ثمّة نساءٌ يسعين إلى تحقيق صيد ثمين من خلال رمي شباكهن على رجال أثرياء وأصحاب نفوذ حتّى ولو كانوا أكبر منهن سناً وربّما بكثير. زواج شابة من شايب لا يثير ريبة المجتمع الذي يتساهل مع رجل انفصل عن زوجته ليتزوّج بأخرى من عمر ابنته، خصوصاً إن كان من أصحاب الثروة.
ولكن تحلّ الكارثة وتُزَلزل الأرض فعلاً لو وقعت امرأة بحبّ رجل بعمر ابنها، وفُضح أمرها. هي تصبح على كلّ شَفَّة ولسان، تُشرَب أخبارُها بازدراء مع كل شَفَّة قهوة في كل بيت يَعرفها.
ها هي بريجيت ترونيو شغلت العالم ليس بجمالها كما ميلانيا ترامب، لكن بكبر سنِّها مقارنةً بزوجها. منذ سُلّطت الأضواء على إيمانويل ماكرون المرشّح الأوفر حظاً بحسب الاستطلاعات للفوز برئاسة فرنسا، وينشغل العالم بحياته الشخصية وزواجه من معلمته التي تكبره بـ 24 عاماً.
لم يهتم الناس لمسيرته السياسية التي أوصلته إلى التنافس على كرسي الرئاسة، وقلّة قليلة تكبّدت عناء البحث عن مواقفه وآرائه من الأزمات الأوروبية والاستحقاقات المصيرية المقبلة... الحشرية تدفع كلّ مَن سمع عنه إلى حصد المزيد من المعلومات عن حياته الشخصية، التي أثارت الجدل.
«أد إمّو»، «لك شو بشعة»، «هيدا مش رجّال»، وغيرها من التعليقات الساخرة تتقيّؤها أفواه المتفرّجين على صور الثنائي عبر وسائل الإعلام.
يبدو واضحاً أنّ الصور النمطية المنتشرة عالمياً تسمح للرجل بأن تظلّ نفسه خضراء حتّى لو تقدّم بالعمر، وبحثه عن شابة يتزوّجها أو «يُصاحبها» أمرٌ عادي.
ففرق السنّ بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب وزوجته ميلانيا هو نفسه بين إيمانويل وبريجيت. كون الرجل دونالد هو الأكبر لم يلفت الموضوع الانتباه، فالعالم تلهّى بحسن ميلانيا وحَسد زوجها لأنه تمكّن أن يجذب بماله امرأةً مثيرة، بينما نعتوا ماكرون بالمثلي لأنه اختار «ختيارة»، وتلقّت هي سيلاً من الانتقادات الجارحة والنظرات الحاكمة والساخرة والمُتعجّبة لأنها تطلّقت من زوجها لتتزوّج شاباً بعمر ابنها.
مجتمعاتنا لا تخدش حياءَها رؤيةُ زير نساء ثري ومُطلّق «لاهث وراء التنانير» ليتزوَّج بعدها بشابة جميلة، وتستفزّ الناس امرأة مُطلّقة وجدت الحبّ برجل يصغرها فأرضعته حليب الرئاسة. المرأة الصغيرة في السن، الجميلة، والمهتمة بأناقتها وحتّى الساذجة أو الباحثة عن ثري يشتري جمالها ويعيله كلّها صور مقبولة أما كسر هذه التقاليد فيستفزّ الناظرين. المجتمع يقبل بصعوبة كبيرة عند النساء ما هو رائج جداً وطبيعي في حياة الرجال.
وسط تقليدية التفكير يطلّ الشعب الفرنسي غير تقليدي دائماً، هو يتقبّل امتزاج حياة رؤسائه الشخصية بغير المألوف، إذ تفوح منها دائماً رائحة الخيانة والمساكنة والغرابة و»اللا شرعية»... ما تراه الشعوب الأخرى فضائح معيبة.
ماذا لو كان إيمانويل وزوجته بريجيت يستعدّان لدخول قصر بعبدا بدل الإليزيه، وينتظران تصويت الشعب اللبناني؟ أكانا سيصلان إلى مرحلة متقدّمة أم أنّ الصور النمطية كانت ستُدمِّر حياتهما المهنية والسياسية قبل أن تبصر النور بسبب حكم الناس وعدم تقبّلهم لرجل «تديره امرأة». فربّما رؤيتنا لمرأة ستينية نافذة متأهّلة من ثلاثيني على أنه «زوج الستّ»، ارتبط بها لمالها وشُهرتها أقرب بالنسبة لنا من أن يكون الرجل النافذ من صنع امرأة تَكْبُره.
بريجيت تستحق مكانها في الإليزيه لأنها استثمرت نفسها جسداً وروحاً في حملة زوجها الانتخابية وحياته، فلا تُنافس على منصب السيدة الأولى فقط لأنّ المرشح الرئاسي اختارها زوجة، بل يصل هو الى مشارف القصر لأنّ امرأةً شرسة وراءه وإلى جانبه. تَعرّفت إليه تلميذاً وربّته وزيراً وربّما رئيساً.
يعرف جميع مناصري ماكرون أنّ زوجته تتفانى بقربه ليصل إلى رأس الهرم فيدير البلاد، وهي مفتاح نجاحه. ويبدو أنّ تأثيرها عليه يمتدّ حدّ الإعتبار أنّ فرنسا ستحكمها امرأة في المرحلة المقبلة، إن وصلت مارين لوبان إلى سدّة الرئاسة أو إيمانويل ماكرون.