بعد عشر سنوات على وقوع الجريمة على طريق مزرعة كفرذبيان، أماط القضاء اللبناني اللثام عن الحادث، الذي نتج عنه وفاة امرأة وإصابة زوجها بجروح. وعلى رغم الغموض الذي أحاط ظروف الجريمة، ثارت الشكوك حول تصرّفات الزوج بعد التناقض الواضح في اقواله، حيث أفاد أنّه خلال قيادته السيارة فوجئ بشخص يقف في أسفل الوادي إلى جانب سيارة "غولف" سوداء اللون ويشير إليه بالتوقف، ثمّ سأله عن "كلاب بطاريّة" ليشهر بوجهه فوراً مسدساً حربيّاً أخذ يُطلق النار منه وهو يطلب إعطاءه ما لديه من مال.
مزاعم الزوج "ط.خ" بقيت من دون دليل خاصة بعدما تبيّن أنّ هناك خلافات حادّة بينه وبين زوجته المجني عليها "أ"، نجمت بشكل كبير عن قلّة المال وبشكل خاص عن شك الزوجة بإخلاص زوجها وبسلوكه، بعدما أصبح يخرج ليلاً مع أحد الأشخاص المعروفين بسوابقه، وطلبها منه أن يقطع علاقته به، إلّا أن شريكها رفض ذلك، فتفاقمت الخلافات ووصلت إلى حدّ إتخاذ "أ" قراراً بالطلاق قبل أسبوعين من الحادث.
والد المغدورة أكّد أنّ صهره سبق له أن هدّد ابنته "أ" بالقتل عدّة مرات وكان يقوم بضربها بشكلٍ مستمر. وأجمعت إفادات الشهود على وجود خلافات بين الزوجين وأنّ المجني عليها كانت تخبرهم أنّ زوجها يخونها مع نساء أخريات، وهذا ما أكّدته صديقة "أ" التي أشارت إلى أنّ هناك مشاكل كثيرة كانت تحدث بين الطرفين خاصة بعد عثور الزوجة على شك مصرفي، مخبّأ داخل الملابس الداخليّة في خزانة زوجها، منظّم لمصلحته من إحدى السيّدات التي كان "ط.خ" يتولّى تدريب أولادها السباحة. وكشفت الصديقة أنّ المغدورة اتصلت بها ليلة الجريمة لتطلب منها موافاتها إلى أحد المطاعم للعشاء وشرب النرجيلة حيث ستكون برفقة زوجها، فاعتذرت منها لتأخّر الوقت.
وأفاد أحد أصدقاء المتهم أنّه ليلة الحادث، بعيد منتصف الليل، إتّصل به "ط" ليبلغه بوجوده في المستشفى نتيجة تعرّضه لإطلاق نار طالباً منه مساعدته باعتبار أنّ لديه معارف في قوى الأمن، من دون أن يُبلغه أنّ زوجته قد أصيبت أيضا. فيما أكّد صاحب المطعم الذي قصده الزوجان في فقرا (قبل الحادث) أنّ المتهم حضر وزوجته ولم يمكثا أكثر من 20 دقيقة ، وقد أخذ "ط.خ" يُلحّ على زوجته بالمغادرة متذرّعاً بأنّ ابنتهما موجودة في منزل والدته، موضحاً أن إتّصالاً هاتفيّاً ورد على هاتف "الزبون" فابتعد لدقائق عن الطاولة ثمّ عاد ليلح على طلب الذهاب.
وجرت مواجهة الزوج بواقعة أنّ الفاعل لم يرتكب أيّ سرقة بدليل العثور على المال في جيبه وكذلك في حقيبة زوجته إضافة إلى هواتفهما الخلويّة، فأبدى اعتقاده أنّ نية الفاعل ربما لم تكن السلب. وأنكر المتهم أن يكون قد قتل زوجته وأعطى أوصاف الشخص الذي صادفه على الطريق وقام بإطلاق النار عليهما بعدما ضربه وأغمي عليه.
وركّزت حيثيات الحكم على النقاط التالية:
. مزاعم الزوج بأنّ علاقته كانت جيّدة مع زوجته، دحضتها إفادات الشهود الذين أكدوا على وجود خلافات بينهما تخلّلتها أعمال ضرب وتهديد بالقتل وأشاروا إلى وجود علاقات جنسيّة للمتهم خارج إطار الزواج.
. على خلاف ما صرّح به المتهم، ثبت للمحكمة حيازته لأسلحة حربيّة من أنواع مختلفة يجيد استعمالها.
. خلافاً لإتفاقه مع زوجته على تناول طعام العشاء في فقرا تلك الليلة، إستعجل الزوج العودة من دون أن يكون هناك ضرورة لذلك خاصة بعدما أبدت المغدورة رغبة في البقاء.
. سلوك المتهم طريق فرعية إلى وادي كفرذبيان غير تلك التي يسلكها عادة.
. سرده لروايات مختلفة وغير متطابقة حول الحادث.
. عدم وجود تفسير واضح لقيام "القاتل المزعوم" بقتل الزوجة والإكتفاء بإيذائه بإطلاق النار عليه في مكان غير خطر من جسمه.
. عدم إستعلام الزوج من أوّل الواصلين إلى مكان الجريمة عن حال زوجته الموجودة داخل السيّارة وعدم الطلب من عناصر الدفاع المدني الإطلاع على حالها وبضرورة نقلها إلى المستشفى بل صار يصرخ "آخ يا رجلي.. خدوني عالمستشفى" وكأنّه يعلم تمام العلم بما حلّ بها.
وخلصت محكمة الجنايات في جبل لبنان برئاسة القاضي هنري الخوري، إلى قناعة بأنّ المتهم حاول تضليل الحقيقة وإخفاء النهاية المأسوية التي حضّرها لزوجته إثر الخلافات الحادّة بينهما، مستعيناً بشخص أو أكثر أخفوا له الأدلّة الجرمية التي ارتكب بموجبها جريمة القتل وكذلك المظاريف الفارغة التي أطلقت، ما يدلّ على انّ العملية كانت مدبّرة، وتدلّ على استدراج زوجته لمرافقته إلى فقرا من خلال تخطيط مسبق أعدّ له برويّة وهدوء من أجل قتل زوجته وإزهاق روحها بإطلاق النار عليها من سلاح حربي.
وفي الخلاصة أنزلت المحكمة عقوبة الأشغال الشاقّة المؤبّدة بالمتهم "ط.خ" وألزمته بأن يدفع للجهة المدعية مبلغ 170 مليون ليرة.