يواصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تحريك مياه الأزمة السورية الراكدة منذ فترة، رامياً فيها بين الحين والآخر حجارة ديبلوماسية لافتة، بتناغم ملموس مع نظيره الأميركي دونالد ترامب وتفاعل قوي مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان. إذ بعد طرح «مناطق ينعدم فيها التصعيد» في سوريا، رمى أمس حجراً كبيراً بكلامه الواضح عن «مناطق آمنة» محمية بـ«حظر جوي».
كلام بوتين عن مناطق آمنة بحظر جوي جاء بعد لقائه أردوغان، لكن الرئيس الروسي أوضح أن هذه المبادرة «تبلورت في سياق مناقشة المشاكل الحساسة للأزمة السورية مع الشركاء في تركيا وإيران وداخل سوريا نفسها»، مشيراً الى أنه ناقشها مع ترامب خلال مكالمتهما الهاتفية أول من أمس. وقال: «حسبما فهمت، تؤيد الإدارة الأميركية هذه الأفكار، ونفكر بشكل مشترك بهذه النقطة، وذلك في ضوء آلية مشتركة تؤسس لحوار سياسي، نحن نسعى لإرساء أرضية، وأردوغان يشاركنا الرأي».
وكانت مصادر ديبلوماسية في موسكو أكدت لـ«المستقبل» أن قضية المناطق الآمنة حضرت بقوة خلال الاتصال بين الرئيسين الروسي والأميركي. ولاحظت أن بوتين بدأ يخفف من تصلبه تجاه هذه القضية وقضايا أخرى مرتبطة بالموضوع السوري، وذلك منذ تولي ترامب الرئاسة، ما أوجد «جواً جديداً» يحاذر فيه بوتين الاصطدام بترامب وبالمعارضة السورية، فكان اقتراحه أولاً «مناطق ينعدم فيها التصعيد» على المعارضة لتشجيعها على حضور جولة الآستانة الجديدة، ولكسب ثقة ترامب.
وأشارت المصادر الى أن بوتين يراهن على دور تركي مع المعارضة لبلورة موقف إيجابي من «مسودة المقترحات الروسية» كما هي أو مع تعديلات، في حين تبقى «مشكلة» ترويجها لدى إيران على عاتق موسكو.
الكلام عن إقامة «مناطق آمنة» يحظر الطيران فوقها، جاء خلال لقاء قمة عُقد أمس بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان، في منتجع سوتشي، جنوب روسيا.
بوتين وخلال مؤتمر صحافي مشترك مع أردوغان، أعلن أن فكرة إقامة «مناطق آمنة» في سوريا تتضمن عدم تحليق الطيران الحربي فوق تلك المناطق، شريطة عدم إجراء أي أنشطة عسكرية فيها، مشيراً إلى أن «التفاصيل المهنية لهذه الفكرة سيتم تحديدها في سياق اتصالات بين وزارات الدفاع وهيئات الاستخبارات للدول الضامنة للهدنة في سوريا».
واضاف بوتين أن «موسكو وأنقرة متفقتان حول استحالة تسوية النزاع السوري إلا بالوسائل السياسية الديبلوماسية». لكنه شدد على «ضرورة ضمان وقف إطلاق النار الثابت لتوفير الظروف المواتية للحوار السياسي، وعلى أن المبادرة الخاصة بإنشاء مناطق وقف التصعيد تستهدف تعزيز وقف إطلاق النار».
وأعرب عن أمله في أن يتخذ المشاركون في المفاوضات الجارية حالياً في الآستانة القرار النهائي بشأن المناطق الآمنة، «لأن مصير بلادهم (السوريين) سيتعلق بهم فقط في نهاية المطاف»، مؤكداً دعم روسيا وتركيا وإيران بصفتها الدول الراعية للهدنة لفكرة المناطق الآمنة.
ورداً على سؤال عما إذا كانت تلك المناطق تمهد لتقسيم البلاد، شدد بوتين على أن «إقامة المناطق الآمنة يجب أن يؤدي لتعزيز المصالحة ونظام وقف إطلاق النار». وأوضح أن «وقف إراقة الدماء من الشروط الرئيسية لبدء الحوار السياسي بين الأطراف المتنازعة. وفي نهاية المطاف يجب أن تؤدي هذه العملية السياسية إلى استعادة وحدة الأراضي السورية بالكامل، وتشكيل قيادة موحدة للبلاد».
وفي الوقت نفسه، أكد بوتين أنه على الرغم من إقامة المناطق الآمنة، يجب مواصلة محاربة الإرهاب، موضحاً أن تلك العمليات ستستهدف «داعش» و«جبهة النصرة» المُدرجين على القائمة الأممية للإرهاب. وأضاف: «أما الرقابة على الالتزام بنظام وقف إطلاق النار في المناطق الآمنة، فهو موضوع لمفاوضات منفصلة».
ورداً على سؤال حول الجهة التي طرحت فكرة إقامة مثل هذه المناطق لأول مرة، أوضح الرئيس الروسي أن «المبادرة تبلورت في سياق مناقشة المشاكل الحساسة للأزمة السورية مع الشركاء في تركيا وإيران وداخل سوريا نفسها». وأكد أن «موسكو قبل طرح هذه المبادرة، أجرت مشاورات مع دمشق وطهران، أظهرت توافق الجميع حول ضرورة استحداث آليات تضمن حقن الدماء وتوفير الظروف لإطلاق الحوار السياسي».
بدوره، ذكّر أردوغان بأن أنقرة تحدثت عن ضرورة إقامة مناطق آمنة في سوريا منذ وقت طويل، وقال: «اليوم تم اعتماد اسم (مناطق وقف القتال) لهذه المبادرة». وأكد أنه خلال محادثاته مع بوتين، بحث إقامة مثل هذه المناطق اعتماداً على الخرائط، مؤكداً أن «إطلاق العملية السياسية في سوريا والحفاظ على وحدة أراضي هذه البلاد من أولويات أنقرة»، ومجدداً تمسك الجانب التركي بالتعاون مع موسكو على الاتجاه السوري.
وأكد أن الهدنة في سوريا «تشكل فرصة لإنجاح مساعي الحل السياسي، ينبغي عدم إهدارها». وأضاف «وقف إطلاق النار في سوريا، أو وقف الاشتباكات بحسب المسمى الجديد، الذي يجري بضمانة تركيا وروسيا وإيران، شكّل فرصة مهمة لنجاح جهود الحل السياسي، وينبغي عدم إهدار هذه الفرصة الذهبية».
وتابع: «صديقي بوتين يرغب بإنهاء المأساة في سوريا، وأنا على ثقة أنه سيبذل جهوداً حثيثة لتطبيق اتفاق وقف إطلاق النار»، مشدداً على أن «أي هجوم لتعطيل وقف إطلاق النار في سوريا من شأنه مفاقمة الوضع في الميدان، وجعل جهود الدول الضامنة تذهب سدىً».
وبشأن الهجوم الكيميائي في بلدة خان شيخون في إدلب، قال أردوغان إنه جاء في سياق المحاولات لإحباط عملية السلام، وأضاف أنه توصل إلى توافق مع بوتين حول ضرورة معاقبة المسؤولين عن هذا الهجوم.
كما شدد أردوغان على مواصلة محاربة التنظيمات الإرهابية في سوريا من دون أي تفريق بينها، في إشارة إلى عزم أنقرة على مواصلة التصدي لأنشطة «حزب العمال الكردستاني» وفروعه في سوريا. وأكد أن تركيا لم تسمح بظهور «كيانات معادية» على حدودها الجنوبية، باعتبار هذه الكيانات تهديدات لوحدة أراضيها وأمنها القومي.
وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو الذي حضر لقاء بوتين - أردوغان، أعرب عن أمله بإحراز تقدم بشأن إقامة «مناطق آمنة» في سوريا خلال المفاوضات الجارية في الآستانة. وقال إن «هذه المسألة (إقامة المناطق الآمنة) من المواضيع التي تناقشها فرقنا في الآستانة، وكذلك ممثلو المعارضة والنظام السوري»، مشيراً إلى أن المشاركين في المفاوضات، يناقشون 4 وثائق، وهناك توافق حول 3 منها.
وفي هذا السياق، نقلت وكالة «سبوتنيك» عن مصدر في أحد الوفود المشاركة في مفاوضات الآستانة، توقعه حدوث «قفزة» إلى الأمام، بشأن اقتراح إنشاء المناطق الآمنة الرامي إلى وقف التصعيد.
بالعودة إلى الجولة الرابعة من محادثات الآستانة التي بدأت أمس، برعاية موسكو وطهران، قدمت المعارضة السورية وثيقة تتضمن مطالبها إلى الدول الراعية للمفاوضات، قبيل تعليقها المشاركة في الاجتماعات بسبب مواصلة القصف، وعدم التزام روسيا بتعهداتها.
وجاء في الوثيقة أن «وفد الثورة العسكري يؤكد مجدداً التزامه تنفيذ اتفاقية أنقرة المبرمة في 30 كانون الأول 2016، والمتضمّنة وقف إطلاق النار بضمانة تركية روسية»، مطالباً بـ«إلزام النظام والقوى الداعمة له، بالتطبيق الكامل للاتفاقية وبإيقاف فوري لكافة هجماتهم الجوية والبرية ضد مناطق المعارضة، والانسحاب من المناطق التي قام النظام باجتياحها بعد 30 كانون الأول الماضي، ومنها وادي بردى، وحي الوعر، والمعضمية والزبداني، وتمكين أهلها المهجرين منها العودة إليها».
كما تضمنت المطالب «البدء وفق جدول زمني بإطلاق سراح جميع المعتقلين، وبالإفراج الفوري عن النساء والأطفال والشيوخ والمرضى، والتوقف عن استمرار النظام بالاعتقالات التعسفية والتصفيات الجسدية وممارسة التعذيب في السجون وأماكن الاعتقال».
وأكدت ضرورة «إدخال المساعدات الإنسانية من دون قيد أو شرط، وفك الحصار عن كافة المناطق المحاصرة»، كذلك «إخراج كل الميليشيات الطائفية الإرهابية التابعة لنظام ولاية الفقيه في إيران، من سوريا»، معتبرة «إيران دولة معتدية على الشعب السوري ومعادية له، وهي جزء من المشكلة، ولا تقبل بأي دور لها في حاضر سوريا أو مستقبلها ضامناً أو راعياً».
بيد أن مسؤولاً كبيراً في وزارة الخارجية في قازاخستان قال للصحافيين إنه يتوقع عودة شخصيات من المعارضة للمحادثات الخميس. كما قال ديبلوماسي آخر قريب من المحادثات، إن المعارضة لم تنسحب بشكل كامل.
وقالت مصادر قريبة من وفد المعارضة إن وفدي النظام والفصائل المعارضة، كانا قد باشرا البحث في وثيقة روسية حول مناطق «تخفيف التصعيد»، والتي اقترحتها الوثيقة، وهذه المناطق في محافظة إدلب (شمال غرب) وفي شمال حمص (وسط) وفي الغوطة الشرقية قرب دمشق وفي جنوب سوريا. والهدف من ذلك هو «وضع حد فوري للعنف وتحسين الحالة الإنسانية».
واشارت الوثيقة الى انه «يمكن نشر الوحدات العسكرية التابعة للدول المراقبة في المناطق الأمنية»، من دون تحديد من هي تلك الدول.
وأقرّ وفد الفصائل في بيانه أمس بأن «المناطق الآمنة هي إجراء موقت للتخفيف من الأوضاع الإنسانية الصعبة للمدنيين ولا يمكن القبول بأي بديل عن الانتقال السياسي».
المفاوض الروسي إلى محادثات الآستانة ألكسندر لافرنتييف، أعلن أن بلاده تأمل بأن تتفاوض مع تركيا وإيران اليوم الخميس على مذكرة تفاهم لإقامة أربع مناطق في سوريا يتوقف فيها تصعيد القتال، مشيراً أمام الصحافيين إلى أن «هذه هي المناطق التي يدور فيها أشد القتال بين قوات النظام وجبهة النصرة والمعارضة المعتدلة». وأضاف أن الوثيقة لا تزال في مرحلة الإعداد
المستقبل : بوتين ينتقل من مناطق سورية «هادئة» الى «آمنة» وحظر جوي
المستقبل : بوتين ينتقل من مناطق سورية «هادئة» الى «آمنة»...لبنان الجديد
NewLebanon
|
عدد القراء:
277
مقالات ذات صلة
الجمهورية : السلطة تحاول التقاط أنفاسها... والموازنة تفقدها...
الاخبار : السفير الروسي: الأميركيّون يهيّئون لفوضى في...
اللواء : باسيل يتوعَّد السياسيِّين.. ورعد...
الجمهورية : مجلس الوزراء للموازنة اليوم وللتعيينات غداً.....
الاخبار : الحريري بدأ جولة...
اللواء : هل يستجيب عون لطلب تأجيل جلسة المادة...
ارسل تعليقك على هذا المقال
إن المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس بـالضرورة سياسة الموقع
© 2018 All Rights Reserved |
Powered & Designed By Asmar Pro