مع اقتراب الموعد، على بُعد حوالي الأسبوعين، بدأت تتضح الصورة أكثر، من دون أن تحمل إجابات حاسمة.
تُعدّ الانتخابات الرئاسية الإيرانية من أكثر الاستحقاقات السياسية العالمية التي يمكن اعتبارها شأناً خارجياً أكثر منه داخلياً، إذ يتابع العالم أجمع أجواءها وتفاعلاتها. تلك المرتبطة بالمنطقة العربية والشرق الأوسط، وتلك التي ترسم مستقبل العلاقة بين طهران والعواصم الغربية.
على الهامش، تخرج أسئلة كثيرة بشأن أهمية منصب الرئيس في ظل التحكم شبه المطلق لمرشد الثورة بمقاليد الأمور، وأخرى حول ما إذا كان الرئيس يحدد السياسات الخارجية أم أن الأخيرة ومتغيراتها تحدد هوية الرئيس.
وفي خضم أسئلة السياسة والإستراتيجيا، يعود الكلام عن مزاج الناخب الإيراني وثقته، عن حقوق الإنسان، عن ظروف الاقتصاد، وغيرها من القضايا الداخلية.
فما الذي يحمله المشهد الإيراني في هذه المرحلة بخصوص الانتخابات؟
1. متى الموعد؟
تنطلق الانتخابات الرئاسية في التاسع عشر من مايو الحالي، في دورتها الثانية عشر، وذلك تزامناً مع الدورة الخامسة لانتخابات المجالس البلدية والقروية والانتخابات التكميلية لمجلس الشورى الإسلامي.
ويفوز المرشح للرئاسة في حال حصوله على الأغلبية المطلقة، أي 50% زائد 1، بينما تمتد ولايته لأربعة سنوات، قابلة للتجديد في ولاية ثانية تلتزم المدة نفسها.
وإذا لم يحصل أي من المرشحين على تلك النسبة تُعاد الانتخابات يوم الجمعة من الأسبوع اللاحق له، حسب المادة 117 من الدستور الإيراني.
2. كيف يحدد الدستور مواصفات الرئيس وصلاحياته؟
تنص المادة 115 من الدستور الإيراني على توفر المواصفات التالية في الرئيس "أن يكون إيراني الأصل؛ ويحمل الجنسية الإيرانية؛ تتوفر فيه القدرات الإدارية وحسن التدبير؛ ذو ماضٍ جيد؛ تتوفر فيه الأمانة والتقوى؛ مؤمن بالمبادئ الأساسية لجمهورية إيران الإسلامية والمذهب الرسمي للبلاد".
وفي المادة 113 يُعتبر الرئيس "أعلى سلطة رسمية في البلاد بعد مقام القيادة. وهو المسؤول عن تنفيذ الدستور، ورئيس السلطة التنفيذية إلا في المجالات التي ترتبط مباشرة بالقيادة".
وفي المادة 121، يُقسم الرئيس أن يكون "... حامياً للمذهب الرسمي، ولنظام الجمهورية الإسلامية، وللدستور…".
تثير هذه المواد مجموعة تساؤلات حول حرية الترشح و"ديمقراطيتها"، إذ يتحكم "مجلس صيانة الدستور" (المؤلف من 12 عضواً يعين المرشد 6 من بينهم والباقي قضاة) بقرار من يصلح للترشح ومن يفتقد الصلاحية.
يدافع البعض عن ذلك الدور باعتبار المجلس حريصاً على إبعاد من تلاحقه تهم قضائية ومالية، ومن يهدد وصوله إلى الحكم بحدوث إشكالات أمنية وسياسية.
في الجانب الآخر، يرى البعض أن صلاحيات المجلس مطاطة، ويتساءلون من يحدد "الماضي الجيد" و"منسوب التقوى والأمانة"، ويعتبرون أن المجلس يحرص على ترشح من يوالون المرشد ولاء مطلقاً.
3. هل يمكن للنساء الترشح؟
لا يوجد نص صريح في القانون يحظر مشاركة النساء في الانتخابات الرئاسية، لكن مجلس صيانة الدستور لم يمنح النساء هذه الصلاحية، علماً أن أكثر من 130 امرأة سجلن أسماءهن للترشح في هذه الدورة.
في المقابل، تنشط النساء في الحياة السياسية كنائبات للرئيس ونائبات في البرلمان ووزيرات، كما يشاركن في المجالس المحلية وغيرها من الإدارات العامة.
يحرص المرشحون الرئاسيون على إظهار اهتمامهم بقضايا المرأة في برامجهم الانتخابية، لما تلعبه من دور في الخطاب السياسي، لكن القضايا الحساسة كالإجهاض والعنف الأسري وعدم المساواة لا تحظى بأولوية في تلك البرامج.
4- ما هو عدد المرشحين النهائي وأبرز من استبعدهم المجلس؟
تخطى عدد المسجلين لدرس ترشحهم أكثر من الـ1600، لكن من وافق عليهم مجلس صيانة الدستور كانوا 6، هم الرئيس الحالي حسن روحاني (69 عاماً) وابراهيم رئيسي (57 عاماً) وعمدة طهران محمد باقر قاليباف (56 عاماً) ونائب رئيس الجمهورية إسحاق جهانكيري (59 عاماً) ووزير الثقافة السابق مصطفى مير سالم (69 عاماً) ووزير الصناعة السابق مصطفى هاشمي طبا (70 عاماً).
وكان من أبرز من منعهم المجلس من الترشح الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد، الذي أصر على خوض السباق مخالفاً رغبة المرشد، وحميد بقائي - نائب أحمدي نجاد.
كما مُنع محمد هاشمي رفسنجاني، شقيق الراحل علي أكبر هاشمي رفسنجاني. وعلى جري العادة، لم يعلن المجلس الأسباب وراء منع المرشحين من دخول السباق.
5- ما هي اصطفافات المرشحين وفرصهم؟
ثمة عوامل عدة تؤخذ بالاعتبار عند تقسيم المرشحين، منها التيارات التي يأتون منها بين محافظ وإصلاحي وبين بين، أي محافظ برؤى إصلاحية.
يأتي روحاني من التيار الإصلاحي بينما ينتمي رئيسي للتيار المحافظ ويقال أنه مدعوم من المرشد الأعلى السيد على خامنئي.
في المقابل، يحسب قاليباف على التيار المحافظ لكنه يتبنى أفكاراً إصلاحية ومدعوم حسب المحللين من الحرس الثوري، في حين أن جهانكيري من التيار الإصلاحي ومير سليم من التيار المحافظ المتشدد "المؤتلفة"، أما طبا فمحسوب على الإصلاحي.
ولجهة فرص الفوز، تقسم لائحة المرشحين الستة إلى فئتين.
الأولى تضم المرشحين بفرص نجاح مرتفعة، وهم روحاني ورئيسي وقاليباف، والثانية فيها جهانكيري ومير سالم وطبا بحظوظ قليلة.
ويتوقع المحللون أن ينسحب جهانكيري من السباق لاحقاً لصالح روحاني، بينما تتمثل وظيفته بالضغط على خصوم الأخير في المناظرات المتلفزة، كما يرجحون انسحاب مير سالم لمصلحة أي من المرشحين المحافظين رئيسي أو قاليباف.
أما طبا فيُرجح أن ينسحب كذلك لمصلحة روحاني، ولو بقي فلا تبدو تجربته في انتخابات العام 2001 مشجعة، إذ حل الأخير بين 10 مرشحين.
وبشكل أساسي عام، يتصدر المنافسة كل من روحاني ورئيسي. يجتمع الإصلاحيون حول الأول وتؤيده شرائح واسعة من الطبقة المتوسطة ومن الطلاب والجامعيين والموظفين الحكوميين والمثقفين، ويرون أن وجوده ضروري في هذه المرحلة التي يتصاعد فيها التطرف حول العالم، والتي وصل فيها ترامب إلى الحكم ويرجح وصول رئاسات يمينية كذلك، وفي خضم أزمات الشرق الأوسط المشتعلة. كما يتوقعون أن يقطف ثمار إنجازاته الدولية.
في المقابل، يواجه روحاني عدم رضى شعبي نتيجة عدم مطابقة سياساته لآمال الإيرانيين بتحسن فرص العمل ومستويات المعيشة ومؤشرات الاقتصاد. ولاحقته بعض الأخبار حول مرتبات مرتفعة لكبار الموظفين، وتحقيقات فساد طالت شقيقه.
من جهة أخرى، يحظى رئيسي بفرص مرتفعة بدعم واسع من التيار المحافظ، والأهم من مؤسسات الدولة السياسية والدينية النافذة، وعلى رأسهم المرشد الأعلى. لكنه معروف أنه كان أحد قضاة "لجنة الموت" التي حكمت بإعدام المئات من المعارضين في العام 1988.
6- ما الأهم: السياسات أم الرئيس؟
غالباً ما يُطرح السؤال، في الصحافة الأجنبية تحديداً، حول ما إذا كان الرئيس يحدد مستقبل سياسات الجمهورية، أم السياسات ومقتضيات المرحلة الإقليمية والدولية هي من تحدد هوية الرئيس القادم، بينما تميل الكفة إلى الخيار الثاني، إذ تجري عملية فلترة لمن يترشح وآليات المنافسة، قبل أن يحسم الناخب الإيراني المسألة.
تظهر العودة إلى الرئاسات التي تلت الثورة في العام 1979، أن الرئيس لا بد أن يكون متناسقاً مع السياسات المستقبلية وليس العكس. على سبيل المثال، إبان الحرب مع العراق، كان لا بد من رئيس محافظ يؤيد خيار الحرب، في حين اقتضت مرحلة إعادة الإعمار وجود رئيس إصلاحي.
وفي حين لم يكن ثمة مكان لرئيس إصلاحي إبان الغزو الأمريكي للعراق وتصاعد الخطر من ضربة أمريكية، استدعت آثار العقوبات على إيران التي هدفت لمنع الجمهورية من تطوير برنامجها النووي، رئيساً إصلاحياً بسياسات انفتاحية.
7- ماذا عن الداخل؟
في المناظرة التي جرت الأسبوع الماضي، حظي نقاش الوضع الاقتصادي والعدالة الاجتماعية بأهمية كبرى.
كما يشغل الفساد الناخبين بشكل أساسي، لا سيما وأنه برأيهم على ارتباط وثيق بسوء الإدارة الاقتصادية.
بموازاة ذلك يهتم الناخب بالاتفاق النووي الذي نظر إليه باعتباره عاملاً مهماً في تحسين حياته. ويتابع الجدل حول ما إذا كانت الفوائد الاقتصادية لتخفيف العقوبات قد بدأت تتجسد بالفعل في حياة الناس.
يُذكر أن وزير العمل والرفاه الإيراني صرح في العام 2015 قائلاً إن كل خمس دقائق ينضم إيراني إلى عدد العاطلين عن العمل، كما توقعت دراسة أعدها البرلمان الإيراني أن يصل معدل البطالة في العام 2020 إلى نحو 15.9%، من هنا يحوز الملف الاقتصادي على اهتمام كبير لدى الناخبين.
وفي الأسبوع الماضي، نشرت "الغارديان" مقالاً تقول فيه إن شعب إيران مهتم بالانتخابات الرئاسية لكن الفئة الديموقراطية غير مهتمة، مع ذلك سيحمل يوم التاسع عشر من مايو الحالي الجواب الأكيد.
يُذكر أن أقل نسبة إقبال على الانتخابات الرئاسية بلغت الـ51%، وأعلاها الـ85%.