تقرّ غ. د. (فضلت عدم الكشف عن اسمها) بأنها لا تهاب السفر إلى أكثر البلدان التي يتهددها الإرهاب أو التي تتأجج فيها نيران الحروب وشرارات العنف والجريمة. الفتاة العشرينية ليست كما يوحي اعترافها، "مغوارة"، حديدية القلب، وليست ممن يقامر بحياته أو يغامر في يومياته على قاعدة "عش يومك بيومك". صحيح أن الإيمان يملأ قلبها وقد سلّمت أمرها لخالقها ووثقت بأن ساعة الرحيل تحين متى شاء حتى لو كانت غارقة في دفء سريرها، إلا أنها، وبحرقة قلب وأسف تقول: "اذا متت برّا بشي عملية إرهابية بجيبوني بالطيارة وبيستقبلوني استقبال الكبار على المطار... بس اذا قتلني حدا هون على الطريق، مين رح يطلع فييّ"؟!
مناسبة هذا الاعتراف الصادر عن لسان مواطنة لبنانية مسالمة، تحترم القانون وتحلم بوطن المؤسسات، حادثة تعرّضت لها الأسبوع الماضي، فأردتها منذ ذلك الحين في دوّامة الخوف والقلق... والغضب!
تخبر الصبية في تفاصيل تلك اللحظات التي مرّت بسرعة الصوت لكنها جمّدتها في مكانها وشلّت قدرتها على التفكير أو الدفاع عن نفسها: "كنت أقود سيارتي في منطقة "الزلقا" في المتن، وإذ بسيارة أخرى تصرّ على اجتيازي من جهة اليمين حتى كدت أصطدم بالمركبات الآتية على المسلك الآخر. وبالفعل أصرّ السائق على المرور، فغضبت وصرخت: "العمى".
تتابع الآنسة والصوت يرتجف: "ويا كلمة لي ما قلتها! فجأة، توّقف السائق إلى جانب شرطي البلدية الذي كان ينظّم السير في المكان طالباً منه إيقافي ومنعي من استكمال طريقي، وفعلت، لكني لم أتوقع أبداً أن يترجّل ذلك السائق من سيارته ويسرع نحوي فيفتح الباب وينهال عليّ بالشتائم والصراخ الذي لامس حدّ الجنون. كلّ هذا كان يحصل على مرأى من الجميع، وما من أحد تدخل لردعه عني، فيما كنت أرتجف من الذعر متوقعة أن ينهي هذا الرجل حياتي برصاصة أو طعنة بالسكين".
تعتقد الصبية أن ثمة عناية الهية حالت دون وقوع جريمة في تلك اللحظة، تكون هي ضحيتها. تستذكر ما حدث مع جورج الريف الذي قتله طارق يتيم في وضح النهار بسبب شجار على خلفية المرور. ولم تغب من ذهنها بعد، جريمة قتل شخصين في برّ الياس "كرمال فنجان نسكافيه".
ذاكرة الصبية لم تُسعفها على ما يبدو لاستعادة جرائم مماثلة كثيرة وقعت في السنوات القليلة الماضية في لبنان، حيث الخلفيات والأسباب لا يهضمها أي عقل بشريّ. المشكلة انّ العدالة في كثير من الأحيان لم تجد طريقاً إلى الانتصار بسبب ضغوطات وتدخلات، أو لفرار الفاعلين إلى جهات مجهولة، أو مجهولة- معلومة!
وبحسب نصيحة غ.د. "فعلى من يريد الحفاظ على حياته، ألا يتفوّه بأي كلمة أثناء تنقله على طرقات لبنان، والتي إن لم تقم باصطياد روحك في حادث سير، تتحوّل ألغاماً قد يُفجرّها فيك مجنونٌ من هنا أو "رامبو" من هناك".
المفارقة انّ القيادة على طرقاتنا باتت رديفة لمشاعر الغضب والنقمة التي تصيب أكثر المواطنين سلمية وامتثالاً للقانون، وذلك بسبب الازدحامات المرورية الخانقة، والمخالفات الكثيرة التي تُسجّل يومياً.
بالمناسبة، تبيّن أن لوحة السيارة التي كان يقودها السائق الذي هاجم غ.د. مزوّرة، بحسب معلومات خاصّة. وكم من لوحة مشابهة تتصدّر سيارات المستقوين بجهات حزبية أو قوى مسلحة أو شخصيات نافذة! وكم من سيارة تجول طرقاتنا وأتوستراداتنا من دون أن تحمل أي لوحة، وكأنها مركبات فضائية لا تخضع للدولة ولا يعنيها أي قانون!
في ظلّ فلتان أمنيّ لم يُقض عليه بالكامل حتى الساعة، بات لزوماً على كلّ لبنانيّ يرفض الموت "الرخيص" تطبيق المثل القائل: "بمشي الحيط بالحيط ويا ربّ السترة"!