بقدر ما اهتم الاسلام بالحرب كذلك فانه اهتم بالسلام , بل إنه جعل غايته السلام والامن للانسان , فقال النبي (ص) : "ألا أخبركم بخير أخلاق أهل الدنيا والاخرة , قالوا بلى يا رسول الله , فقال : إفشاء السلام في العالم ", فلذلك كان هدف الحرب اساسا هو نشر السلام والامن , وإزالة الفوضى والاضطراب اللذين يثيرهما الظلم , ولم تكن الحرب ابدا هدفا بذاته بقدر ما كانت وسيلة للهدف الاسمى وهو احلال السلام والامن للانسان في المجتمع , فلا عجب ان يبدو ذلك في عقيدة الاسلام وشريعته وأخلاقه , حيث قال الله في كتابه الكريم :"وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله " ,- الانفال اية 61. فالاولوية في المشروع الاسلامي هو للسلام , ويمكن ان نعتبر الحرب استثناء , لانها عادة تكون مقدمة للسلام اذ في بعض الاحيان يسيطر الظالم ويجور على الناس , فتكون الحرب هنا ضرورية لرفع الظلم وإحلال السلام , وتتضافر كل الركائز في تدعيم البناء الذي يشيده الدين لنشر السلام في العالم .
كذلك اهتم الاسلام في تربية الانسان على ان السلام سجية اخلاقية يتحلى بها المؤمن لان السلام في جوهره هو طبيعة انسانية او ملكة انسانية , بل نمط من السلوك يصدر عن نفس مسالمة تحب الاخرين وتحرص على أمنهم , قبل ان يكون قرارا اجتماعيا او سياسيا تفرضه السلطة او قوة متسلطة , فقال الله في كتابه الكريم :" وعباد الرحمن الذين يمشون على الارض هونا واذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما " . الفرقان اية 63.
ونزعة العدوان التي يعالجها الاسلام بالسلام تنعكس على جميع الوان التصرفات , سواء كان عدوانا على النفس او على الاسرة او على الاصحاب او على المجتمع او على الخصوم , واي ظلم للانسان كيفما كان , فيكون السلام ضدا لجميع انواع الانحرافات , وتكون كل هذه الموبقات الاجتماعية والاخلاقية والسياسية والى ما هنالك من انحرافات هدفا للسلام وإزالتها .
قال الامام علي عليه السلام :" ولا تدفعن صلحا دعاك اليه عدوك ولله فيه رضى , فان في الصلح دعة لجنودك وراحة من همومك وأمنا لبلادك .." , كلام الامام واضح بانه ليس مجرد كلام سياسي او موقف سياسي بقدر ما هو موقف عقائدي يتلافي فيه آثار الحرب المدمرة وصولا ليكون هذا الموقف موقفا اخلاقيا أصيلا , ومفهوما اساسيا يُبنى على اساسه الانسان المسلم .
ينبغي ان تكون ثقافة السلام مسيطرة على ثقافة الحرب , وان الحرب هو الاستثناء وليس القاعدة , بل القاعدة هي احلال السلام والامن والمشروع الدائم هو السلام , اما ان يكون المشروع الدائم هو الحرب فهذا مخالف لبديهيات الفكر الاسلامي الذي أكد في كثير من المحطات على الاستعداد الدائم خلال الحرب لإيقافها والجنوح للسلم , وبذلك لا يكون السلام في الاسلام نشازا يمارسه عند العجز عن الحرب , بل هو ظاهرة يضج بها الاسلام كنظام اخلاقي وتربوي عامر بالسلام