غالباً ما تشكّل يوميّات بيروت مستودعاً لـ "تواريخ" يتمّ استحضارها على طريقة "الشيء بالشيء يُذكر"... هكذا كانت حال العاصمة اللبنانية أمس مع تنكيس "عيونها" وهي تتذكّر السابع من مايو 2008 حين اجتاح "حزب الله" المدينة واحتلّها لساعاتٍ وحاول غزو الجبل، في تطورٍ فتْنوي أَشعل مناطق عدّة وكاد يودي بالبلاد في مهالك لا تُحمد عقباها.
فـ "حزب الله" أدار يومها سلاحه في اتجاه الداخل لكسْر قواعد اللعبة السياسية والتوازنات التي أعقبتْ اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري في العام 2005 وخروج الجيش السوري، وكان له بعض ما أراد حين سلّم له الجميع حينها بـ "الثلث المعطّل" تكريساً لإمساكه بالإمرة الإستراتيجية. وهو ما نجح بانتزاعه في ما عُرف بـ "اتفاق الدوحة" الذي شمل سلّةَ تفاهماتٍ بينها رئاسة الجمهورية وقانون الإنتخاب.
وكان الرئيس السابق للجمهورية العماد ميشال سليمان الذي انتُخب بموجب "اتفاق الدوحة" بعد فراغٍ في الرئاسة إستمرّ لنحو ستة أشهر، كشَفَ عن أن رفْضه المسبق للإقرار بإلتزاماتٍ حول "الثلث المعطل" وقانون الإنتخاب والتعيينات علّقا إنتخابه بقرارٍ من حلفاء سورية وإيران الى ما بعد عملية 7 مايو 2008 التي اقتادتْ الجميع إلى الدوحة للإقرار بتلك الالتزامات.
وبهذا المعنى فَتِّش دائماً عن الانتخابات النيابية. فرفيق الحريري الذي كان يتّجه للإمساك بالغالبية البرلمانية في انتخابات العام 2005 عبر تحالُفٍ مع المعارضة المسيحية آنذاك والزعيم الدرزي وليد جنبلاط، اغتيل اعتقاداً بأن قتْله ومن ثم دفْن المعارضة يحول دون نقل لبنان من ضفةٍ إلى ضفة، وهو الأمر الذي لم يَحدث نتيجة انفجارِ انتفاضةٍ شعبية غير مسبوقة في تاريخ لبنان كان من نتائجها إخراج الجيش السوري وانهاء حال الوصاية على البلاد.
وفي الطريق الى انتخابات العام 2009 بلغ الهجوم المعاكس الذي شنّه "حزب الله" بغطاءٍ من حليفه المسيحي (التيار الوطني الحر الذي كان يتزعّمه الرئيس ميشال عون) ذروته بتنفيذ عملية 7 مايو التي أفضت الى "تسوية الدوحة" التي مكّنته من تحقيق مكاسب، بينها قانون الانتخاب الذي اعتبر عون في حينه أنه "يعيد الحقّ لأصحابه".