لقد حكى الحكاة وروى الرواة وأجمعوا بأنَّ أول من أطال لحيته على طريقة الحالمين بالجنة هو هارون بن شارون أخ النبي موسى (ع)، لقوله تعالى: "يا ابن أُمِّ لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي"، الحديث عن اللحية سواء ما قبل الميلاد أم ما بعده، هي عبارة عن بساط من نسيج، والمؤرخون الذين يتحدثون عن اللحية وأنواعها وخصائصها وأساميها، وهم أعلم بتاريخها وتاريخ سكان الأرض الذين كانوا يحيكون من صوف الماعز لحى مزرية ويشركونها إلى لحاهم بقصد التباهي والتفاخر، وانتشرت اللحى ـ كما يقولون ـ إنتشار الكالسيوم في العظام، وتعرَّف عليها القاصي والداني، وأطالها اليهودي والنصراني، فالبعض يقسمها إلى ضفائر وضفيرتين، ومنهم إلى لحيتين، ومنهم من يهمل العارضين ويطيل الذقن، إلى أن جاء الإسلام وقال: "اعفوا اللحى وحفُّوا الشوارب"، وقد اختلف الفقهاء حول معنى الإحفاء، فمنهم من قال يحفي الشارب بالكامل ومنهم من قال يأخذ من ناحية الفم لا غير، وعلى كل حال الخلاف في الأفكار والأسماء والألوان ولكن تبقى اللحية واحدة.. نلاحظ كأن الدِّين لا يستقيم من دون لحية، فهي بالنسبة لرجل الدين أو للمتخصص بالدين كالفسيفساء من عالم الفن، هذه حقيقة، لا يمكن أن يكون مفتياً من دون لحية أو حارساً للدين من دون لحية، فهذا أمر لا يستقيم إلاَّ بها، وإلاَّ يكون غريباً عن تلك العادة...
إقرأ أيضًا: حوار بين آيتي السيف والسلام
من هنا قسَّم المؤرخون اللحية إلى أقسام: نستعرض بعضاً منها، ـ لربما نستعرض الكل في كتاباتٍ أخرى ـ فعرَّفوا لحية الشبعان وخصوصاً إذا كان مفتياً، يكون صاحبها عادة ذا عين عوراء وأسنان صفراء، أو عيون متعبة فيها دلالة على أنه قد زهد في الدنيا وشبع من الحياة وأتخم من توزيع العلم والطب والأخلاق على الحكام والسلاطين ولكل فتوى ثمنها الخاص ـ ربما يكون الثمن أخروياً ـ حسن نية من عندياتنا، وأما عن شكلها فقالوا: عادة تكون بيضاء ذات شعيرات متشابكة ملتفة من أثر السنين، والخوف من نار تكويها.. وأما لحية التعبان فعرَّفوها ـ وعلى ذمتهم ـ وخصوصاً إذا كان حارساً للدين، فهي عادة يكون صاحبها قد تعب من الفرِّ والكرِّ والهروب والإختباء، ويكون صاحبها قد تعلَّم الزهد عندما يبلغ عتياً، وأما عن شكلها فقالوا: هي متعددة الألوان بين سواد الشباب وبياض الشيب وحمرة الحناء، وقد التصقت ببعضها البعض، ولا بأس بطولها، وإن كان من المقتدين بالأثر المروي فيكون طولها قبضة اليد من دون أن يتكسر.. نعم هذا ما رواه الرواة منذ سالف الأزمان، لأن المهنة والوظيفة وخدمة الدين والأمة لا تستقيم حالها ولا يتحسَّن أحوالها إلاَّ بها، وإلاَّ يكون المجتمع والأمة في ضياع عن دينها وتعاليمها.