يشكّل المفتي الجعفري الشيخ أحمد طالب «علامةً فارقة» في زمنِ طغيان «المفارقات المأسوية» في الدين والسياسة والاجتماع... فهذا «التصالُحي» في فهْم الدين والدنيا يَكسر في إطلالاته الصورية النمطية لرجل الدين، التي غالباً ما صارت توحي بـ «الظلامية». مجتهدٌ في أنْسنة النصّ الديني وتنقيته، يتحدّر من مدرسةٍ، روّادها موسى الصدر ومحمد مهدي شمس الدين ومحمد حسين فضل الله، وسواهم من أعلامٍ في الدعوة الى الحوار والانفتاح والاعتراف بالآخر ونبذ العنف والتطرف والتعصب والإقصاء.
ورغم محاولات تعطيل العقل وكمّ الأفواه وتجييش الغرائز وسطوة الخطاب الفتْنوي، فان الشيخ أحمد طالب، الذي لا يكلّ ولا يملّ، استمرّ وبجرأةٍ وصدقيةٍ وصلابةٍ على «الوضوح» في مقارباته التجديدية والإصلاحية والوحدوية لأكثر المفاهيم إثارة للجدل مع صعودِ «الداعشيات» المذهبية وتمتْرسها خلف نصوصٍ وروايات فيها الكثير من المشكوك فيه والمكذوب، ومع استقواء «الحناجر القوية» و«الطبول الفارغة» بالخرافات وتقديمها كحقيقةٍ دينية.
ويأخذ المفتي أحمد طالب على «طبقة» رجال الدين تحويلهم المذاهب «صنماً» يُعبد وتقديمهم لأهل البيت والصحابة بطريقةٍ خلافية تسيء اليهم، مشيراً الى ان «التشيّع مدرسة في الفكر الإسلامي تقدّم اجتهادها بعيداً عن المنحى السياسي، ولم يكن هدفها يوماً الحصول على دولة او سلطة»، لافتاً الى ان «غالبية علماء الشيعة وكبار مرجعياتهم تميل الى عدم الموافقة على نظرية ولاية الفقيه». ويجزم المفتي الجعفري بأنه «يجب ان يقدّم المواطن الشيعي نموذج المواطن الصالح في وطنه، ويتقيّد بمؤسسات الدولة ونظامها»، منبّهاً الى «ان مَن أراد ان يلتزم بنظامِ دولةٍ أخرى (في إشارة غير مباشرة لإيران) وينتمي اليها سياسياً وفكرياً فليُقِم فيها»، مذكراً بفتوى كبار المراجع بـ «أنه لا يجوز مخالفة نظام الدولة ولو على مستوى إشارة المرور».
«الراي» التقت المفتي طالب في حوارٍ خاص، في ما يأتي نصه:
• مَن المسؤول عن تَحوُّل الإسلام «فزاعة»... المؤسسة الدينية، النصوص أسيرة الكتب، المؤامرة، الغربة عن العصر... أم ماذا؟
- كل هذا الذي ذكرتَه له علاقة بتحويل الدين فزاعة... الخطاب الديني الذي يعتمد على نصٍّ ديني لم يتم التعامل معه بطريقة علمية، ولم يَجرِ العمل على مُزاوَجته مع الواقع الذي وصل اليه المستوى الفكري والثقافي لدى الشعوب، إضافة إلى الخلْط بين العادات والتقاليد والنص الديني، وجعْل تلك العادات نصاً دينياً مقدَّساً وإسباغ القداسة عليها إلى الحدّ الذي جعل علماء يخلطون بين ما هو عاداتٍ وتقاليد وبين ما هو نصّ ديني. ولذا أصبحنا في زمنٍ لا يستطيع الإنسان ان ينتقد حتى بعض العادات والتقاليد بسبب إسباغ المقدّس عليها، وهو الأمر الذي جعل النص الديني العقلاني والواقعي الذي يعبّر عن الدين الصحيح، الذي جاء به النبي محمد بن عبدالله، صلى الله عليه وسلّم، يعيش الغربة في التعامل معه ولا يُقدَّم للناس، وهو الذي يملك بُعداً إنسانياً وحساً علمياً وعُمقاً فكرياً، ويعبّر عن نمطٍ يتّسم بعدالةٍ مفرطة في العلاقة الإنسانية والبشرية.
هذا النصّ لم يعد له «سوق» في الوقت الحاضر، ويجد بعض رجال الدين ان لا مصلحة لهم في تقديم هذا الخطاب، الذي لا يؤمّن لهم الاستقطاب الذي يريدونه في أوساط الجيل اليافع، الذي لا يملك قدرةً على فهم الحقائق الدينية.
ونجد ان السائد اليوم هو الخطاب الخرافي والمتكئ على معنى متخلّف للغيب، والذي يروّج لأن الانسان يجب ان يسعى لتحصيل الآخرة على حساب الدنيا، وليس الخطاب الحقيقي الذي دعا إليه الدين بالقول «ولا تنس نصيبك من الدنيا» أو انه كما قال الإمام علي عليه السلام عندما أوصى «اعمل لدنياك كأنك تعيش ابداً...».
الثقافة التي تشاع الآن هي الثقافة التي تأخذ الشباب الى منحى فيه الكثير من الإحباط والتخلي عن الإبداع والإنتاجية وعدم السعي لتحقيق أيّ أثَر مهمّ علمي أو عملي في واقع الأمة الاسلامية، لأن الخطاب السائد يجعل الشاب يفكّر كيف «يستشهد» او كيف ينتقل الى الآخرة للحصول على الحياة الحقيقية على حساب الحياة الدنيوية.
لقد تمّ استغلال هذا النمط من الفكر التخديري من أجهزةٍ وكيانات تَعتبر أن من مصلحتها تشجيع هذا النوع من الفكر كونه يَخدم ما تسعى إليه في الواقع السياسي وما تريد ان تصل اليه من مصالح اقتصادية، إضافة إلى تشتيت الأمة وإخضاعها على النحو الذي يعوق تَطوُّرها ورقيها.
كل هذه العوامل مجتمعة أوصلتْ اليوم الى ما يسمى «الفوبيا الاسلامية» لأنه أصبح لدى كثير من الناس اعتقادٌ أنه لا يَنتج عن الدين إلا القتل والتخلف والجهل وعدم الالتزام بالنظام وعدم ممارسة حياة اجتماعية سليمة. هذا النوع من الصورة المشوّهة قُدمت عن الإسلام نتيجة الخطاب الديني المتخلّف الذي يحمل أطراً مذهبية محضة تريد من خلال تَعصُّبها تحقيق مكانةٍ لا تمسّ بطبقةِ رجال الدين لتبقى لهم هذه السطوة على عقول الناس وأفكارهم، وكي يحصلوا على الطاعة والخضوع من قبل الشعوب.
• تحدثتَ عن واقع «أمة اقرأ» وترتيبها بين الأمم، وقتْل الابداع فيها وإظهارها عدوّة للعلم... من اين يمكن ان يبدأ قلب الصورة؟
- يبدأ قلب الصورة حينما تبدأ الأمة تقرأ. ما دمنا لا نقرأ ونعتمد على آخَر ليفكر عنا ويقدّم لنا الأفكار المعلّبة الجاهزة وما علينا إلا أن نطيع ونبايع ونطبّق ما يريده منا، فهذا يعني أننا سنبقى على ما نحن عليه وربما نتجه نحو الأسوأ.
حينما دعانا القرآن ان نقرأ، فهو خاطَب العقل وأراده ان يكون قائد السفينة الإنسانية، وأراد للغريزة، ان تحتكم للعقل وتكون مطواعةً له ومتقيّدة به. لكن بكل أسف، عندما تخلّينا عن القراءة أصبحنا أمةً غرائزية بامتياز تتبع الشهوات والعصبيات والانفعالات، ولذلك نجد اليوم ان أكثر المطاعين في الواقع الإسلامي هم أصحاب الحناجر القوية وأصحاب الأساليب الإبداعية في التمثيل الخطابي وفي الأداء الصوتي الذي يجد فيه كثيرٌ من الناس صورة «البطل» الذي يبحثون عنه بعيداً عما يحمل هذا البطل من مضمونٍ فكري. لا يسألون عن مضمونه الفكري إنما عن أسلوبه التهديدي او العنفي الذي يحاكي غرائزهم وربما ما يحلمون به من تحقيق السطوة على الآخر.
المؤسف ان الخطاب العقلي غير مقبول عند الناس... إذا أطل مُحاضِر يقدّم إبداعاً علمياً بصورةٍ هادئة ومنطقية، لا تجد مَن يستمع اليه او يقدّر او ينصت، بينما الأصوات التي تصدح في الواقع الذي نعيشه، وعلى طريقة الطبول الفارغة، هي أكثر تأييداً وتشجيعاً ومتابعةً من الناس، رغم انها خاوية من أيّ مضمونٍ فكري أو علمي.
إذا أردنا ان نعيد للامة ثقلها الفكري والعلمي لا بد أن تتحوّل أمة تقرأ، تقدّر العلم، تفهم الحقيقة القرآنية التي خاطبتْ العقول، والتي أكدت على أن يأخذ العقل دوره، وأردتْ ان يبتعد الإنسان عن أي حالات غرائزية وانفعالية لأن الأمم لا تبنى على هذا النحو.
نحن اليوم أمام تيارٍ يريد ان يحاكي الفراغ العقلي والفكري لدى أجيالنا ويملأها بالترهات التي يريدها من خلال خرافاتٍ تُنقل باسم الدين وباسم النص الديني. فالمنامات أصبحت تأخذ حيزاً واسعاً في واقع الجيل الناشئ، والميتافيزيقيا تأخذ أيضاً بُعداً أساسياً في الكثير من الحالات الثقافية في الواقع الشبابي.
كلّما تحدثتَ عن شيء، أرادوا السيطرة على منطقك العقلي بكلمة «واحدة»: ان هذا من الغيبيات التي لا يستطيع العقل الوصول الى كنهها. يريدون إسكاتك بهذه العبارة القمعية التي تربّوا عليها لأنهم ألغوا عقلهم عبرها ويريدون ان يستخدمون معك العصا نفسها التي استُخدمت معهم.
كل قابليات الإبداع المنطقية - التحليلية لدى الجيل الناشئ ألغوها وقالوا له إنك عاجز عن ان تفهم حتى سرّ الدين وسرّ الحياة وسرّ الوجود وسرّ شخصك، نحن أكثر قدرة منك على التماس مع الغيب، ونحن أكثر منك قدرة على الوصول الى الحقيقة لأننا أقرب منك الى الملكوت. لذا هم يقرأون عنه وهم يحللون وهم يُخرِجون النتيجة جاهزة ويقدّمونها له معلَّبة. وما عليه إلا أن يستهلكها ويجترَّها من دون أن يعيها او يتعقّلها.
• استوقفني قولكم ان «داعش» خرج من ثقافتنا وكتبنا... ما المظاهر «الداعشية» التي نعانيها؟ وهل من أمل في ظل طغيان هذا العقل على سواه؟
- انّ «داعش» خرج من ثقافتنا وكتبنا، هو حقيقة النص الموجود في بعض الكتب التي بين أيدينا اليوم، ويرفض أي أحد في كل المذاهب والطوائف ان يهذّب هذه الكتب وينقّيها ويُبعِد عنها كل ما دَخَل اليها نتيجة ظروفٍ حصلت في الماضي وسياساتٍ كانت موجودة لدى جهاتٍ دينية وغير دينية كان في مصلحتها ان تُحدِث نوعاً من التغيير يتناسب مع ما تريده لتحصّن مكانتها السياسية او السلطوية على حساب فكر الأمة ونقائه.
الكل يُجمِع على أن في بعض النصوص، اسرائيليات، لكن يرفض ان يُخرِج رواية واحدة منها. اليوم إذا عدنا الى المنطق الذي يتحدث به «داعش» نجد انه لم يأت به من مجهول، فالروايات والممارسات التي يعتمد عليها، كلها لها جذورٌ في التاريخ الاسلامي، ومردّ ذلك الى ان العلماء رفضوا عبر التاريخ تنقيتها بسبب حرصهم على البُعد المذهبي لخوفهم من المذاهب الأخرى. وهم اعتبروا انه في حال اعترافِ اي مذهبٍ من المذاهب أن في أدبياته الدينية ونصوصه توجد أشياء مشكوك بها او مكذوبة، فإن ذلك قد يعمِّم الشك على كل المذهب، ولذا خافوا من ان يصاب المذهب بنوعٍ من التشكيك ولو كان ذلك على حساب إصابة الدين بالتشكيك، فأبقوا ما هو فاسد ويَعْلمون بفساده وانه مكذوب، فقط من اجل تحصين المذهبية الصنمية لديهم وهو ما لا أستثني منه احداً، وليست هناك حالة او مذهب يمكن ان تستثنيه من هذه الحقيقة.
فحينما نَطلب في داخل مذهبنا أو من علماء المذهب الآخر ان نتحدث بشفافية ونقول لهم ان المشكلة ليست في ما يحصل بل المشكلة هي الأسباب التي أدت الى ما حصل، فتعالوا لننقّي بعض النصوص مما دخل عليها من شوائب، لأن ذلك يَمنع ايجاد حالات «داعشية» اليوم وفي المستقبل، ويَمنع هذا الانقسام المذهبي الموجود في ما بيننا ويقرّبنا بعضنا من بعض ويؤلف بيننا... فإن كلاً يبرّر لنفسه ان له ظروفه ولا يريد ان يتسبّب بتشكيك أتباع مذهبه بالمذهب عبر الحديث صراحةً عن وجود شوائب فيه، إلى جانب خوفهم على مكانتهم كرجال دين وليس كعلماء دين. هم حرصاء على موقعية رجل الدين لا عالِم الدين لأن العالِم لا يقبل بما هو مكذوب ومشوَّه ومنسوب، فالعلمية تقتضي التبرؤ من هذه النصوص. لكن عندما يتحوّل عالم الدين إلى رجل دين لارتباطه بالسلطة الدينية، يخشى اهتزاز موقعه القائم على تنزيه ما عنده وإفساد ما عند الآخر.
لا أدري أي مذهب يمكن أن يملك هذه الجرأة ليكون صادقاً مع نفسه ومع أتباعه، وان يقدّم مصلحة الدين على مذهبه... هذا الأمر يحتاج الى مخاضٍ عسير وتَجرُّدٍ وصفاءٍ روحي قد نصل اليه عندما توجد هذه الصفات في بعض العلماء الذين يملكون الجرأة.
• غالباً ما يجري الرد على منطق «داعش» بمنطقٍ مماثل... لماذا؟
- ثمة موضوعات فقهية شائكة تحتاج إلى إبداعٍ في الاجتهاد وشيء من الجرأة التي لا تخرج عن أسس النص الديني، لكن أقله ان نضعها أمام المحكمة العلمية التي تقول ان هذه الممارسات التي حصلت قديماً، هل حصلتْ في زمان ما، في واقعةٍ ما، ام انها كانت على نحو التشريع الدائم؟ هناك كثير من الأمور التي ربما حصلت في أزمنةٍ معينة كانت تتناسب مع أهل الزمان، والتشريعات حصلت في زمانها، وهناك تصرفات حصلتْ لزمانها، لكن هذا لا يعني انها تبقى مستمرة.
أقول دائماً إنه حينما سئل الإمام علي في «نهج البلاغة» عن الخضاب، الذي كان يأمر به النبي (صلعم)، علماً ان الزمن لم يكن طويلاً بين النبي (صلعم) والإمام علي (عليه السلام)، قال «اما كان والاسلام قل اما وقد ضرب في جيرانه فامرؤ وما اختار». كان واضحاً الإمام علي في ان النبي أمَرَ في فترة الضعف وقلة الناصر ووجود الجيش المعادي الكبير، باعتماد خطةٍ حكيمة من شأنها ان تقدّم أنصاره وجنوده كشباب، أي انه أَمَر أهل الشيب من جنوده بأن يتخضبوا، أي أن يخفوا الشيب حتى إذا نظر العدو الى جنوده اعتبر ان هؤلاء اولو قوة لأنهم شباب. الإمام علي قال إن ما أَمَر به النبي كان لزمنٍ معين، والآن الزمان اختلف بعدما ضرب الاسلام في جيرانه وانتشر وأصبح لديه هذا البأس وهذه القوة والجيش الكبير، وتالياً فلا داعي لان نخضب الشيب.
أنا أقول هذه صورة من صور إعطاء المساحة الكبيرة جداً للبُعد الاجتهادي، حتى في ما يتعلق بالعبيد والايماء والرق... هذا كان له زمانه، والاسلام عمل على إلغائه. لا يمكن ان نتحدّث اليوم بلغة الرق بعدما جاء الاسلام لإنهائه لدى الانسان والبشر، وأنا أقول إن كل ما في النص القرآني يقول «ولقد كرمنا بني آدم»، ولم يتحدث عن طبقة من بني آدم، بل تحدّث عن الجنس البشري... كيف نجد هذه العموميات القرآنية الواضحة ومن ثم نعيد الرق وباسم الدين الى واقعنا. فلذلك نقول ان الرق كان أمراً واقعاً في زمن النبي الذي لم يستطع ان يلغيه برمشة عين لكنه وضع سياسةً لإلغائه، سياسة خمسية او عشرية، كما يقولون اليوم، فكيف نقول إن ما مارسه النبي كان تشريعاً او تقريراً او موافقة؟! هو تَعامل معه التعامل الواقعي لإلغاء هذه الظاهرة التي يحتاج التخلص منها الى فترة من الزمن لأن الاقتصاد كان قائماً على تجارة الرق، لكن لا يمكن ان نأخذ من ذلك ان هناك رضى وتشريعاً ومقبولية، بدليل ان الإسلام لم يترك فرصة من الفرص في عملية المعاصي والذنوب التي تُمارَس على الانسان إلا وطلب منه ان يكفّر بعتق رقبة لأن السياسة الدينية كانت قائمة على الكفّ عن إذلال بني آدم لمصلحة «ولقد كرمنا بني آدم».
• اي ان المسألة الجوهرية هي إعمال العقل في النص الديني؟
- إعطاء مساحة للعقل لأن يأخذ النص الديني من دون الخروج عنه، مساحة تتناسب مع عموميات القرآن التي لا يمكن ان نلغيها على حساب حالة جزئية حصلتْ في زمنٍ ما.
• غالباً ما تركّز على مقارباتٍ أكثر انسانية مما هو سائد في الخطاب الديني حيال مسائل كالمرأة والحب والعلم والحرية والحوار والاعتراف بالآخر... من أين لك هذا؟
- لأني أعتقد أن كثيراً من هذه الأمور التي تتحدّث عنها هي في النص الديني شيء وفي التطبيق لدى المتديّنين شيء آخر. فالمسائل التي تتعلّق بحقوق المرأة او حقوق الطفل وحضانة الطفل وما شابه... هي مسائل لها بُعد إنساني - اجتماعي وتربوي ولا يمكن ان نقاربها بنظرةٍ قصيرة وصغيرة استناداً إلى نصٍّ هنا او هناك، او روايةٍ هنا ورواية هناك ونترك العموميات الإنسانية الكبرى التي تحدثتْ عن حقوق الإنسان في القرآن الكريم.
المشكلة اليوم حينما نأتي الى موضوع المرأة ونريد ان نقرأ الروايات التي تتحدّث عن واقعها، نجد انه يختلط في تلك الروايات الواقع الاجتماعي الذي كانت تعيشه المرأة قبل 1400 سنة والواقع الذي تعيشه اليوم. هل ما كان يحصل جاء به الدين ام انه عاداتٌ كانت قائمة ونتيجة ممارساتها التحقتْ بالاسلام؟ والاستمرار في تلك الممارسات أعطى نوعاً من الشرعية على العادات لكونها تُمارَس من مسلمين. وهناك كثير من هذه الاشياء.
في القرآن الكريم هناك تكريم للمرأة، أما في بعض الروايات تجد ان هناك تحقيراً لدور المرأة، فهنا انا نقدّم، نص القرآن الذي قال: «وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ» فجعلها قدوةً للرجال والنساء الذين آمنوا، على روايات نعتمدها كقانونٍ من أجل إلغاء دور المرأة في الحياة. من الطبيعي ان أقدّم نص القرآن الكريم الذي تحدّث عن بلقيس كامرأة قائدة ورائدة وباحترام ولم يدن الأمة (سبأ) التي كانت بلقيس ملكة عليها، ولم نجد في النص القرآني أي إدانة لموقعيتها كملكة، بل بالعكس تحدّث عن رجاحة عقلها على كثيرٍ ممَّن كانت تستشيرهم من الرجال واعتبر انها كانت تتمتع بحصافة ورجاحة في العقل حيث كانت رؤيتها في التعاطي مع النبي سليمان حكيمة ومنطقية ومهذّبة ومحترَمة ومقدّرة، خلافاً للذين دعوها الى ممارسة بأسها على النبي سليمان ومواجهته بالقوة.
القرآن يقول «خلقناكم من ذكر وانثى...» ويتحدّث عن «المؤمنين والمؤمنات»، ولذا لا يمكن التعاطي مع المرأة بدونية باسم الدين انطلاقاً من بعض الروايات التي كانت تحاكي بيئةً اجتماعية ما، وتقديمها على النصوص العامة في القرآن الكريم، واعتبار المرأة، تبعاً لذلك، أنها أقلّ شأناً وأقلّ قُدْرة عقلية.
نجد اليوم على المستوى العلمي ان نسبة المتعلّمات من النساء ربما تفوق بكثير نسبة المتعلمين من الرجل، ونسبة الاختصاصات التي تبدع فيها المرأة اليوم ربما تضاهي ما يبدع فيه الرجال. يكفي هذا الواقع لنقول إن الذي خلق المرأة هو الذي خلق الذكر، والله الذي خلقها كان يعلم أنها ستصل الى هذا البُعد من الطاقة الفكرية والعلمية، والتي ستقدِّم عبرها خدماتٍ للانسانية جمعاء قد يعجز الكثير من الرجال عن تقديمها.
كيف يمكن أمام هذا النص القرآني الواضح في تكريم المرأة بعقلها ومكانتها وبموقفها وثباتها، وتقديمها كإنسانة محترفة ومقدَّرة كما الرجال، وأمام ما بلغتْه من مستويات عليا في العلم والإبداع والانتاجية، ان أقدّم خطاباً دينياً تحقيرياً للمرأة، أفلا أكون بذلك أسيء للقرآن ولمضامينة العلمية وأسيء لهذا الكيان البشري الذي لم نجد نصاً قرآنياً يسيء اليه او يضعه في مصاف المتخلف العقلي كما تحاول بعض الروايات تقديم المرأة؟
أعتقد أننا إذا اردنا ان نقدّم الدين بهذه الطريقة، كأننا نريد القول لنصف العالم الذي تشكله المرأة ان الدين الاسلامي يجب الا يكون مقدَّراً عندكِ، والا يكون البلسم او الضالة التي تسعين لتحقيق ذاتكِ من خلالها... لا، أنا أعتقد ان الدين أعطى المرأة كامل حقّها الانساني لتكون كائناً محترماً ومبدعاً ومنتجاً ومكرَّماً، وأي نص آخر في روايةٍ ما جاءت لتتحدّث عن عدم صلاحية المرأة، وأنها في مستوى متخلف عن الرجل عقلياً او ينظر اليها باحتقار او انها كيان من الدرجة الثانية على مستوى الخلقة والبشرية... أنا لا أتفاعل مع هكذا نصّ لانه لا ينسجم مع العموميات القرآنية.
• لماذا تُشنّ عليك الحرب أحياناً... هل لأنك تكسر الصورة النمطية لرجل الدين ام لأنك تجرؤ على مخالفة السائد في الفكر والسياسية؟
- شُنت عليّ الحرب لأنني أفكر ولأنه مرفوض ان أفكر. المفروض كما يعتقد البعض ان هناك مّن فكّر من العلماء والجهابذة ووصلوا الى نتائج على مستوى فهم القضايا الدينية، فكيف تجرؤ على مخالفة هذا الكمّ من العلماء القدماء المقدّسين؟
حينما نقول إن لكل انسان عقلاً، وعلى الانسان ان يكون حجّة على نفسه، وان ما وصل اليه فكر الآخر ليس حجة عليّ انما حجة عليه هو، وانه كما هو عنده قُدْرة إبداع انا عندي قُدْرة إبداع... ربما يُتهم صاحب هذه المقولة بالغرور. انا أتعامل مع ما وصل إليه العلماء السابقين في كثير من أمورهم على انه أمرٌ إبداعي وجليل ومحترم. ولكن عندما أقرأ هذا النص لا أقرأه من موقع الطاعة العمياء تحت هيبة القداسة، إنما كإنسان يتعلّم من تجاربهم في طريقة التفكير، كيف يمكن ان يسلك نفس منهج تفكيرهم ويمكن ان يبدع ليزيد على ما وصلوا إليه، اذ ربما الوسائل التي بين أيدينا لم تكن بين أيديهم، والإمكانات المتوافرة لنا اليوم لم تكن متوافرة لديهم. على الاقل إن لم نرد ان نقول إن لدينا عقولاً تملك ثقافة فيها شيء من التطور عن الماضين، فلدينا بالتأكيد وسائل متطورة أكثر من تلك التي كانت متوافرة لهم. ألا يكفي ذلك كي لا نرضى بكل ما وصلوا إليه وأن نعمل على ان نكمل الدرب لنصل الى أكثر مما بلغوه؟
هذا الأمر وبكل أسف مرفوض من آخرين، ويعتبرونه نوعاً من التجرؤ على العلماء. وأهمّ من ذلك نحن في زمن السطوة السياسية على علماء الدين، فلم يعد مسموحاً ان يكون لعالم الدين استقلالية، لا في طريقة التفكير، ولا في طريقة التعبير عن رأيه، او في تحليل الأمور. المطلوب اليوم أن تكون مطيعاً. وإذا رفضتَ ان تكون مدجَّناً وحاولتَ ان تفكر لنفسك، لوحدك، وبطريقة مستقلة، ربما وصلتَ الى نتائج لا تنسجم مع ما وصلوا اليه. المطلوب الا تأخذ موقعاً او حيزاً في الواقع الاجتماعي الذي يعتبرونه ملكاً خاصاً بهم وألا تكون لك قدرة على التأثير في أوساط المجتمع الذي هو مجتمع يملكون حقاً حصرياً في السطوة عليه، وألا تكون لك فرصة للتفاعل مع جيل الشباب الناشئ الذي يهوى المنطق العلمي على المنطق الخرافي الذي أسروه به. ولأنه لا سبيل لمواجهتك على طريقة الحجة بالحجة والدليل بالدليل والنقاش بالنقاش... السبيل الوحيد أمامهم تشويه صورتك. فكما كانوا يسيئون لفظاً إلى النبي الكريم (الذي نحن لا نساوي بالنسبة اليه شيئاً)، ليُسقِطوا مقامه أمام أهله وناسه... فالآن من أسهل الأمور إسقاط عالم الدين معنوياً بتوجيه اتهاماتٍ باطلة له لإبعاد الناس عنه، لأنهم هم أجبن وأقلّ من ان يشككوا في علميته وقدرته الفكرية، وتالياً السبيل الوحيد هو ان يشككوا في دينه وسلوكه وخلفيته.
• مع مظاهر الفتنة التي لم تعد نائمة بين المسلمين، لمصلحة مَن تحويل أهل البيت وسيلة للتفرقة؟
- لمصلحة مَن هم ضد الإسلام... الذين يستفيدون من جعل أهل البيت او القرآن او الصحابة او النبي وسائل للتفرقة، فهم أعداء الدين. وهناك خدمة لأعداء الدين بالمجان نتيجة الجهل والعصبيات التي لا تنمّ عن اي وعي أو فهْم لما يريده الدين، ونتيجة تقديم المصلحة المذهبية على حساب مصلحة الدين وتحويل المذهب صنماً يُعبد من دون الله، ولانهم يريدون جعل الدين في خدمة المذهب لا المذهب في خدمة الدين... كل هؤلاء يعتبرون ان تقديم كل رمز من الرموز التي ينتمون اليها بطريقةٍ عصبية وغرائزية يخدم مصالحهم ومواقعهم ويكون على حساب مَن يتسترون به، لان أكثر مَن يسيئون لأهل البيت اليوم هم الذين يقدّمون أهل البيت بطريقة خلافية. وأكثر مَن يسيء الى الصحابة هم مَن يقدّمون الصحابة بطريقة خلافية. أكثر الذين يقدّمون هذه الرموز لتكون سبباً للخلاف هم مَن يسيء للدين ولما أراده النبي الذي حرص على وحدة المسلمين... كل هؤلاء الذين نختلف عليهم اليوم كانوا حول النبي ومعه وبقربه وكانوا أقرباءه وأنسباءه وأصهاره، وهو ما يجعلني أقول إن أيّ إساءة لهؤلاء إساءةٌ للنبي لاننا نتّهم النبي بوعيه وحكمته كونه قرّب مَن كان ينبغي أن يبعده، مع انه معاذ الله ان يكون النبي في هذه المكانة. نحن يجب ان نتّهم أنفسنا لان جهْلنا وتَخلُّفنا هو الذي جعلَنا ننظر الى هذه القضايا بهذه الطريقة.
أهل البيت لم يكونوا يوماً سبيلاً للتفرقة. وإنما الذين جعلوا من أهل البيت دكاناً لمكاسب رخيصة جداً أرادوا ان يصغّروا مكانة أهل البيت وأن يحجّموها من خلال هذا المنطق الذي يقدّمونهم به.
أعتقد ان اليوم هناك نسبة كبيرة من الذين يعتلون المنابر على أساس أنهم يريدون تقديم أهل البيت الى العالم، وهؤلاء يقدّمونهم بطريقة مشوّهة ويؤخّرون الناس عن أهل البيت بسبب خطابهم. لو كنا نملك ثقافة أهل البيت ووعيهم وحلمهم وأخلاقهم، كان ينبغي ان تكون مساحة أهل البيت على مستوى العالم الإسلامي والإنساني، لان بُعدهم الفكري إنساني وليس بُعد لجماعة خاصة من الناس، لأنهم مدرسة النبي وخط النبي. نحن اليوم كمسلمين مقصّرون لأننا لم نقدم النبي للإنسانية إنما قدّمناه لجماعة المسلمين فقط، وبصورةٍ مشوّهة في بعض الحالات، وكذلك قدّمنا القرآن للمسلمين بصورةٍ مشوّهة قبل ان نقدّمه للإنسانية. لم نحفّز البشر، الإنسان عبر طريقة تقديمنا للنبي وللقرآن كي يكون لديه فضول للتعرّف على القرآن وعلى النبي. بالعكس قدّمنا القرآن والنبي بطريقة تؤدي الى النفور الذي يفوّت فرصة اطلاع الآخرين على حقيقة القرآن وسيرة النبي.
أعتقد أننا أمة أساءت لرموزها ولكتابها.
• رغم إلحاح مرجعيات شيعية كالإمام محمد مهدي شمس الدين والعلامة المرجع محمد حسين فضل الله على عدم تحول الشيعة كيانات في أوطانهم، نجح التيار المعاكس بدليل ما يحدث في دول المنطقة، لمصلحة مَن هذا الجنوح؟
- حين اتّخذ المنحى الشيعي فهْم التشيع على انه مذهب يتطلّع الى تحقيق دولة، من الطبيعي جداً ان تتحقق هذه الإفرازات التي تتحدّث عنها. تاريخياً لم يكن التشيّع إلا مدرسة في الفكر الاسلامي تعمل على أساس ان تعيش فكرها وتُقدِّم اجتهادها بطريقة بعيدة عن المنحى السياسي، ولم تكن في يوم من الأيام هادفة لتحقيق دولة او للحصول على السلطة، إلى أن جاء زمن ولاية الفقيه، حينما بلْوروا هذه النظرية الفقهية التي كانت موجودة في طيات الكتب ولم تكن موجودة في هذا الشكل، وتحققتْ جمهورية اسلامية في إيران، فأخذ الفكر الشيعي منحى آخر في طريقة التفكير وفي تقديم التشيع كحالة ممهِّدة لظهور الإمام المهدي، وفهم التمهيد هو تحقيق الدول المسانِدة والمؤيّدة والداعمة كنوعٍ من تحقيق القوة التي تتحضّر لاستقبال الإمام.
هذه الذهنية لاقت رواجاً في أوساط كثير من الناس لانها تحقق رغباتهم الحماسية والغرائزية التي ربما تكون موجودة لدى أي شعب من الشعوب وهي الحلم في تحقيق القوة والسلطة. وساهَم «اضطهاد» بعض الحكومات للأقليات في دولها وحرمانهم من حقوق المواطنة التي ربما يتساوى فيها الشيعي مع غير الشيعي في هذه البلاد، في تشكيل أرضية جاهزة لان يأتي الفكر الآخر ليحاكي بعض آلام هؤلاء ويضرب على وتر حرمانهم.
نحن نقول إن هذا الأمر لم يكن ينبغي ان يصل الى ما وصل اليه، لأنه إلى اليوم في المدرسة الفقهية الشيعية، فإن غالبية فقهائها ما زالوا يميلون إلى عدم الموافقة على نظرية ولاية الفقيه ويعتبرون ان التشيع مدرسة فكرية في الاسلام، له أدبياته واجتهاداته، يريد ان يتحاور بها مع الآخر بطريقة سلمية، لا طمع له في السلطة وليس هدفه تحقيق السلطة. لكن بطبيعة الحال، هذه المرجعيات لم يعد بيديها إمكانات دولة يملكها الطرف الاخر، فأصبحت الأمور تأخذ بُعدين: البَعد التقليدي الذي تمثّله اليوم حوزة النجف، والبُعد الذي يجسّده نمط ولاية الفقيه في قم في إيران. الامكانات المتوافرة للبُعد الثاني أكثر بكثير من الامكانات المتوافرة للبُعد التقليدي، ما دفع بعض الشرائح الشيعية في مختلف المنطقة العربية والإسلامية إلى أن تلجأ الى حضن الدولة التي أصبحت تشكل رمزية ونوعاً من الملجأ ونوعاً من القوة التي تعتمد عليها لتحقيق بعض مصالحها ومكتسباتها، وهو ما جعل هذا التيار يَبرز أكثر من التيار الآخر.
أعتقد انه ليس من مصلحة الشيعة خارج الجمهورية الاسلامية في إيران ان يعيشوا النمط الفكري ومحاكاة السلطة كما الشيعة في إيران، لان لكل بلد ظروفه الخاصة وحريته في اختيار ما يريد. إذا كان الشعب الإيراني اختار منهج ولاية الفقيه عن طريق المؤسسات الدستورية والانتخابات الحرّة فله الحق في ان يختار ما يشاء، ولكن لا يمكن أن نعتبر أن المواطن الشيعي في أي دولة عربية يمكنه ان يكون كالشعب الإيراني، وهو في وطنه. اللبناني هو لبناني شيعي، والكويتي هو كويتي شيعي، فلا يمكن ان يتخلى الإنسان عن بُعده الوطني لمصلحة الانتماء الديني، لأن في ذلك إساءة للانتماء الديني. يجب ان يُقدِّم الشيعي في وطنه نموذج المواطن الصالح الذي يتقيّد بمؤسسات الدولة ونظامها، والا يخالف أي نوع من أنواع هذا النظام، وأن يسعى بالأساليب الديموقراطية الى تحصيل حقوقه المدنية ليكون متساوٍ مع أي مواطن آخر في بلده، وهذا أمرٌ مشروع بالنسبة اليه ولكن هذا لا يكون على حساب مواطنيته ولا على حساب انتمائه لوطنه، ولا يمكن ان يعتمد لتحصيل حقوقه على أيّ قوة من خارج وطنه، لأن ذلك يتنافى مع أبسط واجبات المواطن في وطنه.
نحن نقول إن مَن أراد ان يلتزم بنظام دولة أخرى وينتمي إليها سياسياً وفكرياً فليُقِم فيها وليمارس حقه في ان يكون جزءاً من هذه الدولة. أما ان يكون في دولته ويريد ان يعيش على قاعدة الالتزام بأوامر وإرشادات وتوجيهات دولة أخرى، فهذا مخالف للمواطَنة الصالحة وحتى للدين، لأنه في فتوى علمائنا ومراجعنا الكبار لا يجوز مخالفة النظام للدولة التي ينتمي اليها حتى ولو على مستوى مخالفة إشارة المرور، فكيف بمخالفتها في أمور أخرى قد تأخذ البُعد الأمني أو السياسي أو ما شابه.
من هنا أعود وأكرر ما كان يقوله الإمام شمس الدين والسيد فضل الله عن ان مصلحة الشيعة هي في أن يكونوا مواطنين صالحين في بلدانهم وأن يندمجوا في مجتمعاتهم لهم ما لها وعليهم ما عليها، وان يعملوا بالأساليب الديموقراطية والمؤسساتية للحصول على كامل حقوقهم إن حصل إجحافٌ، وهذا حق مشروع لهم، لكن دون محاكاة لأي نوع من أنواع الممارسات لدول أخرى.
• أيّ دلالة حملها منْع كتب المرجع العلامة السيد فضل الله في أحد المعارض في النجف؟
- أعتقد ان لا العراق ولا النجف يقبلان بما حصل من بعض أشخاص لهم مسؤوليات في أمكنة معينة ولديهم مآرب قد تكون ضيّقة وشخصية لجأوا الى هذا النوع من الإجراءات. أعتقد انه لو كان لديهم شيء من الفطنة، حتى لو كانوا لا يميلون الى فكر السيد فضل الله، ما كان ينبغي ان يفعلوا ما فعلوه لأن هذا الأمر مخالف لحقوق الانسان والحريات، وخصوصاً ان هؤلاء أكثر مَن يعترض ويدين دولاً أخرى لانها تمارس هذا النوع من الاساليب كأن تمنع كتب الفكر الشيعي أن يصل اليها عبر مَعارضها. فكيف تمارسون ما تدينون به الآخر؟ إضافة إلى أننا في زمن الانترنت اليوم والكتاب أصبح موجوداً ومتوافراً على صفحات الشبكة العنكبوتية. ولذا أعتقد انه من حيث لا يشعرون ساهموا في تسويق كتب السيد فضل الله. وقال لي أحدهم إن الاقبال على كتب السيد فضل الله بعد هذا الإجراء صار أكثر بكثير عما كان عليه قبل الإجراء.
هذا نوع من التخلف بكل ما للكلمة من معنى، ومن أي شخص صدَر، في النجف او في هذه الدولة او تلك... أيعقل اننا ما زلنا نخاف من الكلمة والقلم والكتاب؟
• كانت لكم تجارب في تشكيل أطر علمائية لإظهار الحرص على الانفتاح والتوافقية والحوار، لماذا أُحبطت؟
- أردْنا شيئاً وفهموا شيئاً آخر. أردنا ان نجمع العلماء غير المنتسبين إلى الأحزاب وإلى التيارات السياسية وهم كثر، وحاولنا ان نأخذ دوراً، ليس في مواجهة أحد، إنما له صوت آخر مختلف عن الأصوات القائمة التي تحكمها طبيعة وجودها كجزءٍ من الأحزاب السياسية، وأن نقول إننا لسنا حزباً سياسياً ولا ننتمي لأحد وأننا نملك الحرية في أن نُطلِق الخطاب المعتدل والمتوازن ونتواصل مع شرائح ربما لا تستطيع الفئات الشيعية الأخرى التواصل معها، لكن هذه الحركة فُهمت على أنها شيء مقابل للكيانات الشيعية القائمة.
نحن كان هدفنا الإصلاح، وعندما شعرنا بأن وجود هذا الكيان يسبّب مشكلة او فتنة او ما شابه، اعتبرنا ان المرحلة لا تسمح اليوم فأجّلنا هذا المشروع ولم نُلْغه في شكل كامل. ما زلنا نلتقي كأفراد بين فترة وأخرى من دون عنوان، ونقوم كلٌّ بحسب قدراته وإمكاناته، بالعمل من أجل إبقاء صوت آخر معتدل منفتح مُحاوِر، لا تحكمه ضغوط سياسية ولا وضع إقليمي ولا أي حسابات أخرى. وحينما نجد أن الظروف نضجت، لا نتردد في تحويل هذه الشخصيات مؤسسة او كياناً. وإذا تم ترتيب المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى على نحو إصلاحي، فلا مانع من ان ننضوي تحت لوائه. نحن ليست عندنا طموحات شخصية بقدر ما نريد أن يكون هناك كيان ومؤسسة تحاول أن تقول لكل العالم إن الصوت الشيعي المعتدل ما زال موجوداً وحاضراً وبإمكانكم ان تحاوروه وتلتقوا معه وأن تتناقشوا، ويمكن أن يقدّم صورة مختلفة أكثر قدرة على الحوار مع الآخر.
(الراي)