ثمة تلازم في الشرق بين ما هو ديني وبين ما هو سياسي , ولم يتم الفصل بينهما لأسباب منها تاريخية إذ أن بعض المفكرين الاسلاميين لا يُفرق بين الدولة والمجتمع وبالتالي يعتقدون أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد بنى وأسس دولة في المدينة , ويعتبرون هذا دليلا على الربط والتلازم بين الدين والدولة , وقد فاتهم أن مفهوم الدولة هو مفهوم معاصر وله شروط أهمها الحدود والاقليم , بالاضافة إلى الشعب والسلطة , حيث أن الاسلام لا يقرّ بحدود دولته ولا يقبل أن يبقى في إقليم محدد من الاقاليم لأنه دين عالمي , وبالتالي هذا يُفقد مفهوم الدولة أهم عناصر تكوينها , ونحن نرى أنه صلى الله عليه وآله قد أسس مجتمعا تمهيدا لبناء دولة بمفهومها التاريخي .
وثمة فرق بين الدولة والمجتمع , حيث أن المجتمع أعم من الدولة , لأن المجتمع يمارس سلطته من خلال التقاليد والاعراف , وأسلوبه في الضبط الاجتماعي يعتمد على النفوذ المعنوي وقوة الاقناع , أو الطرد والنبذ الاجتماعي , والدولة تمارس سلطتها من خلال الحكومة والقوانين التي تنفذ بواسطة الحكومة والمؤسسات التابعة لها , والدولة منظمة واحدة قانونية , في حين أن المجتمع يتضمن عدة تنظيمات , والدولة واحدة من هذه التنظيمات , هذا يعني ان المجتمع سابق على الدولة وأعم منها وأوسع , وحتى يتحوّل المجتمع إلى دولة لا بد من أن ينتظم سياسيا ويستكمل شروط قيامها .
وكلاهما , أي المجتمع والدولة يهدفان إلى تنظيم شؤون الناس , ولكن تختلف الآليات بينهما , فالمجتمع يقوم على التعاون الاختياري بحاكميّة إرادة طيبة وخيّرة تعتمد منهج المرونة , أما الدولة فتعتمد المنهج الآلي المستند إلى القوة .
هذا المقدمة تهدف إلى التمهيد للقول بإمكانية الفصل بين ما هو سياسي وبين ما هو ديني وإجتماعي , ولكن الحال أنه لم يتم الفصل بينهما , وتداخلا بكثير من العناوين والمفاهيم , وبالتالي نرى كيف يتحمّل الدين مسؤولية الاخفاقات السياسية , أو الانحراف السياسي والفساد السياسي نراه يُلقى بتبعاته على الفكر الدين , أي إن كثيرا من الفساد السياسي الذي يتفرّع عنه فساد مالي إقتصادي وفساد إجتماعي , نرى البعض يحمّل المسؤولية للفكر الديني لأن هناك تقاطع مصالح بين السلطتين الدينية والسياسية , وهذا التقاطع يجعل السلطة الدينية في دائرة الاتهام , وقد تكون هي كذلك , ولكن لا يمكن تبرئة السياسيين بالكامل من المسؤولية الاخلاقية .
هذا يعني ايضا فرض التلازم في الاصلاح بين الاثنين , بمعنى أن أي إصلاح سياسي في مجتمعنا يتوقف على الاصلاح الديني الذي يعني التمييز بوضوح بين ما هو ديني وبين ما هو سياسي , وبالتالي سلخ صفة المقدس الديني عن أي عمل سياسي , وإفساح المجال لتوجيه النقد للأخطاء السياسية التي تؤدي إلى فساد على الاصعدة كافة , وهذا يعني أيضا وبكل صراحة أننا نعاني من الغطاء الديني للفساد السياسي , لذلك لا يرتعبّن أحد , أو لا يستغربّن أحد عندما تتوجه الناس باللوم على السلطة الدينية القادرة على الوقوف موقف المواجه للفساد السياسي