للولايات المتحدة تحفظات عدة على اتفاق تخفيف التوتر الذي بدأ تنفيذه منتصف ليل الجمعة الماضية في مناطق بسوريا، ومن أبرز هذه التحفظات إشراك إيران كطرف ضامن لتنفيذه، وهذا يحتوي على مفارقة غريبة بالنظر إلى الدور الإيراني التخريبي لأي مساع لتسوية سياسية للنزاع في هذا البلد
 

أبدت الولايات المتحدة حذرا في التعاطي مع اتفاق تخفيف التوتر الذي رعته روسيا في مسعى لإنقاذ الهدنة الهشة في سوريا وفسح المجال أمام إمكانية التوصل إلى تسوية سياسية للصراع الدائر في هذا البلد منذ نحو سبع سنوات.

وقال وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس الاثنين إن واشنطن ستفحص عن كثب الخطة، محذرا من أن “الشيطان يكمن في التفاصيل”.

وأوضح للصحافيين خلال رحلة إلى كوبنهاغن “كل الحروب تنتهي في نهاية الأمر وكنا نبحث منذ فترة طويلة عن سبيل لإنهاء هذه الحرب. لذلك سندرس الاقتراح ونرى ما إذا يمكن أن ينجح”.

وأضاف أن التفاصيل الأساسية مازالت غير واضحة بما في ذلك من بالتحديد الذي سيضمن “سلامة” هذه المناطق وأي جماعات بالتحديد ستظل خارجها.

وسيلتقي وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون نظيره الروسي سيرجي لافروف الأربعاء للتباحث حول هذه المسألة، حيث سيحاول الأخير تقديم تطمينات للجانب الأميركي وإزالة التحفظات بخصوص عدد من بنود الاتفاق.

وتبدو الإدارة الأميركية غير راضية بالمرة على إشراك إيران في الإشراف على تنفيذ الخطة، فهي ترى في الوجود الإيراني على الأراضي السورية تهديدا لا يقل خطورة عن تنظيم داعش بالنسبة لمصالحها ومصالح حلفائها الاستراتيجيين في المنطقة.

ووقعت كل من تركيا وإيران على الاتفاق الذي طرحته روسيا خلال محادثات لوقف إطلاق النار في سوريا عقدت في أستانة عاصمة كازاخستان الأسبوع الماضي ودخل الاتفاق حيز التنفيذ منتصف ليل الجمعة، لكن بعض الاشتباكات تواصلت خاصة في ريف حماه الشمالي وريف دمشق.

ويفيد الاتفاق بأن أربع مناطق آمنة تشمل أجزاء من حلب (شمال)، وريف حماه الشمالي (وسط)، والغوطة الشرقية (في العاصمة دمشق)، ودرعا (جنوب) ستشكل في سوريا لمدة ستة أشهر يمكن تمديدها إذا ما وافقت الدول الثلاث.

ووفق النص الذي نشرته وزارة الخارجية الروسية السبت، فإنه لن يسمح للمقاتلين استخدام الأسلحة والضربات الجوية في هذه المناطق. ويشمل الاتفاق كذلك تهيئة الظروف لوصول المساعدات الإنسانية والطبية وعودة المدنيين النازحين إلى ديارهم.

والمبادرة هي أكثر الجهود جدية لخفض العنف ودعم اتفاق لوقف إطلاق النار أُعلن أول مرة في ديسمبر باتفاق روسي تركي.

وقال وزير الخارجية السوري وليد المعلم، الاثنين إن الحكومة السورية ستلتزم بشروط الخطة، ما دام مقاتلو المعارضة ملتزمين بها، مشددا في الوقت ذاته على رفض تولي قوات دولية الإشراف على ضمان تنفيذها.

وأبدت المعارضة السورية المسلحة تحفظها هي الأخرى على الاتفاق، لما تضمنه من بنود مثيرة للشبهات تفتح المجال أمام تقسيم البلاد، على حد تعبيرها.

ومن أبرز البنود التي تتحفظ عليها فصائل المعارضة، تلك التي تتحدث عن القوات التي ستتولى مراقبة عملية وقف إطلاق النار على خطوط التماس بينها وبين النظام.

وينص الاتفاق على حصرية أن تكون تلك القوات روسية وإيرانية وتركية، رغم إبداء موسكو انفتاحها لإشراك قوات من دول أخرى على تنفيذ الخطة، وهذا ما يتوقع أن يتم البحث فيه بين تيلرسون ولافروف في اجتماعهما المرتقب.

وكانت المعارضة تأمل في أن تكون هناك قوات محايدة لتولي تلك المهمة، مستغربة كيف لإيران الطرف الضالع مباشرة في النزاع والذي لا يبدي أي تعاون في التوصل إلى تسوية سياسية واقعية، ويسعى جاهدا لتنفيذ مشروعه التوسعي في سوريا، أن يكون هو المشرف على خطة تخفيف التوتر.

الإدارة الأميركية تبدو غير راضية بالمرة على إشراك إيران في الإشراف على تنفيذ اتفاق تخفيف التوتر في مناطق سورية
وشدد وزير الخارجية السوري وليد المعلم على أنه “لن يكون هناك وجود لقوات دولية تحت إشراف الأمم المتحدة. الضامن الروسي أوضح أنه سيكون هناك نشر لقوات شرطة عسكرية ومراكز مراقبة لهذه المناطق. إذا لا دور للأمم المتحدة أو للقوات الدولية في هذه المناطق” دون ذكر المزيد من التفاصيل في هذا الشأن.

ودعا المعلم في مؤتمر صحافي بثه التلفزيون “إلى مساعدة الفصائل التي وقعت على الاتفاق على وقف الأعمال القتالية وإخراج جبهة النصرة من مناطقها”.

وتشهد الغوطة الشرقية منذ فترة اقتتالا بين جبهة فتح الشام (جبهة النصرة سابقا) وفيلق الرحمان من جهة وجيش الإسلام من جهة ثانية، الأمر الذي فتح الباب أمام التأويلات حول ما إذا كان هناك توافق بين الدول الإقليمية والدولية لإنهاء وجود الجبهة في مناطق سيطرة المعارضة، باعتبار أن بقاءها لن يفضي إلى أي مسعى لتخفيف التوتر.

وقال معارض سوري لـ“العرب” إن المعارك بين فتح الشام وجيش الإسلام ليست جديدة وإن أخذت منحى تصاعديا في الفترة الأخيرة لجهة حرص جيش الإسلام على تقديم أوراق اعتماده كطرف محارب للإرهاب.

ويرى المعارض السوري أن ما يحدث في الغوطة الشرقية هو تفصيل صغير في سياق مساعي إنهاء النصرة التي خرجت من عباءة القاعدة تنظيميا، لافتا إلى أن المعارضة والنظام على حد السواء لا يملكان القدرة على القضاء عليها خاصة في معقلها الرئيسي إدلب (شمال غرب) وأن هذا الأمر يقع على عاتق الدولتين الداعمتين لها وهما تركيا وقطر.

وأكد أن تركيا وقطر تنسقان مع روسيا من أجل حصة في سوريا تسعيان لضمانها عبر اعتراف روسي بتنظيمات إسلامية موالية لها في مقابل العمل على تفكيك التنظيمات الراديكالية وعلى رأسها النصرة.

ويرى مراقبون أن الولايات المتحدة غير بعيدة عن أجواء هذه التفاهمات، وإن كانت طبعا لها احترازات متمثلة في إيران وميليشياتها، كما هو الحال بالنسبة للمعارضة السورية.

وقال وليد المعلم إن الولايات المتحدة خلصت في ما يبدو إلى وجوب توصلها لتفاهم مع روسيا للتوصل إلى حل للأزمة السورية.

وتسعى روسيا جاهدة لإقناع الجانب الأميركي باتفاق تخفيف التوتر وقد اتخذت في الفترة الأخيرة جملة من خطوات بناء الثقة معها لعل من بينها إعادة تفعيل التنسيق في الأجواء السورية، والذي علقته على إثر الغارات الأميركية على مطار الشعيرات في حمص.

وأعلنت روسيا الاثنين أنها قدمت مشروع الاتفاق إلى مجلس الأمن الدولي لتعزيز الاتفاق المبرم بهذا الشأن بين موسكو وطهران وأنقرة.

ونقلت الوكالات الروسية عن المتحدث باسم البعثة الروسية في الأمم المتحدة فيودور سترجيجوفسكي تأكيده تقديم المشروع.

وأفادت وكالة أنترفاكس نقلا عن مصدر في الأمم المتحدة أن “التصويت على مشروع القرار قد يتم هذا الأسبوع”.

ويربط مراقبون التصويت على الاتفاق بما يتمخض عنه اللقاء الذي سيجمع وزيري خارجية روسيا والولايات المتحدة.