من يزور الولايات المتحدة قد يتفاجأ للوهلة الأولى بلوحات "أهلاً بكم في لبنان" المنتشرة عبر عدة ولايات أميركية. فلبنان هو اسم أكثر من 40 بلدة وأكثر من 100 شارع في أميركا لأسباب بعضها يرتبط لذكره في الكتب المقدسة أو بسبب هجرة الكثير من اللبنانيين وتغييرهم أسماء هذه البلدات أو كنائسها أو بعض شوارعها.
وفي قصة لافتة، يروي اللبناني "فادي بو كرم" تفاصيل رحلته للبحث على 50 منطقة تدعى "لبنان" في الولايات المتحدة، بعدما قاده البحث عبر محرك البحث "غوغل" لاكتشاف تلك المناطق.
انطلقت القصة منذ 10 سنوات، حين دفع الحنين الى لبنان "فادي" بالبحث عنه على الانترنت، لكن ما وجده كان غريباً، اذ أن المحرك لم يذهب به الى منطقة الشرق الاوسط، بل قاده الى ولاية اوريغون الاميركية، التي تبعد عن مكان سكنه 9 ساعات. فوقع بحيرة من أمره وتساءل: "اذا كان هناك لبنان في اوريغون؟ فهل من الممكن أن أجد المزيد؟!"
قاده بحث سريع آخر إلى لبنان، في بنسلفانيا. ثم إلى لبنان، في كنتاكي. وقد وجد أكثر من 50 لبنان في الولايات المتحدة.
قضى بو كرم، البالغ من العمر 38 عاما، معظم طفولته في الملاجئ في منطقة السبتية في بيروت في ذروة الحرب الأهلية في الثمانينيات، وهو حاصل على شهادة في الهندسة الكهربائية.
في عام 2005، اصيب اصابة طفيفة في وجهه في حادثة اثر اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري حيث كان قريباً من موقع الانفجار. غادر بعدها الى سان فرانسيسكو في الولايات المتحدة الاميركية.
ومن سان فرانسيسكو، قادته أشغاله الى القاهرة والكويت وبغداد، الا أنه استقال من عمله مصمماً على اكمال حلمه بزيارة كل "لبنان" في الولايات المتحدة وأن يصور طريقه عبر أميركا.
كانت خطته مرتبطة بحدث تاريخي غير معروف في عام 1955، عندما دعا الرئيس الراحل كميل شمعون سبعة مسؤولين من بلدات تسمى "لبنان" في الولايات المتحدة لرؤية لبنان. وقد أمضوا أسبوعين في بيروت، وأخذوا معهم أشجار أرز الى بلدانهم.. فأراد بوكرم معرفة ما إذا كانت الأشجار السبعة لا تزال موجودة!
صادفت رحلته الحملة الانتخابية الرئاسية في الولايات المتحدة، فحذّره أصدقاؤه من مغبة السفر وقالوا: "كيف لك وأنت عربي أن تسافر عبر أميركا الوسطى في حين أراد المرشح الجمهوري آنذاك، الرئيس الحالي، دونالد ترامب منع جميع المسلمين من دخول البلاد؟ فقال بوكرم: "قال لي أحدهم أن أرتدي عقداً ضخما حول رقبتي لإظهار أنني لست مسلماً، لكن وإذا افترضوا أنني مسلم، سأدعهم يفترضون ذلك لأنني أريد أن أرى رد فعلهم".
يروي بو كرم تفاصيل رحلته، فيتحدث عن شعور خالجه يشبه صدمة ثقافية، فقد تعرّض للكثير من المضايقات خلال رحلته.
وخلال وجوده في منطقة نبراسكا، واجه بوكرم موقفاً عنصرياً حيث تعرّض له احد روّاد الحانات، فسأله عن موطنه، وعندما أجاب لبنان، ردّ قائلاً: لماذا قطعت كل هذه المسافة من إسرائيل الى هنا، وماذا ستشعر اذا ذهبت أنا الى بلدك؟
وبدأ الرجل بالصراخ فاضطرت "النادلة" الى طرده، فاعتذر بو كرم من الجميع وخرج من الحانة فوراً. لكن القصة لم تنته هنا، ففي اليوم التالي، وجد بوكرم رسالة من "النادلة" كتبت فيها : "فادي، هناك الكثير من الكراهية في هذا العالم وآمل أن تلتقي باناس طيبين خلال رحلتك".
يروي فادي عن قصة اخرى اعترضت رحلته، بينما كان يحضّر لوجهته الاخيرة، حيث سرقت سيارته في منطقة البكاركي (Albuquerque)، من قبل أم وابنتها، اللتين حولتا العربة الى مكان لتعاطي المخدرات وممارسة الدعارة، بحسب بوكرم، ما عّرض مشروعه كله للخطر.
رحلة مزدهرة بالاكتشافات
قصة شجرات الأرز التي حملها الزائرون من لبنان في العام 1955 اتخذت منعطفا غريبا في ولاية أوريغون، عندما اكتشف فادي أن "الأرز" في اوريغون هو في الواقع شجرة العرعر. فيما "الارزة"الوحيدة الباقية على قيد الحياة هي في لبنان، أوهايو، بجانب سكة حديد مهجورة.
بو كرم الذي عاد الى لبنان، وهو يعيش في شقته القديمة، يأمل أن يعود إلى الولايات المتحدة قريباً، مختصراً تجربته بالقول: "ان لبنان الذي نشأت فيه ليس لبنان الذي احبه بسبب الحرب، لذا ذهبت الى كل هذه الأماكن للبحث ما يمكن أن يبدو عليه لبنان من دون حرب، لكني لم أجد سوى الفقر والإدمان والمعاناة".
(فورين بوليسي)