لا يوحي الوضع اللبناني بالراحة. الجميع متخوف من إمكانية التصعيد والوصول إلى الصدام. ثمة من يتمنى ذلك لاثبات وجهة نظره أن التسوية الرئاسية كانت خطأ كبيراً، مقابل من يحاول استباق الأمور لإيجاد مخرج لسحب فتيل الأزمة.
توزيع الأدوار مشهود أيضاً. فتارة يرفض حزب الله القانون التأهيلي ويصفه بالمخالف للدستور. وتارة أخرى يشير إلى موافقته عليه فيما يرفضه الرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط. الأمر نفسه لدى تيار المستقبل. تارة يخرج مستقبليون ليعلنوا رفض القانون التأهيلي، لتتسرّب معلومات عن أن الرئيس سعد الحريري موافق على هذا الاقتراح، ويسعى إلى إقناع بري وجنبلاط به. كل ذلك دفع وزير الخارجية جبران باسيل إلى الكشف عن أن مواقف السياسيين في الاجتماعات المغلقة تكون مغايرة لمواقفهم العلنية.
ثمة من ينفي مسألة توزيع الأدوار هذه، معتبراً أن الخلافات قائمة وحقيقية. وبناءً على وجهة النظر هذه، فإن الأزمة تقترب من الإنفجار في 15 أيار. وهذا يبنى على ما يسرّب عن أن الحريري وافق على القانون التأهيلي، وأبلغ موافقته إلى التيار الوطني الحر، مقابل إبلاغه الرئيس بري بأنه لن يسير بالتمديد لمجلس النواب إذا لم يتم التوصل إلى قانون الانتخاب. ما يعني فقدان الأكثرية النيابية لإقرار التمديد بالنصف زائداً واحداً. وهذا ما قد يدفع بري إلى خيار إيجاد طريق للقضاء على التأهيلي في مجلس النواب أو الوزراء.
لكن المستغرب أن أحداً من أعضاء كلتة المستقبل ليس لديه جواب شاف بشأن حقيقة موقف الحريري من القانون التأهيلي. فمعظم النواب يؤكدون رفض المستقبل له، والسير به يعتبر ضرباً لمسيرة التيار وتوجهاته. بينما يشير من يقولون إن الحريري موافق عليه، إلى أن ذلك يبنى على أساس مقايضة جديدة. بمعنى أن يحصل الحريري على نواب مسيحيين بالتوافق مع الثنائي المسيحي، وهذا ما يحاول إقناع جنبلاط به. البعيدون من هذه الأجواء، يعتبرون أن كلمة السرّ موجودة لدى نادر الحريري وغطاس خوري.
وإذا كان موقف الحريري هذا حقيقياً، فهذا يعني أن الأزمة المقبلة ستكون كبيرة جداً، لأنه في حال عدم توفير الأكثرية النيابية لإقرار التمديد، يعني تسعير المواجهة بين بعبدا وعين التينة. وهذا يفرض على بري البحث عن مخارج. وهو يملك عدداً من المفاتيح لعرقلة الفراغ والتأهيلي في آن معاً. وأبرزها، التنسيق مع جنبلاط من أجل الإنسحاب من أي جلسة سواء في مجلس الوزراء أم في مجلس النواب. بالتالي، تفقد الميثاقية ولا يكون هناك إمكانية لاتخاذ قرار.
لكن ماذا بعد حصول ذلك؟ لا جواب واضحاً حتى الآن سوى أن الأزمة ستكون كبيرة. وهنا تصوّب الأنظار إلى موقف حزب الله، الذي لا يريد لبري أن ينكسر ولا يريد أن يسهم في كسر رئيس الجمهورية ميشال عون. وحزب الله، الذي يستشرف محاولة لدق إسفين بينه وبين حليفه المسيحي، يتجنب اتخاذ موقف واضح، وقد أبدى موافقته في وقت ما على التأهيلي، على اعتبار أن هناك أطرافاً أخرى سترفضه.
لا شيء واضحاً بعد. تبقى الأنظار شاخصة إلى الإقتراح الذي سيتقدّم به الرئيس بري. وتؤكد مصادره أن إقتراحه سيكون عبارة عن مشروع متكامل: انتخاب مجلس شيوخ على أساس الأرثوذكسي، وانتخاب مجلس النواب وفق القانون النسبي، وتقسيم لبنان إلى ست دوائر انتخابية باعتماد المحافظات الست.
وكان الحريري قد التقى بري في عين التينة، بعد إصرار الأول، وفق مصادر "المدن"، على عدم المشاركة في أي جلسة تشريعية للتمديد للمجلس. ما دفع بري إلى اعتبار أن هناك إتفاقاً غامضاً وخفياً بين الحريري وعون.
وأكد الحريري بعد اللقاء، أن لديه قناعة بأن كل الإقتراحات تحتاج إلى نقطة أو نقطتين للتوافق عليها والوصول في الموعد المحدد إلى حلّ، ولا أحد يريد التمديد أو الفراغ. "وافقت على التأهيلي لأنني أريد حلاً، وكذلك بالنسبة إلى القانون النسبي بكل تفاصيله وصيغه. وما أتمناه أن لا نكون سلبيين، ولن أسير بالتمديد. وأدعو الجميع إلى التنازل كما تنازلت، لأن البلد يحتاج إلى حلّ سياسي".
وتؤكد المصادر أن الحريري يراهن على ما حصل في جلسة انتخاب الرئيس. بمعنى أن يحاول إقناع بري بطرح القوانين على التصويت في الجلسة. وهو ما يرفضه رئيس المجلس. وفي حال حصل ذلك، فإن اللجوء إلى ورقة الميثاقية هو الخيار الأوفر بالنسبة إلى معارضي التأهيلي. وهذه الخطوات حضرت أيضاً في لقاء جمع الحريري والنائب جورج عدوان والوزير جبران باسيل، إذ تم وضع بعض النقاط والملاحظات على القانون التأهيلي ليصبح ملائماً بالنسبة إليهم، خصوصاً بعدما كانت القوات قد طرحت تحفظات على صيغة باسيل.