طائرة شحن أميركية تحطّ قبل أيام في مطار رياق. أكثر من ضابط ومسؤول عسكري وسياسي في الكونغرس الأميركي زاروا لبنان أخيراً. وأخيراً، زيارة قائد الجيش جوزيف عون إلى الولايات المتحدة الأميركية للمشاركة في مؤتمر مخصص لمكافحة الإرهاب. هذه لا تنفصل، عن ترقّب لبنان صدور تقرير الأمين العام للأمم المتحدة في شأن تطبيق القرار 1559. الإشارات السياسية والديبلوماسية تدلّ على أن لبنان عاد إلى أولويات الاهتمامات الدولية، إنطلاقاً من "العودة الأميركية بقوة إلى المنطقة، وخصوصاً إلى الساحة السورية". هذا التقرير سيصدر بالتزامن مع بدء الحديث عن إنشاء أربع مناطق آمنة في سوريا، عبر التفاهم بين تركيا وروسيا بدعم أميركي. ويبدو أن إيران بعيدة عن المشهد، وإن على الأقل من حيث الشكل مع احتفاظها بالوجود الميداني.
في الأوساط الديبلوماسية، ثمة من لا يحتاج إلى كثير من التحليل للذهاب إلى ربط المناطق الآمنة في سوريا بالقرار 1559، لأنهما يجتمعان على وجوب سحب السلاح من تلك المناطق، ولا يمكن بالنسبة إليهم التغاضي عن وجود السلاح في لبنان. المناطق الآمنة في سوريا، تفرض إقامة مناطق آمنة في لبنان، على البقع التي شهدت وقد تشهد توترات مستقبلية. وإذا كانت المناطق الأربع في سوريا مجاورة لحدود أربع دول، فإن لبنان من ضمنها، وبالتالي فإن اللهجة الدولية ستتصاعد أكثر لجعل المنطقة اللبنانية على حدود الأراضي المحتلة آمنة وخالية من السلاح، وذلك إنطلاقاً من القرارين 1559 و1701.
عليه، فإن التقرير الذي سيصدر، سيلحظ تشدداً دولياً بشأن ضرورة تطبيق القرارين. الأجواء الدولية الضاغطة، تستفيد من جملة معطيات للتشدد بموقفها، خصوصاً لجهة توجيه إنتقادات، للجولة الإعلامية التي نظّمها حزب الله أخيراً إلى الجنوب، والتي ظهر فيها سلاح جنوب الليطاني في خرق واضح للقرار 1701. هذه الجولة سيستخدمها المجتمع الدولي للتشدد تجاه حزب الله وسلاحه، وستستثمر لإعادة رفع الصوت بشأن وجوب تسليم حزب الله سلاحه. تماماً كما سيتم المطالبة بسحب السلاح الفلسطيني من المخيمات الفلسطينية كردّ على الإشتباكات التي شهدها مخيّم عين الحلوة.
الأولوية ستكون لتعزيز سلطة الدولة ومؤسساتها العسكرية والأمنية. وهذا الكلام سمعه قائد الجيش خلال لقاءاته في واشنطن، حيث أشيد بجهود الجيش اللبناني وقدراته على التصدّي للإرهاب ومحاربته إستباقياً. كما سمع تأكيداً أميركياً على الإهتمام بتقديم مزيد من المساعدات للجيش وتنمية قدراته. ولن يتوانى التقرير عن توجيه بعض الملاحظات إلى الحكومة اللبنانية بشأن وجوب إمسكاها في زمام الأمور وخصوصاً في المناطق الحدودية لضبط تحركات حزب الله، على اعتبار أنها توفر له شرعية في تحركاته. واللافت، أن التقرير سيصدر في أعقاب شكوى إسرائيلية جرى تقديمها لمجلس الأمن تحمّل الحكومة اللبنانية مسؤولية السماح لحزب الله بخرق القرارات الدولية.
التشديد الأساس في التقرير سيتركز على أن وجود حزب الله الذي يقوض سلطة الدولة اللبنانية على كامل أراضيها، ومن شأنه أن يغيّر قواعد اللعبة والإشتباك في أي وقت. وهذا ما قد ينعكس سلباً على القرار الدولي بالحفاظ على الأمن. وهذه إشارة إلى إمكانية قيام حزب الله بأي عملية ضد العدو الإسرائيلي إنطلاقاً من الجنوب. وفي قراءة الأوساط المتابعة، فإن هذه الحسابات تنجم عن إمكانية التصعيد أكثر ضد إيران ومصالحها في سوريا. وحينها ستلجأ إيران إلى الرد في ميادين أخرى للتأكيد أن لديها مزيداً من الأوراق لتلعبها ولتؤكد أنها لاعب أساسي على الطاولة.
اللافت، في شأن المعارك التي شنّتها إسرائيل ضد دول أو مجموعات، كانت بنتيجة توترات وخلافات دولية. والآن إذا ما عاد التوتر بين إيران والمجتمع الدولي خصوصاً في سوريا إذا ما أصرّت واشنطن على تقويض النفوذ الإيراني، قد تلجأ إيران إلى التصعيد. هذا الكلام تستخدمه المصادر لتقول إن دونالد ترامب هو غير باراك أوباما. وبالتالي، فإن السياسة الدولية ستتغير كثيراً ولن يكون الموقف الأميركي مراعياً لطهران بل متشدداً تجاهها.
وتعتبر المصادر أن الإستنزاف الذي يتعرض له حزب الله وإيران في سوريا، يريح إسرائيل. بالتالي، ليس من مصلحة إسرائيل الدخول على الخطّ في ظل التركيبات التي تعمل على تسويتها كل من واشنطن وموسكو. لذلك، تكتفي تل أبيب بتوجيه ضربات موضعية بين فترة وأخرى لأهداف تعتبرها أساسية. أما في حال لجوء طهران إلى الردّ، فحينها سيكون رد تل أبيب عنيفاً. وهناك من يذهب إلى الحديث عن أن حزب الله سيتأذى كثيراً من هذه الضربة.
تقود هذه النظرة إلى خلاصة أن الحزب وإيران يضعفان وسيتنزفان في سوريا. ففي المعيار الإسرائيلي حزب الله وإيران يخسران ويتراجعان. وصحيح أن العرب لا يحققون إنجازات أو تقدّماً، لكن بالنسبة إلى واشنطن فإن مصلحتها تتحقق. إيران تعلم ذلك جيداً. وهي لن تقدم على أي خطوة من شأنها توسيع نطاق الجبهات، لأن لا مجال للمناورة حينها، إلا إذا ضاق الخناق كثيراً. وهذا ما قد يبدأ الشعور به مع تفعيل المناطق الآمنة، واستمرار التقدّم الأميركي في البادية السورية لقطع الخط الواصل من إيران إلى لبنان مروراً بسوريا والعراق.