لكن ما لم تُدركه سارة حينها أنّ أحدهم كان ساهراً أيضاً، يحتسي ما تَوافَر له من كحول وربّما أكثر، من يدري...؟ يَشربها غيرَ آبهٍ بما إذا كانت قد أفقدته وعيَه، وما الفرق؟ فالسلاح في جيبه. خرَجت هي، وخرج هو... واجتَمعا في المكان نفسه بدَورين مختلفَين، هو قاتلٌ وهي مقتولة. لكنّ حقيقةً غريبة تَطرح أسئلةً في جريمة زحلة، فما الذي حصَل؟بُعَيد الساعة الخامسة من فجر الأحد ولدى خروج سارة سليمان إبنة الـ 24 ربيعاً مِن أحد ملاهي زحلة برِفقة مجموعة من أصدقائها الذين كانوا يحتفلون بعِيد ميلاد أحدِهم، صودفَ حصول حادث سير أمام الملهى.
وخلال كشفِ خبير السير على الحادث، مرّت بجانبهم سيارة رباعية الدفع من طراز «Tahoe»، يقودها قاسم رفيق المصري المعروف بـ«طه المصري»، فطلب منه أحد الأشخاص فتح الطريقِ لتسهيل المرور، فلم يُعجبه الأمر، وراح يُطلق الرصاص نحو الملهى عشوائياً، متسبّباً بإصابة كلّ من سارة في رأسِها وسيمون معوّض (33 عاماً) برِجله، فتوفّيت سارة متأثّرةً بجروحها، فيما نُقِل سيمون إلى «مستشفى خوري العام» في زحلة.
مذكّرات توقيف
بغَضّ النظر عن فداحةِ الجريمة التي نُفّذت، والتي تُشبه بـ«تفاهة» أسبابها جريمة قب الياس التي حصَدت قتيلين بسبب «النسكافيه»، إلّا أنّ ما يُفرّقها هذه المرّة أنّه بحقّ منفّذ الجريمة 4 مذكّرات توقيف، ومن المعلوم، بحسب مصدر معني لـ«الجمهورية»، أنّ المصري أتى من منطقة خارج زحلة، أي أنّه مرَّ على حواجز عدة قبل أن يصل إلى ساحة الجريمة، فكيف لهكذا شخص أن يتنقّل بين الحواجز رغم وجود مذكّرات توقيف عدة بحقّه؟
وكيف يمكنه أن يسهر ويحتسي الكحول ولا من حسيب أو رقيب؟ فضلاً عن وجود حساب له على «فايسبوك» يتباهى فيه بأسلحته؟ إذاً من يُغطّيه ويغطّي أمثاله؟
أحد أبناء زحلة يقول لـ«الجمهورية»: «لو أنّ الجريمة حصَلت في الجرود، قد نفهم تبرير الدولة للفَلتان هناك، رغم وجوب فرضِ سلطتِها على كلّ بقاع الوطن، لكنْ أن تحصل الجريمة وسط زحلة المشهود لها بالأمن، فهنا تُطرَح الأسئلة، فكيف يُقبَض على أشخاص عليهم مخالفات بسيطة ويُترَك المجرمون ليسرَحوا ويمرحوا بين أولادنا؟ بالتأكيد هناك من يؤمّن غطاءً لهؤلاء».
بدوره يكشف مصدر أمني لـ«الجمهورية» أنّ «للمصري باعاً طويلة في مخالفة القوانين، إذ بحقِّه 4 مذكّرات توقيف رغم صغرِ سنِّه، كما أنّه يضع زجاجاً داكناً على سيارته «ليُشبّح» على الناس، ويَظهر في صورِه على مواقع التواصل الاجتماعي متباهياً باقتنائه أنواع أسلحة متعددة»، واعداً أنّ «المجرم سيكون خلال ساعات في قبضة القوى الأمنية، ليتحوّل إلى القضاء المختص وينالَ العقاب الذي يستحقّه».
بالأمس كانت سارة التي خرَجت من بيتها على أساس العودة ككلّ ليلة، وكما سارة التي لم تكن تتوقّع أن تنتهي حياتها بكبسة زناد من أحد «السكرانين»، يمكن أن يكون إبنُ أيٍّ من اللبنانيين أو أخوه أو أمُّه أو أبوه، أو يمكن أن يكون هو بذاته اليوم وغداً وكلّ ساعة، ما لم يوضَع حدٌّ للفلتان.
رصاص عن طريق «الخطأ»
وأمس أيضاً، حصَلت جريمتان أخرَيان في عكار تؤكّدان ضخامة ما آلت إليه ظاهرةُ السلاح المتفلّت، إذ أطلقَ ع. ر. النارَ من سلاح حربي عن طريق الخطأ، فيما كانت مجموعة من الشبّان متجمعةً أمام النجدة الشعبية تمهيداً للتوجّه إلى منطقة رحبة في عكّار، حيث كان يُقام احتفالٌ للحزب الشيوعي، فأصاب قريبَه المهندس حسّان رجب، ما أدّى إلى وفاته على الفور.
بدورها، تعرَّضت المواطنة خ. م. لطلقٍ ناريّ عن طريق الخطأ من بندقية صيد، كان زوجها ص. ع، يلهو بها في المنزل في محلّة المحمرة-عكار، فأصيبَت بيدِها ونُقِلت إلى مستشفى الخير في المنية لتلقى العلاج اللازم، ناجيةً من الانضمام إلى قافلة قتلى السلاح غير الشرعي، أو غير المُستخدم في مكانه.
إذاً مجرمان يَسرحان على طرقات لبنان: من يُعتبَر غيرَ مؤهّل لاستخدام السلاح ورغم ذلك يقتنيه، ومن يهوى الإجرام ويعتبر أنّ الحلّ أمام أيّ مشكلة مهما كانت سخيفة هو إشهار سلاحه بوجوه من يعترضونه. وأمام هذين المجرمين يقف جلّادٌ واحد لا منافس له، هو كلّ سياسي يَسمح لنفسه باستخدام عباءَتِه لتغطية سفّاحين لا تليق بهم إلّا السجون، فهل ستبقى الأمور «فالتة» إلى حين يَذوق أحدُ «الجلّادين» مرارةَ هذه الكأس؟