الدفع في اتّجاه إحداث فراغ نيابي «لغايةٍ في نفس يعقوب» لدى البعض هو لعبة خطيرة جداً، في رأي قطبٍ نيابي، لأنّها تدفع البلاد إلى الهاوية. ويكشف هذا القطب أنّ آخر «ابتكارات» الراغبين في الفراغ أن يتّخذ مجلس الوزراء بناءً على طلب رئيس الجمهورية قراراً بموافقة أكثرية ثلثَي أعضائه بحلّ مجلس النواب في خلال الأيام الثلاثة الأخيرة من الولاية النيابية التي تنتهي في 20 حزيران، وذلك بدافع تلافي الفراغ بهذا «المخرج» الدستوري الذي يؤمّن إجراءَ الانتخابات، أو تأمين تمديد دستوري للمجلس لاحقاً لتعذّرِ إجراء الانتخابات خلال ثلاثة أشهر حسب المادة 25 من الدستور.
فبموجب سيناريو هؤلاء فإنّ رئيس الجمهورية وانطلاقاً من صلاحيته المنصوص عنها في المادة 55 من الدستور يطلب من مجلس الوزراء قبل أيام من انتهاء الولاية النيابية حلَّ مجلسِ النواب فيتقرّر هذا الحلّ بموافقة أكثرية الثلثين الوزارية ثمّ يُصدر الرئيس مرسوم الحلّ، فيما تستمر هيئة مكتب مجلس النواب في تصريف الأعمال حتى انتخاب مجلس جديد، على أن تجري الحكومة حسب المادة 25 من الدستور الانتخابات في خلال ثلاثة أشهر، فإذا فشلت في ذلك « يُعتبر مرسوم حلّ مجلس النواب باطلاً وكأنه لم يكن، ويستمرّ مجلس النواب في ممارسة سلطاته وفقاً لأحكام الدستور».
ويؤكّد هذا القطب أنّ العاملين على هذا السيناريو إنّما يهدفون منه إلى إخراجِ أنفسِهم من الإحراج الذي وَقعوا فيه وفتحِ الطريقِ أمامهم للعودة إلى قانون الستّين النافذ، مبرِّرين أمام جمهورهم أنّهم منعوا التمديد وكان في نيتهم إجراءُ الانتخابات وفق قانون جديد حسبما وعدوا، و لكن «لا حول ولا... «
فما يفكّرون في الذهاب إليه أوّلاً ليس مضمونَ النجاح، ولكن إذا توافرَت موافقة أكثرية ثلثي مجلس الوزراء على حلّ مجلس النواب فمن يضمن أنّ الانتخابات ستجري في غضون ثلاثة أشهر من تاريخ صدور مرسوم حلّ المجلس النيابي من دون حصول أيّ معوقات؟
وقبل أيّ شيء من يضمن أنّ خطوةً مِن هذا النوع ستمرّ من دون أن تثير أزمةً سياسية حادة في البلاد، خصوصاً في ظلّ الفراغ النيابي، وستزداد حدّةً في حال الفشل في إجراء الانتخابات على أساس قانون الستين النافذ الذي لن يكون في الإمكان إقرار بديلٍ منه في حال الفراغ.
علماً أنّ مِن الصعب إجراء الانتخابات الآن أو في حال الفراغ على أساس القانون النافذ لأنّ هذا القانون يحتاج إلى تعديل في مجلس النواب لجهة تحديد المهَل، سواءٌ المتعلقة بالانتخابات أو باستقالة الموظفين، فضلاً عن موضوع تأليف هيئة الإشراف على الانتخابات المنصوص عنها فيه والتي لا يكون إجراء الانتخابات من دونها قانوناً.
وأكثر من ذلك، لا يمكن المجازفة في إدخال البلاد في فراغ، في وقتٍ تنتقل أوضاعها من سيّئ إلى أسوأ، فيما الأوضاع في المنطقة تزداد تعقيداً وتَلوح في الأفق قوانين عقوبات أميركية وغير أميركية جديدة من شأنها أن تعطّل أو تؤثّر على كثير من الاستحقاقات الداخلية الراهنة والمستقبلية، فيما لبنان يكابر ولا يعترف بأنّه مريض ويذهب إلى المعالجة.
وفي هذا السياق يسأل سياسيون، أين العامل الخارجي ممّا يجري؟ وهل هو عامل متخيَّل ووهمي لا أساس له وأنّ كلّ ما يجري هو نزاع داخلي مرتبط بالآلات الحاسبة وعدد النواب لكلّ فريق وبالتالي حجم الكتل الوازنة في مشهد التوازن المقبل؟
أم أنّ هذا العامل الخارجي ليس عاملاً متخيَّلاً ولا وهمياً وإنّما هو عامل موجود وكان البريطانيون أوّلَ من نصَح به على قاعدة ما يسمّى الاستثمار الطويل الأمد، ويبدو أنّ أوانَ الحصاد قد أتى، وما يَصدر من مواقف هو دليل على أنّنا أصبحنا داخل مرحلة الحصاد؟.
وهذه الأسئلة ـ القراءة تقول إنّ العامل الخارجي متداخل مع قراءة أو رؤية للمنطقة هي مزيج من معلومات وتحليلات تفيد أنّه مع الرئيس الاميركي دونالد ترامب والهجمة على أذرع إيران في المنطقة تفترض أن واقعَ النفوذ الإيراني في المشرق العربي سينتقل من موقع الهجوم الى موقع الدفاع وهذا ينطبق على ساحات سوريا والعراق واليمن ولبنان والبحرين.
وإذا تمّ التدقيق في وثيقة حركة «حماس» الأخيرة وفي استقبال الرئيس الفلسطيني محمود عباس في البيت الأبيض قبل يومين شكلاً ومضموناً، وكلام ولي ولي العهد السعودي ووزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان لقناة «العربية» الذي هو تمهيد سياسي ناري لزيارة ترامب المقرّرة للمنطقة في وقتٍ لاحق من الشهر الجاري على قاعدة الحربَين المتوازيتين؛ الأولى هدفُها تبرير الثانية: الهجوم على «داعش» من ترامب وحلفائه هدفُه تبرير قطعِ أذرع إيران في المنطقة، وهنا أصلُ الحكاية.
واستناداً إلى هذه القراءة فإنّ الردّ على الأمين العام لـ»حزب الله» السيّد حسن نصرالله في مجلس الوزراء جاء سريعاً بهذا المقدار ربطاً بموضوع «التصويت» على قانون الانتخاب، وإذا صَدقت هذه الرواية فإنّ نُذُر التصعيد في الأسابيع المقبلة قد تكون مفتوحة السقف والتداعيات إلى درجة أنّ البعض بدأ يتحدّث عن «السقوط الناعم» لـ»تفاهم مار مخايل» في شباط 2006 بين «حزب الله» و»التيار الوطني الحر».
وفي رأي هؤلاء السياسيين «أنّ الخطأ القاتل في هذه الرواية الذي قد يرتكبه أصحابها هو أنّهم يرون السيناريو الأميركي ولكنّهم لا يرون سيناريو «حلف المقاومة»، ليس كردّة فعلٍ على الأميركيين، بل كفعلٍ قائم بغضّ النظر عن ردّة الفعل.
أمّا الأمر الآخر الذي لا يراه هؤلاء فهو أنّ الحيوية الشيعية في لبنان متجذّرة في واقع الداخل اللبناني إلى درجة أنّ أيّ تغييرات إقليمية مفترضة، على صعوبتها، ستكون عاجزةً عن زحزحةِ توازناتِ القوّة الحالية في الداخل اللبناني، وحينها سنرى مجدّداً بداية سقوط عهدٍ قد لا تكون مضت أشهرٌ قليلة على إنتاجه».