ونقطة الذروة تحققت في نهايات الشهر الماضي، مع إتمام خروج آخر دفعة من مقاتلي المعارضة من مدينة الزبداني، وبذلك يكون الحزب أحكم عسكرياً سيطرته على كل منطقتها التي تضم اليها اربع بلدات وقرى هي: مضايا، سرغايا، بلقين وبلودان.
وتعتبر هذه المنطقة النقطة السورية الحدودية مع لبنان الأكثر حساسية، لأنها تتاخم منطقة عنجر اللبنانية وتمثل بموقعها الجغرافي نقطة وصل بين القلمون الغربي ومنطقة وادي بردى في ضواحي دمشق.
وبإخراج المسلحين من الزبداني ومنطقتها، تكون المعارضة المسلحة السورية خسرت آخر موقع لها غرب دمشق، بعدما كانت خسرت سابقاً، مدن وبلدات القلمون الغربية من خلال امّا مواجهات عسكرية مع «الحزب» والجيش السوري، أو من خلال هُدَن ومصالحات كما حصل في قُدسيَّا والهامَة ووادي بردى، وأخيراً عبر مصالحة «المدن الاربع»، وكلها انتهت الى نتيجة واحدة وهي اخراج مسلحيها من هذه المناطق الى ادلب وريفها.
والواقع انه بعد ثلاثة اعوام من حرب عسكرية ممَرحلة خاضها «حزب الله» على طول المنطقة السورية الحدودية مع لبنان، تخللتها معارك ضارية وتكتيكات ضغط تلتها تسويات لإخراج المسلحين من مواقعهم، تمكن الحزب من رسم صورة للحدود السورية مع لبنان، هي التالية:
أولاً - إتمام الحزب احدى مهماته الاستراتيجية في سوريا، وذات الصلة ليست فقط بحماية النظام، بل ايضا بتأمين حماية خاصرة الحزب اللبنانية وخاصرة دمشق الغربية، وذلك عبر إحكام سيطرته على كل المنطقة الحدودية السورية مع لبنان إمتداداً من المعبر الحدودي في جديدة يابوس الواقع على الحدود السورية ـ اللبنانية قريباً الى الغرب من المصنع اللبناني، حتى القلمون الغربي في الاراضي السورية بما فيها مدينة الزبداني ومنطقتها، وبذلك زال خطر مسلحيها على منطقة عنجر اللبنانية وايضاً على ايّ هجوم على دمشق من غربها.
ثانياً - بقيت ثغرات قليلة في المنطقة السورية الحدودية مع لبنان، تتمركز فيها «داعش» و»النصرة»، وتحديداً في مناطق سورية من القلمون الغربي او لبنانية او متداخلة مثل جرود قارة ووادي ميرا.
الحسم في هذه المنطقة، يواجه تعقيدات على صلة بالوضع الداخلي اللبناني، حيث انّ فتح الحزب لمعركة الحسم فيها، ولو انطلاقاً من الجهة السورية، سيُفضي الى اضطراره لدخول القسم اللبناني منها، بما في ذلك بلدة عرسال السنية اللبنانية، وهو أمر يتحاشاه الحزب خوفاً من انعكاساته اللبنانية الداخلية وتشظياته المذهبية، ولذلك يرغب بتنسيق القسم المتعلق بمعركة اخراج «داعش» و«النصرة» من جرود عرسال مع الجيش اللبناني لكي يتكفل الأخير بمنع تراجع مسلحي القلمون بشقّيه اللبناني والسوري الى بلدة عرسال ومخيم النازحين فيها.
وبدوره الجيش اللبناني، يحتاج الى دخول معركة إخراج المسلحين من جرود عرسال، الى تنسيق عسكري مع الدولة السورية، ولكن هذا الأمر يحتاج الى قرار له حساباته الاقليمية والدولية.
تقع منطقة تمركز الجيش اللبناني العسكري في عرسال، بين مواقع «داعش» و«النصرة»، ولكي يضمن الجيش عدم وقوعه بين نارين معاديتين، يحتاج الى تنسيق مع الجيش السوري ليؤمّن ظهره من الجهة السورية، ولتنسيق ايضاً على مستوى عدم السماح لمسلحي القلمون الغربي بالتراجع الى بلدة عرسال ومخيم النازحين الموجود عند تخومها والمقطونة بنسبة عالية من اهالي مسلحي جرود عرسال والقلمون الغربي وعائلاتهم.
وأكثر السيناريوهات شيوعاً هو أن ينسحب مسلحو «النصرة» تحديداً، تحت ضغط الهجوم عليهم من تحالف الجيش السوري و»حزب الله» من الجهة السورية، الى مخيم النازحين عند بلدة عرسال، ما ينتج وضعاً معقداً يؤثر في سلاسة سير معركة الحسم، ويدخلها في مآزق الاضطرار الى القتال ضد مخيم مَقطون، نظرياً أقله، بالنازحين العُزَّل.
بطبيعة الحال، لا يستطيع «حزب الله» لأسباب سياسية دخول «حرم بلدة عرسال»، كما انّ الجيش لا يستطيع دخول معركة شاملة في جرود عرسال، الّا اذا ضمن قراراً سياسياً يتيح له تنسيقاً مع الجيش السوري يؤمن ظهره في المعركة، ويسمح له بالتحرك معه لمنع تسرّب المسلحين الى مخيم عرسال او بلدتها!
وفي انتظار حل هذه التعقيدات التي يتداخل فيها البعد العسكري مع السياسي، يبقى قرار بدء حرب إخراج «داعش» و«النصرة» من آخر بقعة على الحدود السورية مع لبنان، غير ناضج، ولكنه مفتوح على مفاجآت تسريع تظهير مستلزماته لبنانياً وسورياً، او حتى قيام «داعش»، بحسب بعض المعلومات، بمفاجأة فتح المعركة بدليل رصد تعزيزات لها في مناطق قلمونية متداخلة جغرافياً بين لبنان وسوريا، وخصوصاً في وادي ميرا وجرود قارة.
ثالثا- يوجد أمام «حزب الله» حالياً خياران اثنان لمقاربة معركة جرود عرسال، ولإتمام مهمته الخاصة بإخراج «داعش» و»النصرة» وفصائل اخرى مسلحة، من آخر منطقة للمسلحين السوريين على حدود لبنان (عدا شبعا).
يتمثّل الخيار الاول بالذهاب في معركة حسم عسكري، وهنا سيمر الحزب في اختبار جديد مع عهد الرئيس ميشال عون، وذلك حول رغبته في إجراء تنسيق حول هذا الامر مع دمشق، مع ما يترتّب على ذلك من تبعات إقليمية ودولية.
امّا الخيار الثاني فهو ان يُطبِّق الحزب على منطقة جرود عرسال اللبنانية، مع «داعش» و«النصرة» وفصائل أخرى توجد فيها، تسوية شبيهة بتلك التي حصلت مع «النصرة» وفصائل مسلحة أخرى في قُدسيّا ووادي بردى والزبداني.
وبحسب معلومات خاصة بـ«الجمهورية»، فإنّ إرهاصات تجريب مثل هذه التسوية بدأت، غير أنه حتى الآن لا توجد تأكيدات عن مدى جدية انطلاقتها، ولكنّ فحواها، بحسب مصادر في المعارضة السورية، يشير الى انّ الحزب يعرض عبر وسيط ثالث، إتفاقية مع مسلحي جرود عرسال اللبنانية، قوامها قبولهم بالانسحاب مع أسلحتهم الى مناطق يختارونها داخل سوريا، في مقابل إعادة أهالي القلمون الغربي الموجودين في مخيمات النازحين في لبنان الى قراهم في القلمون. وحتى اللحظة ليس واضحاً ما اذا كانت هذه التسوية تتقدم ام انها لا تزال مجرد فكرة.