وبموجبها يُنظر إلى قانون جبران باسيل التأهيلي، بأنّه يرمي إلى تأهيل إرادة الناخب المسيحي للتحرّر من الصوت المسلم، وتأهيله شخصياً ليصبح المسيحيَّ الذي يستحقّ لقبَ زعيمهم، بفِعل أنّ اجتيازه بنجاح امتحانَ معمودية الدفاع عن المسيحيين في مناسبة إنتاج قانون انتخابي جديد، وليس فقط لأنّ له صلة قربى وثيقة برئيس الجمهورية العماد ميشال عون.
في دارة المختارة هناك من ينصَح أيضاً، بأن ينفّذ تيمور جنبلاط معموديتَه الدرزية في مناسبة الأزمة الراهنة، لكي يستحقّ لقبَ زعيم الطائفة في نظر الدروز، كما استحقَّه والدُه وليد جنبلاط بفعل خوضِه معمودية حرب الجبل. وثمّة نظرية تقول إنّ تيمور لو تخَندق تحت شعار «مجلس شيوخ برئاساتنا، وإلّا..!»، فإنّ وراثته ستصبح كاملة المواصفات المطلوبة، وسيهتف الدروز بحماسة وليس بحياء، تعبير: «مَن خلّف ما مات».
أخطرُ ما تؤشّر إليه لحظة الوصول إلى 15 أيار في غياب قانون انتخاب يَحسم النزاع بين التمديد والفراغ اللذين بات وراءهما شارعان لم يعد خافياً احتقانُهما، هو أنّه سيشجّع زعماءَ الطوائف على العودة إلى ألقابهم التي كانت تُطلَق عليهم في شوراعهم أيام الحرب الأهلية، وبالتالي ستصبح أدوارهم داخل الأزمة المتوقّعة تطبيقاً عملياً لهذه الألقاب.
وشارع أزمة 15 أيار، فيما لو تفلّتَ من عقاله، سيكون بامتياز شارعين يتنازل فيهما بدايةً طرفان أساسيان: «شيعة الأستاذ» و»موارنة الجنرال»، ومن ثمّ سيتمّ فتحُه لتموضع الطوائف الأخرى مع أحد الشارعين.
هناك أمران محسومان في غمرة كلّ التوقّعات المبهمة حيال موعد 15 أيار. الأول هو أنه لا الرئيس نبيه بري خصوصاً، ولا «حزب الله»، سيَقبلان بفراغ في مجلس النواب. والثاني أنّ عون لن يقبلَ بتمديد ثالث للمجلس.
وكلّ مِن بري وعون، يَعتبران أنّ تعذُّرَ التوافق على قانون انتخابي ينهي الأزمة، سيقود لجعل المعركة بينهما شخصية أو فيها كثير من رمزيتهما داخل طوائفهما. في عين التينة وحتى في حارة حريك هناك انطباع بأنّ عون يريد رؤية بري ولو ليوم واحد، في حالة أنّه رئيس على مجلس الفراغ النيابي. وبري لن يسمح بذلك.
البعض يسمّي المنازلة المنتظرة يوم 15 أيار بين بري وعون، بمثابة اللحظة التي طالما تمّ تأجيلها، مرّةً من خلال تدخّلات «حزب الله» ومرّةً ثانية من خلال تدخّلات أصدقاء مشتركين مسيحيّين بين عون وبري.
«حزب الله» منذ البداية كانت له قراءة لخطوط عون الحُمر البسيكولوجية في شأن أزمة إنتاج قانون انتخاب جديد، واليوم يثبت أنّها كانت صحيحة. وبموجبها رأى الحزب أنّ عون قد يتحمّل العودة إلى قانون الستّين لكنّه لن يتحمّل تحت أيّ ظرف، رؤية المجلس النيابي يمدّد لنفسه مرّةً ثالثة.
يَجدر هنا مراعاة نوع الحساسية المسيحية العميقة من التمديد لمجلس النواب، وهي مرّةً أخرى بسيكولوجية أكثر منها سياسية، ذلك أنّه في المرّتين السابقتين مدّد المجلس النيابي لنفسه، على رغم اعتراض عون رئيس أكبر كتلة نيابية مسيحية على ذلك. وأيضاً على رغم عتبِ البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي على بري لأنّه لم يقف على خاطِره مسبَقاً لجهة اضطراره للتمديد.
وكِلا الإشارتين تنمّان عن أنّ مركزَي الثقل المسيحي السياسي والديني توَحّدا حينها وراء شعورهما أنّ إرادتهما تعرّضَت للمسّ بها من إرادة حِرص الثنائي الشيعي على عدم المسّ بموقعه الثاني في الحكم. لن يقبلَ الرئيس المسيحي القوي بإرادة المسيحيين مرّةً ثالثة، وحتى بكركي تفضّل رؤية الستّين على رؤية مشهد تجاهُل إرادتها المعنوية تتكرّر.
السؤال اليوم: هل يمكن مرّةً أخرى تأجيل المنازلة بين «الجنرال» و»الأستاذ» عبر «وساطةٍ ما» تحمل توازن وساطة المادة 59 التي أعطت عون «همروجة» مسيحية، وأعطت لبري مهلة إبقاء «الرصاصة الشيعية» في جيبه لمنعِ الفراغ في مجلس النواب.
حتى الآن يبدو الحلّ المتاح هو باتّباع وصفة «حزب الله» النفسية، أي اللجوء إلى علاج «الشرّ الذي لا بدّ منه»، المتمثّل باعتماد الستين الذي هو مقبول عند عون في مقابل التمديد، والأفضل من الفراغ عند بري.
وثمّة سيناريو جاهز للتطبيق، وهو أن يمدّد المجلس لنفسه ويطعن عون بهذا التمديد لدى مجلس الدستوري، وهنا يوجد احتمالان، إمّا استمرار المواجهة عن طريق تطيير نصاب المجلس الدستوري لمنعِه من الطعن، أو السماح لسيناريو الحلّ بالانسياب عبر المجلس الدستوري الذي ينعقد فيبطِل التمديد ولا يقبَل بالفراغ، حيث يدعو لإجراء الانتخابات على أساس القانون النافذ، أي الستّين.
وهكذا يصبح قانون الستّين حلّاً للمشكلة، بعد أن كان هو المشكلة طوال الفترة الماضية. ويصبح المجلس الدستوري الذي قراراتُه ملزِمة هو من يتحمّل مسؤولية إجراء الانتخابات على أساس قانون الستّين، وليس أيّ طرف سياسي أو موقع سيادي سياسي. المجلس الدستوري يتحمّل هذا الأمر، طالما إنّه يفعل ذلك لإنقاذ المصلحة اللبنانية العليا التي عرّضَها خلاف السياسيين للاهتزاز!
إعتبَر البعض أمس أنّ إقفال الطرق الذي تَرافقَ مع إبداء العنف من محتجّين لديهم في الظاهر مطلب معيشي، هو «بروفا» لِما يمكن أن يحصل في 15 أيار. وبغَضّ النظر عمّا إذا كانت هذه فوضى موجّهة أم لا، فإنّ الرسالة التي تضمَّنتها عن المعنى الذي سيُفضي إليه تفَلّت الشارع وعن طبيعة موازين القوى داخله، لم تعُد خافية. وهي جديرة بالأخذ في الحسبان فيما لو قرّر أيّ طرف إعداد سيناريو توسُّل الشارع في المواجهة المحتملة بين فريقَي الفراغ والتمديد.