الخطة تقضي بانتظار اقتراب مداري الأرض والمريخ لتوفير الطاقة والوقت على الرحلة التي ستحدث كل 26 شهراً، إذا ما سارت الأمور على ما يرام.
أما المرحلة الثانية من خطة "ناسا"، فتقضي بالاستقلالية واعتماد أهل المريخ الجدد على موارد فضائية والتحرر من مدد الأرض. ولكن قبل المسارعة إلى تخيل الأطفال يلعبون في حدائق المريخ العامة، يطرح سؤال نفسه: هل سيتمكن المريخيون الجدد من التكاثر والتناسل؟
بداية القصة من داخل أروقة ناسا
في العام 1991، تزوج رائدا الفضاء مارك لي وجان ديفيس بعد قصة حب أثناء التدريب للذهاب على متن مكوك فضاء. احتفظا بسرية زواجهما عن رؤسائهما في الوكالة؛ حتى لا يتم استبدالهما، كما فعلت "ناسا" من قبل وفقاً لقاعدتها غير المكتوبة، والتي تحظر رواد الفضاء المتزوجين من السفر سوياً.
نجح الزوجان بالفعل في التحايل على هذه القاعدة، وفي ديسمبر/كانون الأول من العام 1992 أصبحا أول زوجين يذهبا معاً إلى الفضاء. لكن رغم مكوثهما لـ 9 أيام، إلا أن طبيعة عملهما لم تسمح لهما بممارسة الجنس وذلك لأن برنامج عملهما كان يقضي بأن ينام أحدهما ويواصل الآخر عمله.
لكنّ قصة لي وديفيس لم تكن الوحيدة؛ ففي بداية العام 1995، التقى رائد الفضاء الروسي فاليري بولياكوف مع رائدة الفضاء الروسية ويلينا كونداكوفوف، وتكاثرت الأقاويل حول ممارستهما الجنس أثناء التحليق في الفضاء، لكنّ ذلك أيضاً لم يتحقق.
فسّر عالم الجينات الألماني الشهير هانس كويدو موتكي هذه الظاهرة بأن العملية الجنسية تقوم بالأساس على تهيُّج أحد الطرفين، وهو أمرٌ غير وارد الحدوث في الفضاء لعدم توفر الظروف البيئية المناسبة؛ إذ أن الإقامة في الفضاء تُضعف الطاقة الجسمانية للإنسان وتؤدي إلى انخفاض فاعلية الجسم وتؤثر بالتالي على قدرته الجنسية.
بدورها، أكدت "ناسا" صحة هذا التفسير مشيرة إلى أن البشر لم يسبق لهم ممارسة الجنس في الفضاء، كما أضافت أنها تشعر بالحرج إزاء التحدث بشأن هذا الأمر، ولا تعطيه أهمية؛ لأن هدف الوكالة لا ينصب في المقام الأول على الاستعمار وإنما يتركز على الاكتشاف.
لكن.. ماذا عن المريخ؟
بعيداً عن كل استنتاجات العلماء بشأن إمكانية الحياة على سطح الكوكب الأحمر، يجب في البداية التأكد مما سيحدث إذا أخذنا الوظيفة البيولوجية الأساسية للإنسان، وخرجنا بها خارج حدود الكوكب الذي تطوَّرت عليه، وهو أمر أكبر بكثير من مجرد ممارسة الجنس.
وعليه إذا كان الأمر متعلقاً بالسفر الفضائي طويل الأمد فهناك حاجة ملحة لبيانات وأبحاث أكثر تطوراً وتنوعاً توضح المسائل الطبية والبيولوجية. فالسفر إلى المريخ يستغرق أكثر من عامين، والأبحاث التي تناولت موضوع التكاثر في الفضاء كانت بطيئة، كما واجهت نقصاً ملحوظاً في التمويل، وطُبقت على الحيوانات في بداية الأمر.
نتائج أبحاث التكاثر في الفضاء ليست مطمئنة:
توصلت الأبحاث إلى صعوبة التكاثر لسببين:
1- تأثير الإشعاع الفضائي
يمتلئ الإشعاع الفضائي بالجسيمات دون الذرية، والتي تتحرك بسرعة كبيرة وتكسر شرائط الحمض النووي، كما تُحدث أضراراً قد تصل إلى تغيُّر في العوامل الوراثية وخلل بالجينات قد يسبب السرطان للأجنة وغيرها من المشاكل التي لا تحدث عادة على كوكب الأرض. والسبب أن المجال الجوي للأرض يؤمن حماية بمواجهة أكثر من 99% من هذا الإشعاع، عبر المجال المغناطيسي للأرض.
يشرح الدكتور جوزيف تاش، الأستاذ في مركز جامعة ولاية كانساس هذا الأمر بقوله، "إذا نظرنا إلى قائمة الاعضاء الحساسة لأضرار الإشعاع، فإن الغدد التناسلية والمبيض والخصيتين هي الأكثر تضرراً، وأي رحلة إلى المريخ ستؤدي إلى التعرض للإشعاع بما يتجاوز الحدود المسموح بها حالياً لرواد الفضاء".
2- تأثير انعدام الجاذبية الأرضية
يتسبب انعدام الجاذبية الأرضية في جعل رواد الفضاء في حالة طفو حول محطة الفضاء الدولية، وبناء عليه يفقد رواد الفضاء كتلة عضلاتهم أثناء تواجدهم في الفضاء ومن الممكن أن يؤثر ذلك على التكاثر.
إذ أثبتت التجارب التي أُجريت على الفئران الإناث في عامي 2010 و2011 بأن بعضها توقف عن التبويض، وفقد بعضها الآخر مادة هامة مسؤولة عن إنتاج الهرمونات التي تحافظ على الحمل وتساعد المشيمة على النمو حتى اكتمال الحمل.
تتصل نتائج تلك التجارب بنتائج أخرى قديمة أُجريت بواسطة علماء روس عام 1979، إذ أطلق هؤلاء العلماء قمراً صناعيا يحمل جرذان سُمح لهم بالاختلاط في رحلتهم التي استمرت 18 يوماً. ولكن لم تؤد التجربة إلى نجاحها في الإنجاب على الرغم من حمل فأرتين أجهضتا لاحقاً. والسبب الرئيسي في ذلك يعود إلى انعدام الجاذبية والتي تخفض مستوى الهرمونات للذكور والإناث على حد سواء.
حتى الآن لا توجد أي تجارب مماثلة خضع لها البشر؛ ففي العام 2015 بلغت نسبة رواد الفضاء من الإناث 11%، كما كان يتناولن أدوية تساعد على انقطاع الدورة الشهرية، وبالتالي من المستحيل خضوعهن للتجربة.
وبالنسبة للذكور فقد أثبتت الشواهد أن أغلب أطفالهم من الإناث؛ وذلك لأن انعدام الجاذبية يؤثر بشكل مباشر في تركيبة الحيوان المنوي والخصوبة بشكل عام.
ما تأثير الرحلات الفضائية الطويلة على رواد الفضاء؟
تشمل البيانات المتاحة حالياً آثار الرحلات الفضائية التي تستمر لمدة أسبوعين فقط على رواد الفضاء، لذلك فنحن لا نعرف سوى القليل جداً عن آثار الرحلات الفضائية الطويلة الأمد.
وعلى الرغم من امتلاك "ناسا" فريقاً ضخماً يتخصص في إعادة تأهيل رواد الفضاء بعد عودتهم إلى الأرض، لكن د. كريس لينهاردت، أستاذ الطب في جامعةجورج واشنطن بأميركا وعضو هيئة التدريس بمعهد السياسات الفضائية بالجامعة، قال إن هذا الفريق لن يتواجد على المريخ ليساعد الرواد على الاستمرار لأكبر فترة ممكنة.
من جانبه شرح رائد الفضاء الأميركي سكوت كيلي في شهادته أمام الكونغرس الآثار التي لحقت به جراء رحلته الفضائية التي استمرت 340 يوماً.
كانت آثار تجربته مختلفة بشكل كبير عن الآثار المادية التي حدثت لرواد آخرين بعد رحلات بلغت مدة أقصاها 159 يوماً. تضخمت ساقا "كيلي" وأصابه طفح جلدي في جميع أجزاء جسده، وكان يتحسس من لمس الأشياء، كما أصابته أعراض مرضية تشبه الأنفلونزا.
اعترفت وكالة "ناسا" بأن الرحلات الفضائية الطويلة لها تأثيرات جسدية سلبية على رواد الفضاء، ولهذا كلفت في العام 2014 فريقاً يضم خبراء في الصحة ورواد فضاء متقاعدين لكتابة تقارير هدفها تقديم المشورة للوكالة حول أفضل السبل للتصدي للأضرار الصحية.
بعيداً عن العلم.. شركة جنسية تتحدى الجاذبية!
بناء على الآراء العملية السالف ذكرها فإن ممارسة الجنس بهدف الإنجاب في الفضاء أمر غير ممكن على الإطلاق، لكن هناك وجهة نظر مغايرة تبنتها شركة Porn Hub لإنتاج الأفلام الجنسية بإعلانها عن إنتاج أول فيلم في الفضاء، وسيؤدي دور البطولة فيه الممثلة ايفا لوفيا والممثل جوني سينس.
يُذكر أن أبطال الفيلم خضعوا لتدريب صارم استمر قرابة الستة أشهر، ولكن بول روت وولب - أحد علماء "ناسا" البيولوجيين - أكد على أنه مع انعدام الجاذبية الأرضية فهناك صعوبة كبيرة في الإفراج عن السوائل، كما أن تدفق الدم يرتفع إلى الجزء العلوي من الجسم متمثلاً في الرأس والصدر ويقل تدفقه إلى الجزء السفلي من الجسم مما يصعب كثيراً من عملية الانتصاب.
لكن Porn Hub أعلنت أنها سوف تتحدى الجاذبية وستثبت أن ممارسة الجنس في الفضاء أمر ممكن. وفي سبيل ذلك استثمرت الشركة نحو 3.4 مليون دولار لإثبات نظريتها.