يشعُر غالبية من في تيار المستقبل أنهم خارج التيار. هم بعيدون كل البعد عن خيارات الرئيس سعد الحريري. بداية في دعم العماد ميشال عون للرئاسة، والآن مع العلاقة المستجدة بين الحريري والوزير جبران باسيل. النقاش يكبر في الأوساط المستقبلية، وهؤلاء متمسّكون أكثر من أي وقتٍ مضى بصوابية معارضتهم
ثمّة من يقول إن «معركة تيار المُستقبل الأساسية هي مع حزب الله». غيرَ أن معركة غير مُعلنة يقودها جزء من المستقبليين اليوم مع التيار الوطني الحرّ ورئيسه جبران باسيل. مهما بلغَ التقارب بين الأخير والرئيس سعد الحريري وابن عمته نادر، يبقى وزير الخارجية شخصية غير مقبولة من القاعدة المستقبلية بالدرجة الأولى، وغالبية المسؤولين في التيار بالدرجة الثانية.
ربما أسهمت مغامرة الحريري في انتخاب ميشال عون رئيساً في إحداث تغيير جزئي في نظرة جمهور التيار الوطني الحر إلى الحريري. والتغيير هنا إيجابي. أما على الضفّة المستقبلية، فلم تحصل أي معجزة. لم يصبح عون بالنسبة إلى جمهور تيار المستقبل «بيّ الكلّ»، ولا كان بإمكان باسيل أن يتحوّل إلى حليف، ولا حتى إلى حليف الحليف. بل على العكس. يشتدّ الغيظ يوماً بعد يوم من خطاب رئيس تكتل التغيير والإصلاح. بداية، بدت لعبة الوقوف على التلّة والنظر إلى الاشتباك السياسي بين باسيل وحزب الله والرئيس نبيه برّي مسلّية إلى حدّ ما. لكنها لعبة ما لبثت أن تحولت إلى نقمة وخوف في آن واحد، بعدما لمست غالبية مَن في التيار، أن سياسة باسيل تطاولهم أكثر من غيرهم. يشعر هؤلاء بأن خطاب باسيل بدأ يطاول «عمق» الجمهور المستقبلي الذي ينظر إليه كمتعدٍّ على صلاحيات رئيس الحكومة، خلافاً لاتفاق الطائف. وهذا الكلام هو محط نقاش دائم في الأوساط المستقبلية منذ فترة.
لا يختلف جوّ الكتلة النيابية هذه الأيام عن ذاك الذي ساد قبيل إعلان الحريري دعم عون للرئاسة. وقد صارت الأمور أكثر تعقيداً. وهي لا تتعلق برئاسة جمهورية ولا بحكومة ولا حصص وزارية، بل بـ «خفايا المصالح والطموحات عند باسيل»، يقول أحد أعضاء كتلة المستقبل النيابية. حين انتخب الجنرال كان التسليم بالهزيمة مرّاً، ولا يزال يشعر المستقبليون بمرارتها نتيجة «التراخي الحريريّ مع الرئيس وباسيل»، خصوصاً في ملف قانون الانتخابات.
في آخر اجتماع للكتلة، عبّر بعض النواب من جناح الرئيس فؤاد السنيورة عن استيائهم من «التضارب بين بيان الكتلة والعمل الذي يديره الرئيس الحريري من خلف الأبواب الموصدة». ففي كلّ مرّة تؤكّد الكتلة رفضها «المشاريع التقسيمية وضرورة التوافق على قانون انتخابي»، يظهر في اليوم التالي أن تيار المستقبل «يسير خلف باسيل على العمياني». لكن في التيار الأزرق مَن يؤكّد أن المشكلة ليست في القانون ولا الخطاب، بل مشكلة «عدم تقبّل التموضع الجديد للرئيس الحريري». من المعروف أن أجنحة تيار المستقبل، بمن فيها تلك الأقرب إلى الرئيس الحريري، ترى أن المكان الطبيعي للحريرية السياسية هو إلى جانب الرئيس نبيه برّي والنائب وليد جنبلاط، خصوصاً أن هذا المكان أعطى الحريريين قبل اغتيال الرئيس رفيق الحريري وبعده رصيداً كبيراً، «وكان مساهماً في تحقيق إنجازات كبيرة فلا يجوز الخروج منه، في مقابل أخذ تيار المستقبل إلى تموضعات داخلية جديدة تختلف عمّا سبقها، فلماذا التخلي عن الرجلين في هذه المرحلة الحساسة التي تشهدها البلاد؟».
أما المأخذ الآخر، فمرتبط «بإعطاء الحريري العونيين ورئيسهم، ما لم يعطِه لرئيس حزب القوات اللبنانية طوال السنوات الماضية». وإن كان جنبلاط بالنسبة إلى أكثر المستقبليين لا يزال «شخصية وسطية»، فإن برّي بالنسبة إليهم هو «الخيار الشيعي الوحيد الباقي للانفتاح عليه، ولا بديل عنه سوى حزب الله، فهل يجوز الانقلاب عليه بهذه الطريقة؟» تتساءل المصادر. عشية التأسيس لواقع انتخابي جديد يسعى «المعارضون المستقبليون» إلى تثبيت نظريتهم القائلة بأن الحريري ارتكب خطأً جسيماً بانتخاب عون. ولا يزال مستمراً في هذا الخطأ عبر «سياسة الانبطاح» بحجة «رفض الاصطفاف في جبهة معينة». فهل يتدارك الحريري الأمر كما حصل بعد انتخابات الرئاسة، أم أنه سيعتبره انقلاباً يدفع ثمنه المعارضون نيابياً في وقت لاحق؟
ميسم رزق