كلما ضاقت المسافة الزمنية عن الجلسة النيابية لإقرار التمديد في 15 ايار المقبل، زادت سماكة الجدار الانتخابي أكثر، وضعفت الآمال في امكان اختراقه بصيغة توافقية ترضي كل الاطراف. وفي الموازاة يبدو المشهد الداخلي مفتوحاً على احتمالات اخرى يغلب عليها الطابع السلبي، ربطاً بالتوجّه الاميركي الى إقرار عقوبات على اطراف لبنانيين مع ما لذلك من تداعيات تبعاً لحجم هذه العقوبات والاطراف او القوى التي ستشملها، وهو الامر الذي كان محل متابعة من قبل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي اكد انّ هذه العقوبات لا تصب في مصلحة لبنان وتلحق ضرراً به.
في حين يستمرّ مفعول العاصفة السياسية التي أثارها كلام البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي عن الإقرار بالفشل والذهاب الى انتخابات على أساس القانون النافذ، أي قانون «الستين» لأنه أفضل من التمديد او الفراغ، أوضحت بكركي خلفيات كلام الراعي والأسباب التي دفعته الى إطلاق مواقفه «النارية».

فنفت مصادرها لـ«الجمهورية»، في أول تعليق لها، ان «يكون البطريرك قد تلقّى إشارات من الفاتيكان أو الدول الأوروبية تدعوه الى اتخاذ مثل هكذا مواقف»، مشيرة الى أنّ «سيّد الصرح لا يعمل أو يتخذ مواقف وفق الإشارات الخارجية مثلما يفعل معظم الطبقة السياسية».

واستغربت المصادر «كيف أصبح كلام الراعي هو الحدث، في وقت يحاول الذين فشلوا في إقرار قانون جديد تحويل الاهتمام وحرف الأنظار الى اتجاه آخر».

وجزمت المصادر أنّ «البطريرك ضد قانون «الستين»، مشيرة الى انه «انطلق من الفشل الذريع الذي سبّبته الطبقة السياسية والذي بات شبه محسوم، حيث باتت الإنتخابات بحكم المؤجّلة»، لافتة الى أنّ «الراعي دق ناقوس الخطر وأطلق هذه المواقف ليستفزّ السياسيين ويحضّهم على التجاوب مع دعوة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ليستعجلوا الاتفاق على قانون انتخابي ضمن مهلة الشهر التي بدأت تنتهي».

وأكدت المصادر أنّ «البطريرك يتكلم من وجع الناس ويصرخ لكي تتحرّك الكتل والنواب الذين لم يفعلوا شيئاً في وقت كان يجب ان يعلنوا حالة طوارئ سياسية وانتخابية من أجل الإتفاق على القانون الموعود، لكننا نراهم لم يقدموا على خطوة كهذه».

وإذ شدّدت المصادر على أنّ البطريرك «لا يغطّي «الستين» بل يعتبر أنّ الإقرار بالفشل ليس عيباً»، حذّرت من «أن يُستغلّ كلامه في غير مكانه وان يبنوا عليه من أجل الإبقاء على الوضع الحالي». وقالت: «غبطته يحذّر من الكارثة الكبيرة المقبلة وينتقد ازدواجية البعض الذين يرفضون الستين علناً ويريدونه من تحت الطاولة».

طريق مسدود

سياسياً، لعل العلامة الإيجابية الشكلية التي طَفت على السطح تجلّت في انطلاق الموازنة العامة للسنة الحالية في رحلة الدرس والنقاش حولها في اللجنة النيابية للمال والموازنة، بما يعطي الاشارة الى انّ لبنان قد يدخل، في نهاية النقاشات إن استمرت بشكل انسيابي كما هو مفترض، الى عودة مالية الدولة الى الانتظام بعد اكثر من 11 عاماً من الوضع الشاذ الذي حكم الدولة في ظل عدم وجود موازنة.

الّا انّ الصور الاخرى تَشي بغير ذلك، سواء لناحية العمل الحكومي شبه المعطل، الّا اذا نجحت المحاولات الجارية لدب الروح ولو جزئياً في نشاط الحكومة وعودتها الى الانعقاد بجدول اعمال عادي، حيث قالت مصادر وزارية لـ«الجمهورية» انّ مشاورات تجري بين القصر الجمهوري وبيت الوسط لعقد مثل هذه الجلسة، على ان يكون جدول اعمالها عادياً ولا يقارب فيه الملف الانتخابي.

واللافت هو انّ المصادر الوزارية لا تستطيع تأكيد نجاح هذه المشاورات او فشلها في اعادة اطلاق عجلة مجلس الوزراء، خصوصاً انها تملك معطيات مفادها انّ اطرافاً فاعلة ونافذة سياسياً، تربط انعقاد ايّ جلسة لمجلس الوزراء بالتوصل الى قانون انتخابي قبلها، وهو ما ليس ممكناً حتى الآن تبعاً لفشل القوى السياسية في الوصول الى قانون توافقي.

وآخر فشل سجل على هذا الصعيد ظهّره الاجتماع الرباعي المطوّل الذي عقد ليل الاحد في بيت الوسط في حضور رئيس الحكومة سعد الحريري، وزير المالية علي حسن خليل، وزير الخارجية جبران باسيل والمعاون السياسي للأمين العام لـ«حزب الله» الحاج حسين خليل ونادر الحريري.

وعلمت «الجمهورية» انّ هذا الاجتماع فشل في بلوغ نقاط تفاهم مشتركة حول اي من الافكار والصيغ التي بحثت، حيث جرى استعراض بعض الصيغ المطروحة وخلاصتها تمسّك باسيل بالمشروع التأهيلي على اعتباره الافضل مسيحياً ويؤمن عدالة في التمثيل.

على انه في موازاة الليونة الحريرية حيال المشروع التأهيلي، برز رفض صريح لهذا المشروع من قبل «الخليلين»، مع تمسكهما بطرح النسبية الكاملة. واتبع ذلك بإعلان «حزب الله» على لسان رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد رفضه صراحة للمشروع المختلط الذي قدمه الحزب التقدمي الاشتراكي.

يشار في سياق الطرح الاشتراكي الى انّ وفداً من الحزب الاشتراكي زار امس الحريري، وجرى التداول في الاتصالات الجارية مع مختلف الأطراف لبلورة مشروع قانون انتخاب جديد. وشرح الوفد مضمون مشروع القانون الذي طرحه الحزب في هذا الخصوص. وضمّ الوفد كلّاً من تيمور جنبلاط والوزير أيمن شقير والنائبين غازي العريضي ووائل أبو فاعور، وحضر اللقاء نادر الحريري.

الّا انّ ما لفت الانتباه ربطاً بالمشاورات الاخيرة استياء «التيار الوطني الحر» من نَعي البعض المتعمّد للمشروع التأهيلي، وبرز ما نقلته قناة الـ otv من انه «على عكسِ ما يُشاع أو يُقال، لا يزالُ قانون التأهيل بصيغته الأخيرة، على قيد الحياة».

وعكست الخشية من ان «تؤديَ «عجقةُ» المشاريع والاقتراحات الى المساهمة - بقصدٍ أو من دونه - في إغراق النقاش وإضاعة الوقت، بلوغاً إلى موعد 15 ايار، الموعد المحدد لفرض التمديد.

وإذ اعتبرت انّ «السعي الى تمرير التمديد بالقوة السياسية سيأخذ البلاد نحو أزمة سياسية كبرى»، أعلنت «انّ المَحرومين من الاقتراع في الصناديق، لن يُمنَعوا من ممارسة حقهم في الاقتراع بالأقدام».

حركة مشاورات

الى ذلك، علمت «الجمهورية» انّ الساعات الاربع والعشرين الماضية سجلت حركة مشاورات مكثفة، سواء في داخل القوى السياسية، او ما بين بعضها البعض، إنما على شكل ثنائي محدود، وأبرزت في هذه المشاورات انّ غالبية القوى السياسية باتت تحت ثقل عامل الوقت وتستشعر خطورة جدية من الاحتمالات السلبية التي يمكن ان يدخل فيها البلد فيما لو استمر الافق الانتخابي مسدوداً على ما هو عليه الآن، من دون الوصول الى ما يضع الملف الانتخابي على سكة التوافق.

وبحسب المصادر، فإنّ موعد انعقاد جلسة التمديد في 15 ايار يضغط على الجميع، وبلوغ الحائط المسدود سيحتّم الوصول الى الاختيار الصعب بين التمديد للمجلس النيابي، او اجراء الانتخابات وفق قانون الستين، او الدخول في فراغ.

أمل موجود

الّا انّ مواكبين عن كثب للمشاورات الجارية على الخط الانتخابي لفتوا الانتباه الى انه على رغم ضغط الوقت، فإنّ فسحة الأمل ما زالت موجودة. وكشف هؤلاء انّ هناك تعويلاً على دور فاعل لرئيس الجمهورية قد يبرز في اي لحظة، ومساعد في اتجاه وضع الملف الانتخابي على السكة، من دون ان يستبعد المعولون على هذا الدور أن ينحى الرئيس في اتجاه تبنّي القانون النسبي من حيث المبدأ، وامّا تقسيم الدوائر فسيتم توافقياً.

وفي السياق ذاته، تحدث أحد المشاركين في النقاشات الانتخابية لـ«الجمهورية» عن تطورين بالغي الدلالة: تجلى الأول في التقاء المرجعيتين الروحيتين المارونية والسنية على رفض الفراغ، مع تغليب إجراء الانتخابات على اساس قانون الستين، امّا الثاني فتجلّى في طرح جديد ولد في الساعات الاخيرة ويتم تداوله بين القوى السياسية ويرمي الى تمديد تقني لمجلس النواب من ثلاثة اشهر الى ستة، على ان يسبق هذا التمديد تعهّد خطي توقّع عليه الاطراف السياسية، بالوصول الى قانون انتخابي خلال الفترة الممددة وإجراء الانتخابات على أساسه.

عون والعقوبات

في موقف هو الأول من نوعه تجاه التهديدات الأميركية بقرارات جديدة تستهدف «حزب الله» واطرافاً لبنانية متحالفة معه، رفع امس الرئيس عون لهجته أمام وفد مجموعة العمل الاميركية من اجل لبنان «تاسك فورس فور ليبانون» الذي استقبله في قصر بعبدا، برئاسة السفير السابق ادوارد غابريال.

وقال عون رداً على اسئلة اعضاء الوفد: «انّ مشروع القانون الذي يجري إعداده في الكونغرس لفرض عقوبات مالية جديدة على احزاب ومؤسسات واشخاص لبنانيين، سيلحق ضرراً كبيراً بلبنان وشعبه».

واعتبر انّ مثل هذه الإجراءات الأميركية «لا تأتلف مع حجم ونوعية العلاقات اللبنانية - الاميركية التي يحرص لبنان على تعزيزها في مختلف المجالات».

وأبلغ عون الوفد بأنه «كلّف من يجري الإتصالات اللازمة مع الإدارة الأميركية للحؤول دون صدور هذا القانون»، وانّ لبنان على استعداد للتعاون مع واشنطن وغيرها من دول العالم متى اتصل الأمر بمواجهة ومكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة ونقل الأموال بطرق غير شرعية.

أقصر الطرق

وعلمت «الجمهورية» انّ عون ابلغ هذه المواقف الى الوفد الأميركي الذي سيعود قريباً الى واشنطن باعتباره أقصر الطرق لإيصال موقف لبناني رسمي الى الإدارة الأميركية الجديدة بشكل واضح لا يحمل اي تأويلات او تفسيرات مزدوجة، فاللبنانيون موحدون تجاه ما يحفظ وحدة لبنان وأمنه وسلامة اراضيه.

وعلم أيضاً انّ من بين اعضاء الوفد من شارك في الحملة الإنتخابية للرئيس الأميركي دونالد ترامب وهم من اقرب المقرّبين اليه وستوكل اليهم مهام دقيقة في المرحلة المقبلة لترجمة القرارات الأميركية تجاه لبنان خصوصاً ومنطقة الشرق الأوسط عموماً.

ولفت عون امام اعضاء الوفد الى انّ لبنان «لا يمكنه ان يتحمّل مثل هذه القرارات الكبيرة التي تهدد دولاً وليس مؤسسات بحد عينها». وشدد على «أهمية ان تراعي الإدارة الجديدة الخصوصيات اللبنانية وحجم «حزب الله» ودوره في الداخل اللبناني، وانّ ما يقوم به الحزب في الخارج لن تكون له اي انعكاسات في الداخل اللبناني ولا يمكن استثماره في القضايا اللبنانية الداخلية. وطلب من اعضاء الوفد إطلاع الإدارة الأميركية على هذه القضايا

بالتفصيل للتخفيف من حدة الإجراءات الأميركية التي لن تقف عند بعض المؤسسات والأشخاص بحد ذاتهم بل ستطاول الاقتصاد اللبناني برمّته.
وتحدث عون عن مرحلة ما بعد انتخاب رئيس الجمهورية والمتغيرات الكبيرة التي أحيَت الأمل بقيام لبنان ومؤسساته الدستورية والعسكرية بالأدوار الكبرى المكلفة بها.

فرحّب الوفد باستعادة هذه المؤسسات دورها وانتهاء مرحلة الشلل واضعين إمكاناتهم بتصرّف لبنان ورئيسه وحكومته، مؤكدين انّ من أهم اهداف الزيارة استقصاء الوضع في لبنان لتقدير حاجاته على كل المستويات، وانهم مكلفون نقل هذه التوجهات في زيارتهم الحالية ولقاءاتهم القيادات اللبنانية للاطلاع على الحقائق والتي يمكن ان تخدم استراتيجية السلام في المنطقة ولبنان بشكل خاص.

وأكد رئيس الوفد اهمية ان يقوم رئيس الجمهورية بزيارة الى الإدارة الأميركية ولقاء ترامب بأسرع وقت ممكن لوَضعه في اجواء لبنان وما يحتاجه في هذه الفترة ولا سيما على مستوى المساعدة العسكرية والديبلوماسية والإقتصادية.

واكد الوفد استعداده للقيام بالإتصالات اللازمة لتوفير ما يحتاجه لبنان من دعم عسكري وسياسي وديبلوماسي واقتصادي. وذكّر بحجم المبادرات السابقة التي خاضَتها المجموعة لمصلحة لبنان من كل النواحي. ونَوّه بجهد القوى العسكرية والأمنية اللبنانية في مواجهة الارهاب وانّ لكل ذلك صدى ايجابياً في الأمم المتحدة وواشنطن وعواصم العالم الكبرى وخصوصاً تلك التي عجزت عن مواجهة عمليات خطيرة ومعقدة مماثلة لتلك التي شهدها لبنان.

إستهداف «داعش» و«النصرة»

وبعيداً عن الجدل السياسي، وفي تطور أمني نوعي، نفذ الجيش ليل أمس عمليات عسكرية واسعة في جرود القاع ورأس بعلبك وعرسال، وقصَف بالمدفعية الثقيلة والراجمات مواقع المسلحين بعد رصد تحركات مشبوهة، فيما سجلت مشاركة واسعة للطيران المروحي، وسمع صوت القصف بوضوح في منطقة البقاع الشمالي.

وأكد مصدر عسكري رفيع لـ«الجمهورية» أنّ ما حصل هو عملية استباقية نتيجة رصد ومراقبة تحركات الارهابيين، وقد أغارت المروحيات بكثافة على أكثر من موقع وتجمّع لـ«داعش» في جرود رأس بعلبك، كما استهدفت اجتماعاً لقيادات «جبهة النصرة» في جرود عرسال موقعة خسائر كبيرة، حيث أفادت المعلومات الأولية عن وقوع أكثر من 20 مسلحاً بين قتيل وجريح.

كنعان

وعشيّة جلسة لجنة المال والموازنة، سألت «الجمهورية» رئيس اللجنة النائب ابراهيم كنعان: هل يمكن ان تضيفوا بنوداً لتحسين الايرادات او خفض الانفاق من اجل خفض العجز المُقدّر؟

فأجاب: «هناك اكثر من بند ممكن العمل على تخفيض حجمهم كالمساهمات التي تذهب في بعضها لمؤسسات غير فاعلة او وهمية وبعض الاعتمادات التي تتكرر سنوياً وتشكل زيادة غير مبررة بالانفاق الخ... أمّا تعزيز الايرادات فسنناقش مسألة الجباية ومكافحة التهرّب الجمركي بالاضافة الى إصلاحات أخرى».

وعن موقفه من المادتين 54 و66 المتعلقتين بالضمان الاجتماعي لجهة إلغاء براءة الذمة وتقسيط ديون الدولة للضمان بلا فوائد، قال كنعان: «نحن مع كل ما يؤدي الى حماية المضمونين وسنستمع الى رأيهم باهتمام والى ادارة الضمان الاجتماعي».

ولدى سؤاله: هل تملكون صلاحية دمج السلسلة بالموازنة المقترحة؟ اجاب: «كلا، لأنّ مشروع السلسلة محال الى المجلس بشكل مستقل وصلاحية سحبه او دمجه تعود للحكومة».