يخشى العديد من المتابعين أن يكون لبنان مكشوفاً على مواجهة خطرة، في الـ45 يوماً المقبلة، تتّخذ أبعاداً سياسية وطائفية ومذهبية، نتيجة انسداد الأفق على الحلّ السياسي وغياب الراعي الإقليمي للتسوية.
وفي ظل «الكباش» السعودي- الإيراني، و«الكباش» الأميركي- الإيراني مع وصول الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، يسأل البعض: هل يمكن أن يُستخدم لبنان ساحةً أو ورقةً في الصراع الدولي- الإقليمي مع إيران أو أنّ هناك ضماناتٍ توفّر له الحماية؟
ثمّة خشية في بعض الأوساط من أن ترفع إيران سقف المواجهة على الساحة الداخلية إلى حدّ تكرار تجربة 7 أيار 2008، بأشكال مختلفة، قبل 20 حزيران أو بعده. وهذا الجو سبق للعديد من الأوساط أن تبلّغه في شكل غير مباشر، عبر أقنية مختلفة.
وصحيح أنّ أيّ فريق داخلي لا يمتلك القدرة على تحقيق توازن الرعب العسكري مع «حزب الله»، لكنّ السعودية في 2017 خلعت عنها ثوبَ المهادنة التقليدية، وأظهرت استعداداً لمواجهة مفتوحة مع إيران حتى في عقر دارها. وهذا الجموح المتبادَل إلى المواجهة يثير الخشية من انعكاسات على لبنان.
ويعتقد البعض أنّ أكثر ما يدعو إلى الخوف هو أنّ الساحة اللبنانية ليست ممسوكة بيد أيّ طرف يتكفّل بمنع الانفجار. فلبنان لم يتمكّن من «تعويض» الوصاية السورية التي كانت ترسم له الصراعات والتسويات المضبوطة والموقوتة كلها «على الطلب».
تحت الوصاية السورية، لم يكن لبنان يطمح إلى تجاوز الأزمة. لكنه أيضاً كان ممسوكاً وممنوعاً من الانفجار، بيد وكيلٍ حاصلٍ على وكالة سعودية وأميركية.
بقيت المظلة السعودية- الإيرانية (أو السعودية- السورية)، منذ «الطائف»، هي العنوان الذي يصنع التسويات اللبنانية ويحميها، حتى في الفترة التي تفرَّد فيها السوريون بالسيطرة والنفوذ في لبنان (1990- 2005). والمثير هو أنّ القوى الداخلية- بما فيها خصوم دمشق- أثبتت عجزها عن الخروج من تحت المظلة في 2005، على رغم انسحاب سوريا عسكرياً من لبنان!
استند السوريون إلى وكالة «الطائف»، التسوية التي رعاها الأميركيون أساساً. لكنّ اغتيال الرئيس رينيه معوَّض أسقط «الطائف الدولي- الإقليمي» ورجّح «الطائف السوري». وأقنع الرئيس حافظ الأسد واشنطن والرياض بأنه سينفّذ «الطائف» متوازناً، لكنه عملياً جوَّفه وعطَّله وزرع الشكوك بين الفئات والطوائف، واستبعد القوى المسيحية، لئلّا يبلغ استحقاق الانسحاب من لبنان.
أرضى الأسد السعوديين عندما استعان بالوسيط الأبرز في «الطائف»، الأحبّ إلى السعودية، الرئيس رفيق الحريري. لكنّ دمشق استعانت به في السلطة كرجل أعمال، وقاسمته المال والمشاريع ووضعت اليد على ثروات البلد، مقابل أن يتخلّى الجميع لها عن القرارات «السيادية». وأُخرِج الحريري من المسرح عندما فكَّر في الانتفاض سيادياً.
اليوم، يمكن القول إنّ «الطائف السوري» هو الذي يتعثّر بسبب التحوّلات الطارئة على المعادلة في لبنان وسوريا نفسها وفي الشرق الأوسط عموماً. وهناك فرصة للعودة إلى «الطائف المتوازن»، الدولي- الإقليمي، إذا اقتنع اللبنانيون أولاً بضرورة العودة إلى التوازن.
ومن القدَريات أن يواكب الأميركيون مع الجمهوري دونالد ترامب ملامحَ التحضير للتسوية اللبنانية الجديدة، على ركام «الطائف» القديم، بعد نحو ثلاثة عقود من رعايتهم لها، مع الجمهوري جورج بوش الأب.
المطلعون يقولون: صحيح أن لا وكيل إقليمياً للساحة اللبنانية حالياً، لكنّ قوى دولية فاعلة واقفة بالمرصاد لأيّ اهتزاز في الاستقرار اللبناني، ويضع الأميركيون ثقلهم لصيانة هذا الاستقرار سياسياً وأمنياً واقتصادياً، وقد أرسلوا تطميناتٍ مباشرة إلى لبنان: الفوضى ممنوعة أيّاً كانت الذرائع.
وصحيح أنّ أيّ طرف لبناني ليس متحمِّساً اليوم للدخول في مواجهة محلية جديدة، فإنّ كلمة السرّ الدولية مفادها أنّ التصارع السياسي على الحصص، ضمن معايير اللعبة الديموقراطية، مسموح، وأما التصادم فممنوع. والمطلوب أن يحافظ لبنان على استقراره وتماسكه ككيان موحّد إلى حين انتهاء الحروب في الشرق الأوسط ورسم الحلول المستقبَلية. وسيكون للبنان دوره الإقليمي والدولي.
في هذه العناصر يكمن المغزى الحقيقي لليونة التي يسارع المعنيون بملف قانون الانتخاب إلى إبدائها تباعاً، بعد المواقف المتشدِّدة. فالرئيس نبيه بري بدّل موقفه من التمديد للمجلس، والسيد حسن نصرالله بدا أكثرَ حرصاً على معايير التوافق الميثاقي، والرئيس سعد الحريري يميل إلى المواقف الوسطية. أما الرئيس ميشال عون فلا يبدو مستعجلاً للخروج عن صمته إلّا لينطق بالتوافق.
ولذلك، كل هذه الضوضاء السياسية ستزول، ولا داعي للخوف. هذا ما يقوله العارفون. فلا انفجار سيقع في 15 أيار، ولا في 20 حزيران. واللعبة شبيهة بحلقة المصارعة، حيث اللاعبون موضوعون تحت مراقبة شديدة، ويحقّ لكل منهم استخدام الأسلوب الذي يريده لتسجيل أكبر عدد من النقاط، ولكن لا يحقّ لأحد استخدام الضربات المحرَّمة.