أعلن رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري أن الاستمرار في تعطيل الحلول في ملف الكهرباء ونقل النقاش حوله إلى خارج مجلس الوزراء سيدفعانه إلى تقديم استقالته.
وكان الحريري قد توجه إلى الوزراء خلال الجلسة التي عقدت في السراي الحكومي مؤخرا بالقول “هنا مجلس الوزراء، وعلى هذه الطاولة تدار كل المواضيع، ومن لديه اعتراض فليقدمه هنا”.
وطلب الحريري من الوزراء تبليغ مرجعياتهم السياسية بموقفه، منبّها إلى أنه “إذا لم تستطع الحكومة معالجة هذا الملف فما الفائدة منها؟”، كما أكد أنه “لا يريد حكومة كيفما كان” وأنه “مستعد للاستغناء عن رئاسة مجلس الوزراء إذا استمر الاعتراض على ملف الكهرباء”.
وكانت قضية تلزيم البواخر لاستجرار الطاقة الكهربائية قد تحولت إلى سجال سياسي حاد تبادلت خلاله القوى السياسية التهم بالفساد وانعدام الشفافية.
وكان وزراء القوات اللبنانية قد سجلوا اعتراضهم على طريقة إدارة هذا الملف، كما اعتبر كل من رئيس مجلس النواب نبيه بري والنائب وليد جنبلاط أنه باب من أبواب الهدر والعجز في حين لم يصدر موقف واضح بشأنه من قبل حزب الله.
واتخذ السجال حول هذا الملف شكل تموضعات سياسية حادة تهدد بنسف كل السياق التوافقي الذي شكلت الحكومة على أساسه، والذي يقوم على ربط النزاع حول الملفات الكبرى مقابل تسهيل الحلول في الشؤون الاقتصادية والخدماتية المرتبطة بحياة الناس اليومية.
وينذر المناخ السائد بسقوط هذه الصيغة من خلال تحويل النقاش الخدماتي والإنمائي والاقتصادي إلى سجال سياسي.
سمير الجسر: لبنان ليس في أولويات العالم ولا المنطقة ولا أحد في لبنان يستوعب الأمر
وتعتبر بعض القراءات أن هذا المناخ ينذر بوجود نوايا بإسقاط الحكومة أو بالحفاظ عليها مع عدم السماح لها بتحقيق أي إنجاز في أي ملف وخصوصا في ملف قانون الانتخاب.
ويذكر نائب عن كتلة التنمية والتحرير عبدالمجيد صالح أن الحكومة أخذت على عاتقها تحقيق إنجاز قانون انتخابي جديد، كما رفعت شعار استعادة الثقة، ويأخذ على رئيس الحكومة “التقصير في عدم الإمساك بزمام المبادرة في موضوع قانون الانتخاب والسماح لوزير الخارجية جبران باسيل التصرف وكأنه قد نال تكليفا من الجميع بوضع قانون انتخابي”.
ويضيف “إطلاق يد الوزير باسيل منحه الفرصة لطرح قوانين انتخابية خلافية عقّدت إمكانية التوافق، وقد توالى رفض القوى السياسية لها”.
وتشير مصادر إلى أن الحريري قرأ جيدا هذا التوجه الذي يهدف إلى تحميله المسؤولية الكاملة عن الفشل الحكومي تمهيدا لإضعافه، وأنه يفضل الاستقالة من منصبه على تحمل مخاطر الاستمرار على رأس الحكومة في ظل سيادة نزعة التعطيل.
ويلفت النائب عن كتلة المستقبل سمير الجسر إلى أن “الرئيس سعد الحريري كان قد نجح في انتزاع موافقة معظم القوى السياسية على مبادرة إنقاذية عامة وشاملة كان ينوي إطلاقها مؤخرا، ولكنه عدل عن ذلك بعدما تبيّن له أن الأمور عادت إلى التعثر وأن مبادرته وصلت إلى طريق مسدود”.
ويؤكد الجسر أن قرار الرئيس الحريري بالاستقالة من منصبه “ليس مستبعدا لأنه لن يقبل بأن يكون واجهة للتعطيل”.
وينبّه إلى أن أجواء العمل الحكومي السائدة ليست مريحة على الإطلاق وأن رئيس الوزراء قدم مجموعة من التنازلات الكبرى من أجل تسهيل إنجاز التوافق، ولا يمكنه الاستمرار في هذا النهج في ظل الممارسة العامة التي تنتهجها القوى السياسية في الحكومة.
ويلفت عبدالمجيد صالح عضو إلى أن السجال حول موضوع الكهرباء والذي أنتج خلافات حادة داخل الحكومة وخارجها “ليس سوى واجهة للسجال السياسي حول قانون الانتخاب”.
ويشير إلى أن “اللبنانيين ليسوا محتاجين في الفترة الحالية إلى استقالة رئيس الحكومة أو سقوط الحكومة بل إلى نجاح الحكومة في إنجاز قانون انتخابات جديد”.
وينتقد صالح عدم وضوح مواقف الحريري لناحية عدم سعيه إلى “خروج القانون الانتخابي من مجلس الوزراء كونه المؤسسة التي تضم ممثلين عن كافة القوى السياسية”.
وأدى هذا الواقع وفق صالح إلى “نشوء اللجان، وخلق حالة دائرة من الإبهام وتضارب المواقف حتى في صفوف التيار الواحد، إضافة إلى انتشار ظاهرة التصريحات الضبابية”.
ويقول العضو في كتلة التنمية والتحرير “إذا فشلت الحكومة في تحقيق الهدف الأبرز لوجودها وهو إنتاج قانون انتخابات، فإن خيار الاستقالة قد يكون منطقيا”.
وبرزت مواقف أميركية مستجدة تؤشر إلى أن أولوية واشنطن في لبنان ليست الدفع في اتجاه منع الفراغ البرلماني أو الحكومي بل تنحصر أولوياتها في الأمن والاقتصاد.
ويعلق الجسر على هذا التوجه الأميركي قائلا “أنا مقتنع بأن لبنان ليس في أولويات العالم ولا المنطقة ولا أحد في لبنان يستوعب هذا الأمر”، مضيفا “كل السياقات تؤكد بما لا يقبل الجدل أن احتمال سقوط لبنان في هوة التردي والفراغ لن يدفع بأيّ من القوى الإقليمية والدولية إلى محاولة إنقاذه، وسيناريوهات الفراغ النيابي والحكومي المطروحة ليست محل اهتمام الولايات المتحدة أو غيرها من القوى الدولية".
شادي علاء الدين