يصب حزب الله اهتمامه على منطقة القلمون وجرودها. يقترب اندلاع المعركة هناك، إذا ما فشلت مفاوضات سرية جارية لـ"إنجاز إتفاق" يشبه في مضامينه الإتفاق الذي حصل أخيراً في المدن الأربع، الزبداني مضايا مقابل كفريا والفوعة. وتزامناً مع استكمال دفعات التهجير من حي الوعر الحمصي، لم يعد الحزب مستعداً لقبول بقاء فصائل المعارضة في جرود القلمون، وتحديداً في البقعة الجغرافية الممتدة على التلال المقابلة للجروج اللبنانية من جرود بلدة عرسال إلى جرود رأس بعلبك والقاع. هذه الجرود التي تشكّل مثلثّاً استراتيجياً بالنسبة إلى القوى العسكرية في تلك المنطقة، يريد الحزب السيطرة عليها.
في العام 2015، شنّ حزب الله حملته العسكرية الواسعة على قرى القلمون وجروده، واستطاع السيطرة على أجزاء واسعة منها. ومذلك فرض حصاراً على فصائل المعارضة في تلك البقعة الجغرافية، الممتدة على شكل مثلّث يربط بين الأراضي اللبنانية والعمق السوري لناحية القلمون، والعمق السوري لناحية ريف حمص. لحزب الله وجود في هذه المنطقة، من الناحيتين الغربية أي اللبنانية، ومن الناحية الشرقية في العمق السوري، فيما فصائل المعارضة موجودة في بقعة بين المقلبين. بالتالي، هي في وضع محاصر، شرقاً وغرباً، فيما شمالاً يحدّها تنظيم داعش الذي تندلع اشتباكات بينها وبين عناصره بين فترة وأخرى.
بالتزامن مع التحضير لإطلاق معركة الرقة ودير الزور للقضاء على تنظيم داعش، كانت هناك توقعات بأن ينسحب عناصر التنظيم من تلك المنطقتين في اتجاه القلمون. وهذا ما أرسى تخوفاً لدى لبنان من إمكان لجوء التنظيم إلى تنفيذ عمليات أمنية انتقامية ضد الأراضي اللبنانية. لكن ما جرى قبل فترة، هو أن أعداداً كبيرة من عناصر التنظيم غادرت منطقة جرود القلمون في اتجاه البادية السورية. وهذا أيضاً من شأنه أن يعجّل في وقوع الاشتباك بين حزب الله وفصائل المعارضة وجبهة فتح الشام.
ليست العلاقة بين فتح الشام وفصائل المعارضة الأخرى على ما يرام. قبل فترة اندلعت بين الطرفين اشتباكات لها علاقة بمناطق السيطرة والنفوذ، إذ يتّهم معارضون ومقاتلون من الجيش الحر بأن النصرة تريد اقصاءهم وفرض نفسها مسيطراً وحيداً ومفاوضاً أوحد في تلك المنطقة. والآن، هناك استنفار صامت بين الطرفين. وأي خلاف بينهما قد يستفيد منه الحزب، ويغذّيه لأجل الاستثمار بنتائجه التي قد تؤدي إلى تضعضع الطرفين. ما يوفر عليه الدخول في معركة، ويبقى قادراً على فرض شروطه.
لدى الدخول في مفاوضات قبل فترة بين الحزب وفصائل المعارضة، بشأن إنسحابها من الجرود مقابل سيطرة حزب الله عليها، وإعادة لاجئين سوريين من المخيمات إلى عدد من المدن القلمونية، وهذا ما رفضته الفصائل، شنت النصرة حملة شعواء على الفصائل واتهمتها بالخيانة لأنها دخلت في المفاوضات. أما اليوم فهناك من يهمس بأن ثمة مفاوضات غير مباشرة بين الحزب والنصرة (فتح الشام) على المبدأ نفسه الذي رفضته في السابق للفصائل. وتعلّل النصرة ذلك، بأن الوضع أصبح صعباً وسيئاً بعد ما حصل في وادي بردى والزبداني.
لا شك في أن الوضع أصبح أكثر سوءاً، بالنسبة إلى الفصائل المسلّحة في تلك المنطقة، بعد انهاء ملف "المدن الأربع". بالتالي، هناك من يطرح حالياً، تهجير رنكوس، وهي إحدى أكبر المدن القلمونية، أو عقد "مصالحة" على طريقة النظام السوري في رنكوس. وفيما بعد سيفتح ملف القلمون بكامله، لأن بعد إنجاز صفقة الزبداني، فإن هذه المنطقة أصبحت خاصرة رخوة للمعارضة. وفي حال فشلت هذه المفاوضات، فإن حزب الله سيلجأ إلى فتح معركة عسكرية لفرض المغادرة على الفصائل.
لدى حزب الله قرار أساسي: هذه المنطقة يجب أن تصبح خاضعة لسيطرته بشكل كامل، سواء أكان ذلك بمعركة أم بغيرها، وبأسرع وقت ممكن، لأنها ستكون خطوة أساسية على صعيد إقامة منطقة خاضعة لسيطرته تمتد من ريف حمص إلى وادي بردى. بالإضافة إلى تمدده جنوباً، حيث لديه وجود مشترك مع الجيش السوري في الغوطة. وكذلك بالنسبة إلى الجنوب السوري، في القنيطرة، والجولان. هي معركة السباق مع الوقت والتطورات والمعارك الآتية لاحقاً، في ضوء الاستعدادات الأميركية لفتح معركة الرقة، والتي ستقطع الطريق على الترابط الإيراني من بغداد إلى لبنان.