فتحت استعادة قضاء الحضر بجنوب مدينة الموصل بعملية عسكرية خاطفة لقوات الحشد الشعبي لم تستغرق أكثر من ثمان وأربعين ساعة الطريق أمام الميليشيات الشيعية التي تمثّل المكوّن الأساسي للحشد للتقدّم غربا باتجاه الحدود مع سوريا، تلك المنطقة التي يتوقّع أن تجعل منها أهميتُها الاستراتيجية مدارَ صراع شرس بين إيران والولايات المتحدة، في المرحلة الأخيرة من الحرب ضدّ داعش استعدادا لما بعد تلك الحرب.
وقال القيادي في الحشد الشعبي جواد الطليباوي إنّ منطقتي البعاج والقيروان الواقعتين إلى الغرب من قضاء الحضر ستكونان الوجهة القادمة للحشد بهدف تأمين الحدود العراقية مع سوريا.
ويرى محللّو الشؤون العسكرية أنّ تركيز الحشد المدعوم من إيران لجهده الحربي خلال معركة الموصل في مناطق غرب المدينة باتجاه الحدود مع سوريا، كان خيارا استراتيجيا إيرانيا هادفا لضمان موطئ قدم في المناطق الغربية للعراق ومنافسة الولايات المتحدة التي لم تخف اهتمامها بمناطق الربط بين المجال العراقي وجواره سواء السوري أو الأردني، وقد شرعت بالفعل في تركيز وجود عسكري لها بتلك المناطق، انطلاقا من معارك استعادة غرب الأنبار التي بدأت بالفعل بمشاركة أميركية فاعلة.
ويبدو شرق سوريا وغرب العراق بما يميزهما من امتدادات صحراوية شاسعة ومن كثافة سكانية منخفضة أفضل موضع لتنفيذ توجّه الإدارة الأميركية الجديدة نحو إعادة الدور العسكري للولايات المتحدة في المنطقة والذي تراجع بعد سحب القوات الأميركية من العراق سنة 2011، وهو ما انتقده الرئيس دونالد ترامب علانية.
وكانت الحرب التي تفجّرت بعد سيطرة تنظيم داعش على ما يقارب ثلث مساحة العراق أواسط سنة 2014، قد فتحت الباب لتواجد عسكري إيراني في العراق بالوكالة عن طريق جيش رديف يتكوّن من أكثر من مئة ألف من المقاتلين الشيعة المرتبطين بإيران عقائديا وماليا وتنظيميا، والذين استطاعوا أن يملأوا الفراغ الذي خلّفه انهيار القوات العراقية أمام زحف داعش بشكل مفاجئ.
وضمن الحشد وجودا لإيران بالوكالة في مناطق سنية عراقية تقع بمحافظات ديالى وصلاح الدين والأنبار حيث لا تزال قوات الحشد تشارك في مسك الأرض التي كانت قد شاركت بفاعلية في استعادتها من تنظيم داعش.
وقُبيل انطلاق معركة الموصل التي تعتبر معركة الحسم ضدّ التنظيم، في أكتوبر الماضي، خاض قادة الحشد الشعبي، ومن خلفهم إيران معركة سياسية كبرى لضمان مشاركة الميليشيات الشيعية في تلك المعركة مع ظهور اعتراضات شديدة من سكان محافظة نينوى ذات الغالبية السنية على دخول الميليشيات الشيعية مناطقهم مخافة التعرّض لعمليات انتقام طائفي سبق أن مارستها تلك الميليشيات ضدّ سكان مناطق أخرى ساهمت في استعادتها من تنظيم داعش.
وكحلّ وسط تمّ توجيه الحشد للقتال في خطوط خلفية بعيدة عن مركز مدينة الموصل على المحور الغربي ومن ضمنه قضاء تلعفر، وكان حلاّ مجزيا لإيران الراغبة في استخدام الحشد في مراقبة الطريق نحو سوريا حيث نظام بشار الأسد المتحالف معها.
وبدأت الولايات المتحدة تدخل على خطّ التواجد بغرب العراق بشكل متزايد رغبة في التحكّم بالحرب على داعش على طرفي الحدود؛ في الجانب السوري حيث أوجدت لها قاعدتين عسكريتين على الأقل في كل من عين العرب والحسكة، وفي الجانب العراقي، حيث رفعت عدد قواتها في عدّة قواعد من بينها القيارة وعين الأسد.
وتمثّل السيطرة على الامتدادات الصحراوية الشاسعة بغرب العراق عن طريق جيوش برّية معضلة حقيقية، بينما يلعب سلاح الطيران والرقابة عبر الأقمار الصناعية دورا حاسما، الأمر الذي يجعل ميزان القوى في معركة التحكّم بالمناطق الغربية العراقية يميل لمصلحة الولايات المتحدة على حساب إيران.
ووفرت إدارة ترامب الغطاء السياسي لعودة قواتها إلى العراق، بإعلانها قبل أيام منح وزارة الدفاع حق اتخاذ القرار بشأن عدد القوات التي تقتضي الحاجة نشرها في سوريا والعراق.