من المعروف عن الرئيس نبيه بري أنه لا يخضع للابتزاز، ولا تنفع معه محاولات التصعيد أو التهويل والتهديد. هو قال سابقاً، إن بالحسنى في إمكان الجميع تحقيق ما يريدونه منه، أما بالتهويل ورفع السقوف فلا أحد يقدر على ليّ ذراع رئيس مجلس النواب. لعلّ المشكلة الأساسية التي تواجه البلاد في شأن قانون الانتخاب، هي أن ثمة من أراد أن تتخذ المسألة طابعاً شخصياً مع بري. تلقّى رئيس المجلس سهاماً عديدة من بعبدا، تلقفها بهدوء وبدون موقف تصعيدي، ووضعها في سياق التحفيز لإقرار قانون انتخابي جديد. لكن ضمنياً كان بري يعرف أن شخصه هو المستهدف. وهناك نيات في الإنتقام منه. بل إن فريق رئيس الجمهورية، وخصوصاً وزير الخارجية جبران باسيل، يرتاح حين يرى بري غاضباً، أو أن عمله معطّل على غرار عرقلة العديد من جلسات المجلس النيابي.
يبدو بري اليوم أكثر المرتاحين لما اقترحه سابقاً في شأن سلة التسوية التي لم تسر القوى السياسية بها. والآن، الجميع يعاني من الأزمة بسبب عدم الاتفاق "الشامل". حينها، كان ردّ بري واضحاً: "عدس بترابو كل شي بحسابو". ولا يزال يطبّق هذه المعادلة. ويعتبر، اليوم، أن إنقلاب الحريري على الموافقة على التمديد للمجلس النيابي لتفادي الفراغ، يصب في خانة استهدافه، ولكن ليس في شكل مباشر، إنما للضغط عليه وإجباره على السير بما يرفضه، وهو القانون التأهيلي. لا يصف بري موقف الحريري بالإنقلاب، بل يعتبر أن هناك من أقنع الحريري بأن يلعب لعبة للضغط على عين التينة، وأنه من خلال التهويل بعدم التمديد للمجلس يُجبَر بري على السير بالقانون التأهيلي. لكن بري أكد للحريري أنه لن يسير بهذا القانون.
وأكثر من ذلك، يعتبر بري أن جلسة الخامس عشر من أيار غير مخصصة للتمديد، بل هي مخصصة لتفادي الفراغ، ومخصصة لإقرار قانون أساسي يتعلّق بإنشاء مجلس شيوخ. وهذا ما سيجري بحثه في اللجان النيابية المشتركة التي دعا إلى جلسة لها في الرابع من أيار المقبل. فهم بري لعبة الضغط عليه، وردّ "الكيد في النحر" فوجّه رسالة إلى الجميع، بأنه لا يريد التمديد. ولكن، ماذا إذا ما وصلت البلاد إلى 15 أيار ولم يتم التوصل إلى قانون جديد؟ هنا، لا يخفي بري أن لبنان سيكون أمام أزمة بحاجة إلى حلّ.
وفق منطق الحسابات السياسية، وعدم رضوخ بري أو الرئيس ميشال عون للضغط، فبما أن عون رفع لاءات ثلاث بأن لا للتمديد، لا للستين، ولا للفراغ، ولا يزال متمسكاً بإقرار قانون جديد، وبما أنه أعطى مهلة شهر لإقرار هذا القانون، فإن هذه القواعد التي تحكم "التصارع والتنافس" ستفرض تأخير إقرار القانون إلى ما بعد هذه المهلة. كي لا يظهر طرف في موقع الضعيف أو المنكسر.
أما عن الخيارات المنطقية والعملية، فالواقعية تقود إلى اجراء الانتخابات على أساس قانون الستين، باعتباره القانون الموجود. وهذا ما تقرأه مصادر متابعة تطوراً بشأنه بمجرد أن أعلن رئيس الجمهورية بالأمس، أنه ضد التمديد وضد الفراغ، لكنه لم يذكر مجدداً لاءه الثالثة أي لا للستين. ولكن، كيف سيحصل ذلك؟ المخرج لا يزال بعيداً. وهناك من يبحث عنه في الكواليس.
في سياق آخر، وبعد إيصال بري رسالته بأن جلسة مجلس النواب في 15 أيار ستكون مخصصة لبحث إنشاء مجلس الشيوخ، أبلغ الوزير جبران باسيل الوزير علي حسن خليل أنه انتهى من صوغ مقترح جديد لقانون مجلس الشيوخ، ويريد إطلاع بري عليه. وهذا قد تقرنه المصادر بأن يكون القانون الجديد الذي سيتم التوصل إليه يوفق بين موقفي بري وباسيل حيال إقرار قانون جديد على أساس النسبية مقابل مجلس الشيوخ. وقد يكون هذا مخرجاً لاجراء الانتخابات وفق الستين، لمرة أخيرة، على أن يتم إقرار القانون الجديد فيما بعد.