بعد جلسة الاحد الشهيرة التي استمرت زهاء ساعتين في قصر بعبدا بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ووفد «حزب الله» الرفيع المستوى، في حضور «نجم» اللقاء الوزير جبران باسيل، ساد جو كئيب بين حارة حريك وبعبدا.
وبدا انّ صمتاً سيسود على مستوى تكرار محاولة التشاور السياسي حول قانون الانتخاب، لكنّ كلّاً من الحاج حسين خليل وعلي حسن خليل، بادرا من جانبهما للدعوة الى لقاء آخر، يجمع اليهما باسيل وعن «المستقبل» نادر الحريري، وانعقد هذا اللقاء اوّل ثلثاء بعد جلسة «الاحد الشهيرة» في منزل باسيل.
وعلى منوال اللقاءات السابقة له، استمر وقتاً طويلاً، وتوصّل مبدئياً الى التفاهم على مشروع قانون انتخابي مختلط - تأهيلي، مع بقاء التباين نسبياً على عدد المقاعد المؤهلة على حاله.
ولكنّ الوزير خليل رأى انه يمكن اعتبار هذا الخلاف تفصيلياً، ولا يلغي اعتبار انّ الاجتماع توصّل الى إنجاز اتفاق مبدئي على الشكل العام للقانون التأهيلي العتيد، وعليه يمكن ترحيل التباين حول عدد المقاعد التأهيلية ومعيار الصوت التفضيلي الى مشاورات مكثفة تؤدي الى توافق في شأنها. وكاد اللقاء يتم اختتامه على أساس انه أدى الى توافق، وبقيت لإتمامه تفاصيل لن تكون عَصية على الحل.
لكنّ باسيل استبقى ضيوفه ليدعوهم الى استكمال النقاش ليصبح في الامكان القول انّ توافقاً مبدئياً ومتقدماً حصل في شأن القانون العتيد، ثم فجّر «قنبلة» اقتراحه، ومؤداه انّ الاتفاق على قانون الانتخاب يجب ان يشمل في الوقت نفسه اتفاقاً على إنشاء مجلس شيوخ.
ووسط استغراب الحاضرين الذين رأوا انّ سباق الوقت مع موعد 15 ايار المقبل، لا يتّسع لطرح قضية التوافق على مجلس الشيوخ، تابع باسيل طرحه معلناً شروطه الثلاثة الخاصة بمجلس الشيوخ: أولاً ان يصدر قانون إنشائه في الوقت نفسه الذي يصدر فيه قانون الانتخاب.
ثانياً، أن يكون رئيس مجلس الشيوخ مسيحياً.
ثالثاً، تنقل الى مجلس الشيوخ صلاحيات الموافقة على قانون الانتخاب وقرار الحرب والسلم في لبنان.
وفضلاً عن تحفّظ الموجودين عن إمكانية البحث في قانون مجلس الشيوخ في هذه المرحلة التي فيها اولوية لإنتاج قانون انتخابي يحول دون نقل الخلاف السياسي في شأنه الى الشارع، فإنّ الملاحظة الابرز على طرح باسيل التي سادت بينهم تركزت حول انه اذا تمّ نقل صلاحيات بهذا الحجم الى مجلس الشيوخ، فهذا سيطرح سؤالاً عمّا اذا كان سيبقى هناك صلاحيات ذات وزن للمؤسسات السيادية الأُخرى في البلد.
ولعلّ الاستنتاج الأساس الذي تركه اللقاء في منزل باسيل، هو انّ قانون الانتخاب سقط هذه المرة ليس لأنه لم يتم التفاهم بين فريقي «النسبية الكاملة» و«التأهيلي المختلط» على قانون «ما بين بين»، بل لأنه حصل تباين اكثر من جوهري على إنشاء مجلس الشيوخ، سواء لجهة توقيت البحث فيه أو حتى لجهة صلاحياته وطائفة رئيسه.
ولقد كان لقصة اجتماع الثلثاء في منزل باسيل تتمة وان كانت معزولة عنه، وذلك في اتصال حدث بين «حزب الله» مع الجو العوني المُقَرِر، حيث عرض الحزب بموجبه قانوناً انتخابياً يحقق على أساس النسبية الكاملة الهدف نفسه الذي يطرحه باسيل كمبرر لمطالبته باعتماد قانون «المختلط التأهيلي»، وهو إيصال 52 نائباً مسيحياً ينتخبون بأصوات المسيحيين.
لم يستجب لهذه الصيغة رغم انّ الحزب عرضها تحت مسوّغ ضرورة التوصّل لإنتاج قانون انتخابي قبل موعد 15 ايار، لأنّ البلد لا يتحمّل الفراغ في المؤسسة التشريعية الأم، ولكنّ الرأي المنقول عن بعبدا في شأن هذه الجزئية الاخيرة، اعتبر انه حتى لو لم يتم إنتاج قانون انتخابي قبل 15 ايار، فإنّ هذا لن يؤدي الى إحداث فراغ دستوري، لأنّ رئيس الجمهورية يبقى له بعد الدخول في اليوم التالي بعد 20 حزيران مهلة ثلاثة اشهر، وبخلالها يمكن لوزير الداخلية ان يدعو لإجراء انتخابات. وعند السؤال عن القانون الذي ستجري الانتخابات على اساسه حينها، كان الجواب: «على أساس القانون السائد»!
غير انّ السؤال السياسي الذي تركته هذه الواقعة يتوقف عند ملاحظتين اساسيتين:
أولاهما - انه اذا كان يمكن القبول بقانون الستين في مرحلة حصول فراغ في مجلس النواب، فلماذا اذاً لا يتمّ السير به منذ الآن؟ ولماذا كل هذا الصخب السياسي وجعل البلد يرقص على حافة الهاوية؟
ثانيهما - تتصل بأنّ وقائع الاتصال تكشف السبب الاساس الذي يجعل باسيل يرفض إيصال 52 نائباً مسيحياً بأصوات المسيحيين بالاعتماد على النسبية الكاملة ويصرّ على إيصالهم بواسطة قانون انتخابي تأهيلي مختلط.
ومفاده انّ قانون المختلط وفق معيار التأهيل بمقعدين على اساس الاكثري، يؤمن 52 نائباً مسيحياً هم في غالبيتهم لـ«القوات» و«التيار الوطني الحر»، في حين انّ قانون النسبية الكاملة التي تؤمن إيصال 52 نائباً مسيحياً بأصوات مسيحية، سيوصل للمجلس جزءاً غير بسيط منهم من داخل طيف القوى المسيحية المستقلة والحزبية، وذلك الى جانب تمثيل وازن، ولكن ليس كاسحاً للثنائي المسيحي.