ورغم ان الوثيقة تضمنت العديد من النقاط الجديدة الهامة، فانها لم تخرج عن الثوابت التي تتمسك بها الحركة على صعيد مواجهة المشروع الصهيوني ودور المقاومة واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، لكن الوثيقة اتسمت بالمرونة السياسية على صعيد القبول بدولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة والاستمرار في العمل لاقامة دولة فلسطين على كامل الاراضي الفلسطينية، ورفضت الوثيقة الاعتراف بشرعية الكيان الصهيوني واكدت التمسك بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين الى ارضهم، كما تضمنت الوثيقة اشارات هامة لجهة مواقف الحركة من الدول العربية والاسلامية والحرص على عدم الدخول في الصراعات الداخلية لهذه الدول.
ولا يهدف هذا المقال لمناقشة مواقف الحركة في وثيقتها الجديدة وما تغير في مواقفها وما هو المستجد، لان هذه المناقشة تحتاج لمقاربات مختلفة حول الاسباب التي دفعت الحركة لاطلاق الوثيقة وما هو تأثير ذلك على دورها المستقبلي والقضية الفلسطينية، وان كان الاستاذ خالد مشعل قد قدّم لاطلاق الوثيقة برؤية متكاملة حول الاسباب التي دفعت الحركة لاطلاق الوثيقة وخصوصا المتغيرات السياسية والميدانية والاقليمية والدولية.
لكن ما اود الحديث عنها هو الاسباب التي تدفع الحركات السياسية والفكرية بشكل عام، والحركات الاسلامية بشكل خاص لاطلاق وثائق جديدة تراعي المتغيرات والتطورات المتسارعة، وما هو الثابت والمتغير في هذه الوثائق، وهل ستؤثر هذه الوثائق على المبدئية او العقائدية التي تتسم بها هذه الحركات.
ولا بد من الاشارة بداية الى انه ليس فقط حركة حماس اطلقت وثيقة جديدة بعد مسيرة طويلة من النضال، فمعظم القوى والحركات السياسية والحزبية ولا سيما الاسلامية عمدت لاطلاق وثائق جديدة خلال مسيرتها او عمدت الى وضع رؤى جديدة تعمل على اساسها.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، فحزب الله في لبنان اطلق في بداية انطلاقته عام 1985 الرسالة المفتوحة والتي اتسمت بايديولوجية عالية، ومن ثم في العام 2009 اي بعد 24 سنة على هذه الوثيقة الاولى، اطلق وثيقة سياسية جديدة وسميت بالوثيقة السياسية وتضمنت تغييرات عديدة على مستوى الخطاب والاداء.
والامر نفسه ينطبق على حركة النهضة في تونس وحزب العدالة والتنمية في المغرب وعلى الجمهورية الاسلامية في ايران والتي شهدت تغييرات عديدة في خطابها السياسي منذ التأسيس وحتى اليوم، وكذلك على حزب الرفاه في تركيا والذي تحول الى حزب السعادة ومن ثم انبثق عنه حزب العدالة والتنمية، كما ان بعض التيارات السلفية في مصر والدول العربية شهدت تغييرات عديدة في مواقفها وادائها، كما ان حزب الدعوة الاسلامية في العراق لم يعد اليوم كما كان الامر عند تأسيسه.
وهذا ما جرى على صعيد بعض الدول الكبرى كروسيا والصين او على صعيد الحركات اليسارية والشيوعية في العالم.
طبعا هناك احزاب وتيارات اسلامية او يسارية او قومية تحاول الحفاظ على مواقفها الفكرية والسياسية دون اي تغيير فعلي كما هو الحال مع حزب التحرير والذي لا زال يتمسك بافكاره التي وضعها قبل حوالي الستين سنة، مع انه لم يحقق اية انجازات مهمة على الصعد السياسية والعملية ولا يزال يعمل لاقامة الخلافة الاسلامية.
وعلى ضوء ذلك: كيف يمكن تقييم هذه المتغيرات في الوثائق والاداء؟ هل نكتفي بسرد النقاط التي تغيرت او معرفة هل تخلت الحركة او الحزب او الدولة عن ثوابتها؟ او ماهو مقدار مساهمة هذه التغييرات في تقريب الحركة من الاهداف التي وضعتها اساسا؟
إن سنة الكون تقتضي التغيير والبحث عن اساليب جديدة للعمل ولتحقيق الاهداف في ظل ما يشهده العالم من متغيرات، لكن الاهم هو الحفاظ على الثوابت الاساسية التي انطلقت من اجلها هذه الاحزاب والحركات، وان لا يؤدي التغيير الى الخروج عن الثوابت الاساسية والتي تلغي مبرر وجود هذه الحركات.
على ضوء هذه المعطيات يمكن تقييم الوثيقة السياسية والفكرية الجديدة لحركة حماس او لاي تنظيم او حزب اسلامي او يساري او قومي، فالحفاظ على الثوابت والاهداف التي نشأت من اجلها هذه الاحزاب هو الاساس، اما اذا كان التغيير سيؤدي الى ابتعاد هذه الحركات والاحزاب عن ثوابتها واسسها الفكرية، فانها هنا تكمن المشكلة.
فهل تخلت حركة حماس عن ثوابتها؟ وهل تخلى حزب الله سابقا عن ثوابته؟ واين اصبحت الاهداف التي وضعتها الجمهورية الاسلامية الايرانية في بداية انطلاقتها؟ واين هو حزب الدعوة الاسلامية في العراق من مشروعه الفكري والسياسي التأسيسي؟ وهكذا يمكن اعادة تقييم ودراسة كل الحركات والاحزاب على قاعدة الثابت والمتغير في مسيرتها السياسية والفكرية.