الاستراتيجية الاميركية التي اتخذت لنفسها في عهد الرئيس الاميركي الاسبق "باراك اوباما" سياسة "الظل" تجاه الملفات المتأزمة في الشرق الاوسط والتي كانت تكتفي بالاشارة فقط الى مكامكن المشكلة مورابة، متجنبة الابتعاد بخطواتها نحو اي مواجهة مباشرة سيما تجاه ايران، من باب صون الاتفاق النووي وصون الود مع عرابه الروسي، مما افقد صورتها بريقها كقوى عظمى قادرة على تحريك دول المنطقة الى صفها نظرا لغياب المشروع القادر على رص متين لصفوف المواجهة نصرة لهذا المشروع، فشكل توجيه البوصلة نحو مواجهة الارهاب بالدرجة الاولى عنوانا باهتاً لا خلاف حوله بين كل القوى بما فيها الاضداد، على ضرورة العمل لمكافحته، الى درجة ان فتح ذلك باب المزاد واسعا امام تلك القوى التي وصلت سهام بعضها تجاه بعضها الآخر الى التشكيك بحلفاء واشنطن خاصة المملكة العربية السعودية بدعمها لهذا الارهاب دون ان يرف لها جفن .
اليوم مع بداية الادارة الاميركية عهدها الجديد برئاسة "دونالد ترامب" يبدو ان واشنطن امسكت بخيط النجاة السحري، وعاد عنوان مواجهة ايران وحليفها حزب الله،يتصدر اولوياتها ويعتبر مشروع مرحلتها المقبلة في المنطقة، والذي يمكن لها من خلاله ان تحصد اكبر تأييد عربي ودعم لمواقفها وممارستها، وفي الوقت عينه يسهم في تعزيز خطواتها على المستوى الداخلي خاصة من قبل الجناج الداعم والمؤيد لسياسة العدو الاسرائيلي ومشروعه، ومؤشرات ذلك نوجز ابرزها بالمعطيات التالية:
-حراك دبلوماسي اميركي عنوانه العريض تقديم كل الدعم لمواجهة ايران، جال على خط عدد من الدول العربية المؤثرة انطلاقا من المملكة العربية السعودية ومصر في ظل ما حكي ايضا عن وساطة اميركية مهدت عودة الحرارة الى العلاقة السعودية-المصرية. هذا بالاضافة الى زيارة وزيرالدفاع الاميركي "جيم ماتيس" دولة قطر، السبت المقبل، والتي سبق واتهمها مسؤولون غربيون بعدم قيامها بما يكفي لمحاربة تمويل شبكات اسلامية متطرفة.
- زيارتان مرتقبتان للرئيس الاميركي "ترامب" الى اسرائيل والرئيس الفلسطيني محمود عباس الى اميركا وما سرب من معلومات عن عودة تحريك للعملية السياسية بين الجانبين الفلسطيني والعدو الاسرائيلي وذلك من ضمن الاستراتيجية الجديدة الاميركية للشرق الاوسط .
-قرار أممي تحت الفصل السابع تسعى لانتزاعه واشنطن من مجلس الامن يقضي بارسال بعثة دولية الى سورية للبحث في اسلحة كيميائية يعتقد انها مازالت بحوزة النظام السوري او حزب الله المرتبطان بايران والذي يستهدف منشآت تابعة لحزب الله.
اذا يبدو ان الحراك الاميركي مرشح لمزيد من الاتساع المحفوف بالمخاطر في ظل استمرار اللاعب الايراني وحليفه حزب الله سياسة ضبط النفس والذي عكسه الميدان السوري الملتهب وسماء سيادته الممزقة بالخروقات الاسرائيلية والاميركية والتركية وعلى عين طهران وحزب الله وبدون اي رد. كل ذلك يشير الى ان منطق الحسم لصالح فريق على فريق قد تقلص وان الضامن الروسي خفت بريقه ورجع خطوة للوراء لصالح التقدم الاميركي بعدما لمس ان الاندفاعة الاميركية في المنطقة ليست بـ"المزحة"، وهو بات في موقع غير المستبعد من وصول حزام النار الاميركي اليه. وربما هذا ما يفسر فرعنة العدو الاسرائيلي المستمر في الميدان السوري والمغطى اميركي، والذي كان آخره، قصفه لمواقع عسكرية جنوب غرب مطار دمشق الدولي التي قيل انها استهدفت مستودعا لتوريد الاسلحة من ايران لحزب الله جرى نقلها عبر طائرات تجارية وطائرات شحن عسكرية. وذلك كله بالرغم من تصريحات التطمين لرئيس ادارة العمليات في هيئة الاركان الروسية "سيرغي رودسكوي" الاربعاء الماضي بان بلاده "قادرة على التحكم بالمجال الجوي السوري بالكامل".
اعادة التموضع الروسية اذا صح التعبير، بدأت ملامحها تبرز ايضا من خلال ما سرب من معلومات عن مصادر تحدثت عن طلب النظام السوري الى ايران سحب حزب الله وقوات شيعية أخرى من بعض المناطق جنوب سوريا ومحيط دمشق، مما ادى الى حصول بعض التوتر الأمني الامر الذي دفع بموسكو الى انزال وحدات عسكرية روسية مباشرة الى دمشق وعلى الطرق الرئيسية المؤدية الى العاصمة .
اذا هو مشهد يغص بالتعقيدات السياسية والامنية والتي يبدو انها مرشحة لمزيد من التوتر سيما اذا وجد العدو الاسرائيلي المسنود اميركياً في الاستمرار بالضربات على اهداف لحزب الله في سوريا حالة من الاستمتاع والتلذذ، فما ما من حذر على لحظة "الغفلة"، والخشية من توسع دائرة الاستفزاز الاسرائيلي لتصل الحدود اللبنانية المتداخلة مع سوريا وحتى مع فلسطين المحتلة، حيث ذكرت مصادر وفق لما نقلته احدى المواقع الاخبارية عن زيارة سرية اجراها مسؤول اميركي الى بيروت تهدف الطلب من المؤسسة العسكرية ضبط الحدود والحفاظ على الاستقرار والبقاء على الحياد في حال تعرض اي موقع على الاراضي اللبنانية او حدوده لاي ضربة، هذا عدا عن "الطلب الاميركي من اسرائيل عدم الرد على اي عمل استفزازي قد تتعرض له من لبنان لانها هي التي ستقوم بالرد على كل العمليات".
(ميرفت ملحم - محام بالاستئناف)