي مع مواجهة الارهاب.

قد يجد البعض في الزيارة الاميركية المرتقبة للسعودية مجرد زيارة بروتوكولية لن يتجاوز سقف تأثيرها حدود "هز العصا" لمن يهمه الأمر، إلّا أنه في قراءة بسيطة لأبعاد هذه الزيارة نجد أنها تحمل ما هو مناقض لهذا الرأي، وهي تتلخص في ثلاثة عناوين صريحة وواضحة تنطلق من اعتبار السعودية بوابة الغرب نحو العالم العربي والاسلامي ومرجعيتها الاولى، وهي في آن تمنحها صك البراءة من كل الاتهامات التي كيلت لها في السنوات الاخيرة حول دعمها التطرف والارهاب وتسعير الصراع من خلال دعم بعض الجهات المتطرفة في سوريا، والاهم من كل ذلك انها تشكل اعلاناً صريحاً وواضحاً ومباركة لاستراتيجية جديدة تم الاتفاق عليها بين الجانبين الاميركي والسعودي، قوامها تطويق النفوذ الايراني وادواته ومواجهة الارهاب.

لاشك في أن الاستراتيجية الاميركية - السعودية التي يبدو أنها تسير بخطىً ثابتة نحو الترجمات لن تكون بمعزل عن مطالب اميركية مقابلة ستفرض على الجانب السعودي الالتزام بها، خاصة ان النوايا الاميركية كانت واضحة، وسبق أن افصح عنها الرئيس ترامب في مؤتمراته الانتخابية قبل عام بقوله: "لن يعبث احد مع السعودية لأننا نرعاها، إنها لا تدفع لنا ثمناً عادلاً، نخسر الكثير من المال". هذا ليس فقط، فالمنطقة ايضاً حبلى بالملفات الحساسة وباب المساومة وطاولة التسويات مفتوح إنطلاقا من ملف القضية الفلسطينية وصولاً الى الملفين السوري والعراقي.

ولكن أمام هذا الواقع يُطرح التساؤل التالي عن مدى انسجام ما يقوم به اللاعب الاميركي على خط علاقته مع السعودية و"الصفحة الجديدة التي ستفتحها روسيا مع الادارة الاميركية"، وفق ما جاء على لسان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عقب لقائه الاخير مع ترامب في البيت الابيض، خاصة ان الرياض كانت من ضمن المعارضين لاتفاق الاستانة بشأن مناطق خفض التوتر الأربع في سوريا؟

المساحة المشتركة بين واشنطن وموسكو

من خلال المعطيات التي رشحت عن اللقاء الاميركي - الروسي يبدو أن التناغم الاميركي - الروسي استعاد انفاسه مجدداً الى مستوى "جيد جدا"، وفق وصف ترامب لهذا اللقاء الذي تصدرت قائمة النقاش فيه اتفاق "استانة"، مما يؤشر الى أن وجود "شيطان" في تفاصيل الاتفاق كان له دور في خلق ما يشبه مساحة مشتركة بين واشنطن وموسكو، والتي ربما بدأت ترجماته تظهر في نقاط الصراع الساخنة في المنطقة، وفي مقدمها سوريا من خلال حصول توافق اميركي- روسي على اعلان مناطق آمنة في انحاء سوريا بما يشكل تمهيدا لاتفاق أوسع قد يحمل بذور تقسيم مبطن لمناطق سورية على أساس طائفي يمكن من خلاله ضمان وقف الصراع في سوريا مستقبلا.

وفي هذا السياق نشير الى التطورات التي شهدتها الحدود السورية – الاردنية، والانباء التي تحدثت عن رصد "حزب الله" تحركات لحشود عسكرية أميركية –بريطانية – اردنية باتجاه الاراضي السورية ، وتصريح الاخير بأن هناك مساعي لانشاء حزام أمني في جنوب سوريا، معتبرا أن المناورة التي تجري على الحدود الاردنية - السورية هي مناورة مشبوهة يراد منها التغطية على مشروع لاجتياح واحتلال سوريا تحت عناوين محاربة "داعش"، محذرا الاميركيين وحلفاءهم بدفع الثمن . تهديد "حزب الله" ترافق مع انزعاج ايراني من الدور الاردني في هذا الاطار ولا سيما بعد التصريحات الاردنية الاخيرة التي ساوت بين "داعش" وطهران في تهديد المنطقة.

بالتزامن مع هذه التطورات، ثمة معطيات أخرى تشير الى محادثات "مفيدة" جرت بالامس بين وزير الدفاع الاميركي جايمس ماتيس في كوبنهاغن مع مسؤولي دفاع اتراك على هامش مؤتمر لمكافحة "داعش"، حيث كان ملف الاكراد ثالثهما. وقد تم التأكيد على حل الخلافات القائمة حول هذا الملف مما يفسح الطريق امام دور تركي اضافي في تعزيز حضورها على الحدود التركية – السورية من بوابة الحزام الامني الذي يبدو أنه بدأ العمل على تهيئته لربط عنق النفوذ الايراني وحلفائها في سوريا.

امام هذا الواقع ييدو اللاعب الايراني في حالة تخبط، خاصة أنه منشغل بالاستحقاق الرئاسي المقرر حصوله الاسبوع المقبل، في ظل ما طفى على سطح هذا الاستحقاق من بذور تشرذم وانقسام في الداخل الايراني كشفتها تصريحات مسؤولين من الاحزاب الاصلاحية انتقدت من خلالها السياسة الخارجية لايران في سوريا معتبرة أنها تستنزف ميزانية الحكومة. في المقابل اثارت بعض الصحف الايرانية سلسلة اتهامات حول توجهات الاصلاحيين من ضمنها أنها تأتي في اطار "اضعاف جبهة المقاومة في المنطقة تناغماً مع اجهزة استخبارات اقليمية خاصة في تركيا". على ما يحمل ذلك من مؤشرات خارجية وداخلية خطرة قد تمهد لامكانية حصول صدام كبير في الداخل الايراني بين خطي المحافظين والاصلاحيين لن تقتصر اضراره عند الحدود الايرانية فقط وانما ستتعداها الى دول أخرى ولا سيما اذا ما فشل الاصلاحييون في ايصال مرشحهم الى سدة الرئاسة.

(ميرفت ملحم - محام بالاستئناف)