أولاً: مواكب أيام زمان ومواكب اليوم...
كان المرحوم الرئيس صائب سلام ، عندما يخرج من منزله في المصيطبة، وهو رئيس للوزراء، فيُسارع السائق، وهو المُرافق الوحيد، فيفتح باب السيارة، (وكُنا يافعين ونتجمّع أمام مقهى صغير مقابل المنزل)، إلاّ أنّ الرئيس كان يتلفّت يمنة ويسرة ويُسلم على المارة، ثم يتجه بناظره نحونا ليُحيّينا بيده، ويصعد وحده السيارة، مع (زرّ) القرنفل الذي كان يزين صدره، وينطلق موكبه بسيارة واحدة. وعندما اعتلى ولدُه تمّام سدّة رئاسة الحكومة (وهو بحاجة إلى عُمرٍ آخر فوق عمره ليبلغ قامة والده)، كان موكبه مُؤلّف من عدد من السيارات الفخمة السوداء رباعية الدفع، تتقدم سيارة الرئاسة الثالثة وعدد مماثل يتبعها، وعدد لا يُحصى من رجال الأمن يرافقون دولته. وكانت مواكب رؤساء المجلس النيابي (صبري حمادة أو أحمد الأسعد أو عادل عسيران) بسيطة ومُتقشّفة وتقتصر على سائق ،وربما أحد رجال الأمن لضرورة مُلحّة، أمّا موكب الرئيس الحالي فتهتزّ له الأرض، بعد العرش طبعاً، وهو الذي ارتفع على أكتاف المحرومين، وقارع الاقطاع اللعين، واجتثّ جذور "بكوات" الزمن الخالي.
إقرأ أيضًا: ١٥ أيار القادم... عُرقوب يخجل من هذه الطبقة السياسية
ثانياً: تكاليف المواكب الباهظة...
يعرف القاصي والداني أنّ جيشاً من المُرافقين الأمنيين يفوق تعداده العشرة آلاف عنصر من "المفروزين" لمواكبة الرؤساء والوزراء والنواب (وزوجاتهم طبعاً والأبناء عند اللزوم) والقضاة وضباط المراتب العليا، وآخر فضيحة تداولها وزير الداخلية الحالي مع وزير العدل السابق، إذ قام وزير الداخلية بسحب أكثر من سبعين عنصراً مواكباً للوزير أشرف ريفي، فردّ هذا الأخير كاشفاً أن عناصر مرافقة المشنوق يفوق المائتي عنصر، ومعلوم أنّ هذه المجموعات المواكبة تحتاج إلى ميزانية باهظة التكاليف، لو أنّها رُشّدت لوفّرت أموال السلسلة "المعطوبة" وسدّت جزءاً من العجز المتفاقم.
وقد يعترض أحدهم بأنّ المواكب الأمنية ضرورية وواجبة لسلامة كبار المسؤولين ورجال الأمن، والردّ بسيط، لو أنّ هذه المواكب بعناصرها المدجّجة بالسلاح والسيارات المُصفّحة المزودة بأجهزة التشويش عالية الدّقة تنفع أحداً وتردّ غائلة الموت، لنفعت الرئيس الشهيد رفيق الحريري وحده، كي لا نضطر إلى سرد قائمة طويلة ممّن طالتهم أيدي الغدر والإرهاب.
إقرأ أيضًا: في زمن الاستعراضات..متى يستعرض رئيس الجمهورية جنوباً؟
ثالثاً: بغلات معاوية الشّهُب...
في خبر مقتل عبدالله بن الزبير على يد الحجّاج،وصلبه لمدّة شهر، وقد تقطّعت أوصاله وذُهب برأسه، أنّ عبدالله بن عباس (وكان قد فقد بصره أواخر أيامه) ،وكان يوصي الجائز به: جنّبني خشبة ابن الزبير، فلم يشعر ليلة حتى عثر فيها، فقال : ما هذا؟ فقال: خشبة ابن الزبير، فوقف ودعا له، وقال: لئن علتك رجلاك لطالما وقفت عليهما في صلاتك! ثم قال لأصحابه: أمّا والله ما عرفته إلاّ صوّاماً قوّماً، ولكنّني ما زلتُ أخاف عليه منذ رأيته أن تعجبه بغلات معاوية الشُّهب، قال: وكان معاوية قد حجّ فدخل المدينة وخلفه خمس عشرة بغلة شهباء عليها رحائل الارجوان فيها الجواري عليهنّ الجلابيب والمعصفرات، ففتن الناس.
في موكب الخليفة الأموي والبغلات الشّهب، مع الجواري المعصفرات، ما يفتن الناس ويبعث في النفس البهجة والفخر، أمّا مواكب السياسيين عندنا لا تشيع سوى الجلبة والضوضاء واقفال الطرقات وإخافة الآمنين وترويع المارين.