في الكواليس السياسية كلام وسيناريوهات متعدّدة تتناول محطة تُشكّل بداية عهد رئاسي جديد عقب انتهاء الشغور الرئاسي وبداية مسيرة اكتمال عقد المؤسسات الدستورية والتي لن تكتمل قبل انتخاب مجلس نيابي جديد.
وفي ظل تعدّد المشاريع برزت مخاوف جدّية لدى البعض فانعكست تشنّجاً نتيجة شعوره بالإستهداف، وإن لم يُخفِ بعض قادتها ذلك، فإن آخرين تمكنوا من إخفاء مثل هذا الشعور متلطين وراء غيرهم.
لعل قلق البعض كان مشروعاً وله ما يبرّره في ظل السعي الى مشاريع قوانين تقصيهم وتحاصر آخرين، وهو ما تسبّب بتشنج في أكثر من بيئة ومجتمع وصولاً الى تهديد البعض بالعصيان المدني والخروج عن أطر الدولة والمؤسسات.
ومرد ذلك - يقول العارفون - الى فقدان المرجع القوي والصالح الذي يمكنه أن يوفّر إجماعاً على قانون انتخابي عادل ومتوازن، إضافة الى صعوبة توفير الآليات الدستورية التي من خلالها يمكن الوصول اليه.
ولذلك فشلت المساعي التي بُذلت لتوليد القانون الذي طال انتظاره، والسبب يعود الى وجود شخصيات ظنت أنها قادرة على فرض وجهة نظرها على أكثرية اللبنانيين، فانتهت محاولاتها الى حفظ مجموعة كبيرة من مشاريع القوانين على الرفوف وفي الأدراج. فمنذ انتخابات العام 2005 وبعدها عام 2009 تعهد مجلس النواب بالسعي لوضع قانون جديد يصحّح التمثيل النيابي خلال مهلة أقصاها عام.
وعلى رغم هذه التعهدات التي اقترنت بقانون جديد سُمّي القانون 25 / 2008 بعدما أُعيد النظر في قانون الستين في الدوحة لمرة واحدة، فلم ينتج هذا المجلس نفسه القانون الموعود، لا بل فقد مدّد لنفسه مرتين في أيار 2013 وفي تشرين الثاني 2015 من دون أن ينجز هذا الوعد.
لكن ما هو لافت أنّ بعض المشاريع توسع في البحث عن مخارج لأزمة القانون فلامس احتمال تغيير النظام وتشكيل مؤسسات دستورية إضافية في وقت لم تنتظم العلاقات السليمة بين ما هو قائم منها، نتيجة التنازع على بعض الصلاحيات وحدودها والتي ما زالت مدار جدل في كل مناسبة ومحطة سياسية أو دستورية.
ومرد ذلك في اعتقاد العارفين، ليس لأنّ لبنان والمنطقة يعبران مرحلة إستثنائية وصعبة، بل لأنّ قانون الإنتخاب كان وسيبقى مصدراً لإنبثاق السلطة وبوابة العبور الرئيسة الى الإمساك بالبلد ومؤسساته الدستورية. فلبنان مقبل على محطات أساسية تتعدّد فيها الاستحقاقات المحلية والإقليمية والدولية وصولاً الى الإستحقاق الرئاسي المقبل.
وكل ذلك يجري على وقع التحديات التي تعيشها المنطقة نتيجة خطورة ما بلغته الأزمة السورية من تهديد لوحدة البلاد وأراضيها ونسيجها الديني والإجتماعي والقبلي والإتني بعد سقوط حدودها كاملة مع دول الجوار ما عدا تلك التي تربطها بلبنان.
ويعترف الخائفون على تركيبة البلد ومؤسساته، أنّ ما هو مطروح يلامس شكل النظام ومضمونه وآليته بلا ضوابط. فربط التوصل الى قانون انتخاب جديد بتغييرات كبيرة تمسّ النظام ليس أمراً سهلاً. والبحث في إنشاء مجلس للشيوخ أثار القلق لدى كثيرين يراقبون ما يجري، وفي اعتقادهم أنّ البحث في هذه الخطوة ليس أوانه قبل التفاهم على أشياء كثيرة تسبق في أولوياتها إحداث مؤسسات إضافية في مرحلة من عدم الإستقرار.
والأخطر أنّ هذا البحث تجريه مجموعة تدّعي الحديث باسم جميع اللبنانيين، وفي أجواء مشحونة توحي بإحياء النزاع الذي كان قائماً على خلفياته الطائفية والمذهبية في منطقة تعيش انقساماً حاداً وعميقاً بين الشيعة والسنّة، وما بين العرب والفرس وصولاً الى آخر مظاهر النزاع حول الكيانات.
لذلك، يعبّر القلقون عن مخاوف من التوسع في إحداث تغييرات في النظام وقيام المؤسسات الجديدة قبل التفاهم على أدوارها على يد مجموعة من المسؤولين ثبت أنهم يبحثون عن قانون انتخاب في كومة من المصالح، وجنّدوا ما يمتلكون من قدرات لتعزيز مواقعهم في السلطة وكسب مزيد من المقاعد النيابية وإقفال بيوتات سياسية وحزبية متعددة لطالما حفظت للبنان وجهه التعددي الديموقراطي.
ويخشى هؤلاء من سلق المراحل من خلال إحداث مؤسسات جديدة كمجلس الشيوخ والإبحار في البحث عن هوية رئيسه وطائفته وصلاحياته من دون الركون الى قواعد دستورية وسياسية صلبة ما يجعلها عرضة لإنتكاسة قريبة قد تقود البلد الى ما لا تُحمد عقباه ما لم تتوافر هذه القواعد الجامعة.
وهو ما يرفع منسوبَ القلق بمجرد اكتشاف أنّ هناك مَن يعتقد أنّ بقدرته تغيير النظام في البلد في غضون أيام أو أسابيع قليلة فاصلة عن نهاية ولاية مجلس نيابي يمضي ولايته الثانية الممدَّدة في أجواء غير طبيعية تذخر بالشحن الطائفي والمذهبي بعد السياسي.