أي مراقب لتصاريح ودعوات وبنود الحملة الانتخابية للرئيس- الوزير سابقا- الوسطي الليبرالي الأصغر لفرنسا ايمانويل ماكرون (39 عاماً)، يدرك أن اولوياته: مصلحة أوروبا والتجارة الحرة وحماية المهاجرين والتصدي لمقاطعة اسرائيل. تحليلات واسعة النطاق رأت أن فوز ماكرون له تأثير كبير ليس فقط على صعيد فرنسا، بل على صعيد أوروبا ككل، خاصة بعد المخاوف من مغادرة فرنسا الاتحاد الاوروبي (بريطانيا سابقاً)، بحسب ما اعلنت منافسته مارين لوبان خلال حملتها الانتخابية، لكن ماذا عن النقاط الأبرز الوجب الإضاءة عليها في ما يخص سياسيته في الشرق الأوسط، ولبنان تحديداً.
بشعاره "إلى الأمام" وصل الى المنصب الاعلى في رئاسة الجمهورية الفرنسية، فهل ستكون بصمة "خليفة هولاند" مختلفة على صعيد الأزمة السورية والفلسطينية و"حزب الله"؟
"ماكرون من أكثر رجال السياسة ثقافة وعلماً وهو بارع في المسرح والفلسفة والاقتصاد، هو قادم من صفوف اليسار لكنه ذهب باتجاه الليبرالية"، بحسب الإعلامي المتخصص في العلاقات الدولية سامي كليب، الذي رأى أن ماكرون "يعرف من أين تؤكل الكتف" في السياسة.
وقسّم كليب سياسة ماكرون في الشرق الأسط الى 3 أزمات أساسية:
-الازمة السورية: ماكرون سيستمر بالتنسيق مع الادرة الاميركية وحلف شمال الأطلسي. الموقف السابق له "الخلل الأول في سوريا هو بشار الأسد ويجب محاكمته" لن يتغير، خاصة أن هذا الخطاب هو الذي أوصله الى سدة الرئاسة، خلافاً لسياسة لوبان الانفتاحية حول الأسد. أما عن خطته في سوريا، فستكون بالضغط على الرئيس السوري علنياً، ومن جهة أخرى، بالاستمرار في دعم الدول المناهضة له. في مقابل كل هذا، سيدعم ماكرون الخيار الاميركي المتجه عاجلاً ام آجلاً الى العودة للتسورية السياسية، لكن ليس بشروط روسية بل بالضغط على روسيا في مجلس الأمن.
- القضية العربية الأولى في الشرق الأوسط وهي فلسطين المحتلة، سيكون أقل حماسة من السياسيين الفرنسيين السابقين في المجاهرة بإقامة دولة فلسطينية أو دعم القوى الفلسطينية المستقلة، الا اذا اضطر الى ذلك لأسباب اعلامية أو داخلية، وسيكون مناخه أقرب الى اسرائيل لان التقارب مع اسرائيل لم يعد مشكلة، نظراً الى أن الكثير من الدول العربية وتحديداً دول الخليج، التي سيكون له مصالح كبيرة معها، هي تنفتح أكثر فاكثر على اسرائيل.
- المغرب العربي: سيحاول أن يكون أكثر انفتاحاً خصوصاً ان سيرضي الجزائريين بالاعتراف بمسؤولية فرنسا التاريخية.
أما بالنسبة الى علاقته مع روسيا، يلفت كليب الى اننها "ستكون أكثر حذرة وقد تتحول الى "سيئة" في مرحلة ما، قبل أن يحسنها لاحقاً نظراً الى الضغوط الاقتصادية وحاجة فرنسا وأوروبا للغاز الروسي".
أما محلياً، فرأى كليب أن "الجديد قد يكون على صعيد تصعيد اللهجة ضد "حزب الله" في المراحل المقبلة، والتي قد تُترجم بالضغط عليه في مرحلة معينة من خلال فرض عقوبات، واذا شعر ماكرون أن هذا الموقف لن يؤثر على دور فرنسا في لبنان، فسيرفع اللهجة أكثر وأكثر وسيجاهر بمحاولة تحجيم دور حزب الله، هذا عدا عن أن أي اختراق على الحدود، سيكون أكثر تشدداً في تحميل المسؤولية الى الحزب.
وعن قرب العهد الجديد بشخص ميشال عون من "حزب الله" ومواقفه المساندة له دولياً ومحلياً، اعتبر أن "هناك فرق بين علاقة تجارية بين ماكرون وعون وبين موقف فرنسا من حزب الله". ورأى أنه "لا يمكن بمعاداة حزب الله أن تكون هناك سياسة فرنسية مستقلة في لبنان لان الداخل اللبناني منقسم بين مع وضد الحزب، لذا، الموقف المعادي للحزب سيخلق مشاكل عدة حتى داخل العهد لان عون لن يقبل بوضع ضغوط كبيرة على الحزب.
باختصار، سياسة ماكرون ستكون عبارة عن دعم أكبر للشرعية الدولية بشخص الرئيس عون مقرونة بمطالبة الدولة اللبنانية ببسط سيطرتها على كامل الاراضي اللبنانية، ما يعني الضغط "على حزب الله". وبعد ساركوزي، سيكون ماكرون من أكثر الرؤساء قربة من الولايات المتحدة، لذا ستكون سياسة ماكرون في لبنان مختلفة عن "سياسة فرنسية مستقلة" بل مرتبطة بسياسة الاطلسي واميركا.
لكن هل سينجح ماكرون في خططه بالتأثير سلبا على حزب الله بطريقة ما؟ لفت كليب الى أهيمة مراقبة الانتخابات البرلمانية الفرنسية الآتية الشهر المقبل، التي إما تعزز وضع ماكرون ويتحول الى "سلطة استثنائية في اوروبا" يستطيع أن يفرض وجه نظره، وإما أن يتكون المجلس الجديد بخليط من "اليمين والليبراليين" و"اليمين المتطرف" وهنا لا تعود مسألة السياسية الفرنسية مرتبطة بالرئيس فقط، بل بالتوازن الداخلي بين الرئيس والمجلس النيابي. علماً أن لوبان وعدت في اول تصريح لها بعد نتائج الانتخابات بـ"قيادة المعركة" في الانتخابات البرلمانية لخلق "قوة سياسية جديدة".
من جهته، قال رئيس المرصد اللبناني للعلاقات الدولية والاستيراتيجية وليد عربيد إن سياسة ماكرون "ستكون مزيجاً من السياسة العربية لفرنسا الذي ينتهجها الجنرال شارل ديغول والسياسة الفرنسية المتوسطة حول الشرق الاوسط وشمال افرسقيا، متطلعاً بالحؤول الى إقامة دولتان في فلسطين المحتلة بحاضنة فرنسية.
وأشار عربيد في حديث خاص مع "لبنان 24" الى ان "هناك كباش حقيقي في العلاقات الدولية مع روسيا (الزمة الاوكرانية) خاصة بعدما رفضت فرنسا تسليم موسكو حاملتي طائرات هليكوبتر من طراز "ميسترال" نظراً لسلوكها في اوكرانيا.
ولفت الى أن "فرنسا تحاول ان تكون طرفاً أساسياً في حل مجمل القضايا العالقة في منطقة الشرط الاوسط، أي أن تتحول الى لاعب اساسي وليس طرفاً يختبئ وراء أحد، ففرنسا الموقعة على اتفاقية "سايكس بيكو" لن تقبل أن تكون مهمشة وستحاول ان تجد موطئ قدم اساسي لها في حلحلة النزاعات وفي محاربة الارهاب و"داعش" الى جانب اميركا.
أما في ما يخص الكلام الذي صدر عنه خلال حملته الانتخابية بان "الدولة الفلسطينية غير موجودة" فرأى أن هذه التصريحات هي كلام انتخابي ليس اكثر، ورأى أن هناك علاقات مميزة تجمع فرنسا بلبنان، ليس سياسية فقط بل تجارية وثقافية ايضاً، وهي مستمرة، فلبنان بالنسبة الى فرنسا هو رأس حربة في منطقة الشرق الاوسط، لذا يهم فرنسا الحفاظ على الاستقلال والاستقرار وتقريب وجهات النظر بين الاطراف في لبنان، ومجابهة الخوف من ردة فعل الارهاب على الداخل اللبناني، مع الابقاء على أهمية دعم قرار 1701 للحفاظ على الحدود مع اسرائيل.
لماذا لم تنجح لوبان كحليفها في الخطاب العنصري المتطرف دونالد ترامب للوصول الى الرئاسة؟ يشدد عربيد على أنه "لا يمكن المقارنة بين فرنسا (دولة الثورة الفرنسية) والولايات المتحدة، نظراً الى ان فرنسا دولة عريقة ببنيتها في الدفاع عن الحريات والديمقراطكية وحقوق الانسان، لذا، غن الخطاب الشعبوي لاقى رواجاً في أميركا وبريطانيا، لكن في فرنسا، ورغم أن الخطاب لاقى رواجاً في الشارع، إلا أنه في اللحظة الحامسة التي شعر بها الشعب الفرنسي بأن الخطاب يمس بالاسس الديمقراطية، فهو تصدى له دون تفكير، بحسب ما حصل في الجولة الثانية الرئاسية.