هُم مجموعة من شباب قادة الحراك المدني في العراق جاءوا إلى لبنان في زيارة من أبرز أهدافها لقاء ممثل مرجعية النجف الدينية في لبنان الحاج حامد الخفاف لتعزيز التواصل، فكانت مناسبة لنقاش مُسهب عن أهداف الحراك الاحتجاجي في وجه القوى السياسية المتحكمة في مفاصل الدولة، التي فشلت في تأمين الحد الأدنى من المتطلبات الحياتية للمواطنين نتيجة الفساد المستشري في الدولة، ونظام المحاصصة المُعطّل لإمكانية قيام الدولة التي يطمح إليها العراقيون، والذين ظنّ كثير منهم أن سقوط صدام حسين هو بداية مسار تحقيق «الحلم العراقي».
لا يمكن لنقاش مع مجموعة يحدوها الكثير من الأمل بالقدرة على التغيير، أن تغلب عليه «النظرة الواقعية» وإنْ كانت تنتمي إلى جيل مخضرم تأثر بحركات التحرّر والماركسية والليبرالية، أو برومانسية الشعراء وعالمهم اللامحدود، في زمن صدام حسين، الذي يصفونه بـ «الطاغية» وتعتصرهم الخيبة بعد «السقوط» من الطاقم السياسي الذي جاء آنذاك ممثلاً الغالبية العددية العراقية ليمسك بمقدرات البلاد بغية بناء مشروع دولة مواطنية، فإذا به يعيدها عصوراً إلى الوراء، من الفقر والجهل والطائفية إلى «اللادولة». فرغم الاخفاقات وتجربة السنين ومرارتها لم يستسلموا، وما زالوا توّاقين إلى مشروع تغييري طموح أقرب إلى «الأحلام الوردية» – وهو الوصف الذي أطلقته على حماستهم في النقاش عنه – فلم يرق ذلك كثيراً لبعضهم!
الفساد أصبح أهم مؤسسات الدولة
البداية كانت عن توصيف العراق اليوم؟ تولى الردّ فارس حرّام، الناشط السياسي وأستاذ الفلسفة في «جامعة الكوفة» الذي اعتبر أن «العراق يمرّ بمنعطف تاريخي منذ 2003، وهذا المنعطف لم يُفسح عن آخر المشوار. حدثت تجارب مريرة فيه وكان مليئاً بالدم والدموع وبالتحدّي أيضاً. ولكن حتى الآن، تريد بعض القوى جرّ هذا المنعطف إلى جهة الاستبداد والهيمنة وترسيخ نوع من أنواع التحكم بالدولة، فيما تحاول جهات أخرى جرّه ليكون تأسيساً لدولة جديدة ديمقراطية حرة وفدرالية تعتني بالحقوق المدنية الأساسية العامة والخاصة».
وأسال: مَن هؤلاء، مَن هي الجهات المتقابلة؟ يبادرني جاسم الحلفي، الناشط المدني والسياسي من موقعه القيادي في الحزب الشيوعي العراقي: «المشكلة هي في بنية النظام السياسي الذي بُني عام 2003 على أساس نظام المحاصصة الطائفية والاثنية. هذا النظام أنتج أزمات، حيث خلق بيئة للتطرّف والإرهاب والعنف ومناخا للفساد تمرّس في مفاصل الدولة. صحيح أن الفساد كان في زمن صدام حتى في برنامج الأمم المتحدة «النفط مقابل الغذاء»، ولكن بعد التغيير، أصبح الفساد ظاهرة كبيرة، لا بل أصبح مؤسسة من أهم مؤسسات الدولة التي لديها ميليشيا وإعلام وخطاب ناعم يدافع عنها، متمرّسة في كل مفاصل النظام السياسي. وهذه المحاصصة جعلت الصراع بين المتنفذين يدور دائماً حول السلطة، ليس بما تعنيه من خدمات، بل من صفقات ونفوذ ومال ووجاهة. الآن تحوّل الصراع بين المتنفذين على السلطة إلى صراع الشعب العراقي، وأكاد أقول برمته، ضد هذه الطغمة الحاكمة الفاسدة.
ولكن التوصيف في رأيي لا يزال عاماً، هل الطغمة الحاكمة التي تتحدثون عنها هي «التحالف الشيعي»؟ يعلق فارس حرّام: «كل المهيمنين على الطبقة السياسية». ويتابع جاسم الحلفي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، شارحاً: «إنه نظام المحاصصة الذي قسّم الشعب العراقي بين ثلاث قوى: التحالف الكردي والتحالف السني والتحالف الشيعي، ولكن قد أتفق معكِ أن التحالف الشيعي هو الركيزة الأكبر الذي يمثل أكثرية الشعب».
الحرب المذهبية هدفها تثبيت أقدام السلطة
ومَن هي المجموعة الأخرى؟ يشرح فارس: «إنهم كل المتضررين من هذا النظام، من كل الطوائف والمذاهب والأديان. تركوا مدنهم بسبب الإرهاب ومنهم من فقد فرص العمل بسبب الفساد. ولكن لم يكن التفريق بين الجهتين واضحاً في البداية. فبعد السقوط، كانت هناك آمال علقها الناس على كثير من القوى السياسية الموجودة الآن وأعطوهم ثقتهم عبر الانتخابات حلما بأن العراق القادم هو الأفضل، ولكن بعد التوتر الطائفي الشديد الذي حدث بعد 2006 و2008، وكانت ذروته في 2007، بدأت بعض الأشياء تتكشف بأنه ربما هذه الحرب الطائفية هي حرب مفتعلة. والغرض منها إلهاء الناس. صحيح أنه كانت هناك حساسيات طائفية إلا أنها لم تتحوّل إلى توتر طائفي عنيف يستخدم العنف للدفاع عن الطائفة. في كل دول العالم توجد هويات فرعية وهوية أساسية التي هي هوية الوطن. الهويات الفرعية موجودة في العراق وكانت متعايشة، وربما استخدم النظام السابق بعض التفاصيل لهيمنة هوية السنة على العراق، ولكن في النتيجة لم يكن التوتر بمستوى العنف بين السنة والشيعة قبل 2003. فما بدا وصوّر للعراقيين أنها حرب وجود بين طائفتين، ظهر في ما بعد أنها مفتعلة عند الناس، وأن هذه القصة هي عملية إلهاء للناس لكي يثبت من هم في العملية السياسية أقدامهم ويسيطروا. التمييز بين المجموعتين أخذ يتوضح بعد التوتر الطائفي في 2006 و2007».
يلتقط الحلفي الحديث من هنا موضحاً: «عندما جاءوا إلى السلطة بعد التغيير، جاءوا ضمن المشروع الأمريكي الذي هيّأ للطائفية والتقسيم الطائفي، من «مؤتمر لندن» إلى «مؤتمر صلاح الدين» ومؤتمرات المعارضة العراقية التي تأسست بذهنية المحاصصة. هم أشاعوا نظرية المخاوف. قسّموا الشعب العراقي إلى ثلاثة أقسام: السنة عندهم خوف من الشيعة والكرد، والشيعة عندهم خوف من السنة، والأكراد متوجسون من العرب، والعرب ناقمون على الأكراد». ويسترسل: «هذه التقسيمات الوهمية خلقوا منها تحالفات سياسية. التحالف الأكبر كان الشيعي، فقسموا الموضوع كأنما الشيعة يرفعون المظلومية عن الشيعة، والسنة يعوّضون خسارة السنة، والأكراد يحققون حلمهم القومي».
الناس كانت مقتنعة، إلى حد ما، بهذا المشروع ولكن عندما عجز هذا النظام عن توفير الأمن والخدمات وفشل في تحقيق الأمن وتوفير أبسط الخدمات، تبدّل المزاج الشعبي.
الحراك تأثر بالربيع العربي
يدخل فارس حرّام على خط الحديث: «بعد ما سمّيَ بالربيع العربي 2011، تساءل العراقيون مرة أخرى: أين نحن من هذه الثورات؟ لقد منحنا 8 سنوات للسياسيين الجدد بعد 2003 ولم يحدث تغيير حقيقي، وبقيت الخدمات متردية، فظهرت بوادر الاحتجاج على مرحلة ما بعد 2003 بأقوى أشكالها في يوم 25 شباط/فبراير 2011 عندما دعا العراقيون إلى تظاهرات كبرى، قمعتها طبعاً الحكومة ولكن هذه التظاهرات هي التي نستطيع أن نقول أنها كشفت، عن مستوى عال، ما تأسس عليه التوتر الطائفي من تمييز بين هاتين المجموعتين. ومن 2011 حتى الآن ونحن نشهد أن هذا الانفراج يتوسّع والهوّة تكبر بين المجموعة التي تسيطر على الحكم وبين الشعب. ونعتقد أن هذه الهوة تزداد باستمرار».
ولكن لأي مدى هذا الحراك الشعبي قادر على التأثير إذا لم يكن مدعوماً من قوى سياسية؟ يجيب الناشط المدني والإعلامي والشاعر أحمد عبد الحسين عارضاً للمشهد العراقي من وجهة نظره: «في العراق منذ 2003 وحتى الآن، كانت القوى المدنية والعلمانية في العراق هي حالة احتجاج لا أكثر. كثفت هذه القوى العلمانية من حركة الاحتجاج على ما يحدث بفعل نظام المحاصصة والفساد والطائفية. هي كانت مجرد ردّة فعل، ولكن هذا الاحتجاج خلق جمهوراً خاصاً به، وهذا الجمهور بدأ ينمو ويستقطب من جمهور الأحزاب الطائفية، والمستقبل ليس للإسلاميين».
مَن تقصد تحديداً عندما تقول الإسلاميين؟ يُجيب بكثير من الصراحة: «لا أحزاب دينية سنية تحكمت بالوضع في العراق. نحن نقصد الأحزاب الشيعية. عنوان الفساد والتسلط هو الشيعي، هذا لا يعني أن السنة براء من هذا الموضوع».
ولكن لنعد إلى صورة الحركة الاحتجاجية، تقولون ان الاحتجاج العلماني بدأ يأخذ صورة واضحة في 2008 بعد توترات الحرب الأهلية، وتعزز بعد احتجاجات «الربيع العربي» ماذا يمكن أن ينتج عنه؟
يتابع أحمد عبد الحسين: «كنا نتفاجأ باستمرار أن هناك ناساً وليس مجرد مجموعة من النخب المنكفئة على ذاتها وتتكلم من برج عاجي. الدليل الأوضح كان 31/7/2015، حيث دعيت أنا إلى احتجاج عام في بغداد، وكنت أتوقع أن يأتي جمهور من 100 إلى 200 وإلى 500 شخص وألف كحد أقصى. وإذ بنا نتفاجأ بحضور ما لا يقل عن 50 ألف شخص إلى الساحة، وهكذا كرّت السبحة لتصل إلى تظاهرات مليونية وندخل إلى المنطقة الخضراء ونحتلها، وكان بإمكاننا أن نسقط هذه الحكومة.
ولكن ما كان لهذه الأعداد أن تكون مليونية لولا حشود مقتدى الصدر والدعم من المرجعية الدينية؟ هنا يتشعّب النقاش كثيراً. أحمد عبد الحسين يبدو الأكثر جرأة في التعبير عن الموقف: «لم نتعاون مع مرجعية السيد السيستاني إلا حين دعا إلى الدولة المدنية». يتدخل ابن النجف فارس حرام محاولاً الإيضاح: «المرجعية قالت مبكراً أنها ليست مع الدولة الدينية». يعود عبد الحسين ليؤكد موقفه بأن الحركة الاحتجاجية لم تتعاون كذلك مع الصدر إلا حين أعلن أنه يتماثل مع الحركة المدنية، مكرراً ما قاله لهم: «أنتم قادتي، أنتم في الأمام وأنا مِن خلفكم وأخوّلكم تمثيل أهداف الشعب».
أين المكون السني؟
من سياق النقاش الدائر يبدو واضحاً أن الحراك المدني أو الاحتجاجي في العراق هو احتجاج شيعي بغالبيته وضد القوى الشيعية الحاكمة، ما يطرح سؤالاً جوهرياً: أين هو المكوّن السني؟
يذهب أحمد عبد الحسين إلى رسم معالم الواقع السني الراهن: «المجتمع السني غير قادر على إفراز قيادات علمانية. والسبب يعود إلى الاضطهاد الذي تعرّض له السنة، وليس بالضرورة من الحكومة. أحيانا من أنفسهم وبسبب تسلط القوى الإسلامية الراديكالية في الأنبار والموصل، وبسبب تعويل أغلبية المجتمع السني على أي معارض للنظام، حتى لو كان حاملاً للسلاح أو ذا ميول إسلامية حادة. النتيجة أن المجتمع السني منقسم انقساماً حاداً، وغالبيته بين مهاجر ومهجّر إلى الخارج أو داخل العراق. هم يعاملون أنفسهم باعتبارهم أقلية. حتى الآن حاولنا أن نلتقي أشخاصاً منهم. كان هناك خوف من أن يكونوا في الواجهة، وأفهم هذا الخوف بسبب الرعب الذي عاشوه من الاضطهاد المذهبي من قبل الشيعة المتشددين، ومن قبل الإسلاميين السنة. حتى الآن لم يتجاوبوا».
لكن مدير تحرير «طريق الشعب» (التابعة للحزب الشيوعي) ياسر سالم الذي صادف وجوده في بيروت مع زيارة نشطاء الحراك الثلاثة وشارك في النقاش، كانت له قراءة للمشهد السني تنطلق من أن «السنة كانوا منذ 2003 معارضين للنظام ولم يصوتوا على الدستور، ولم يشاركوا في الانتخابات الأولى. ولكن في الانتخابات الثانية، حين دخلوا في تحالف علماني مع أياد علاوي حصلوا على أكثرية الأصوات من كل القوى السياسية، وعندما انفرزوا طائفياً ضعفوا». ويذهب إلى القول «إنهم في الحراك الاحتجاجي، قبل نزول مقتدى الصدر كانت نسبة الذين يعبرون من الكرخ وهي منطقة ذات أغلبية سنية إلى ساحة الاحتجاج كبيرة جداً. وهذا مؤشر على انخراط السنة في الصراع المدني -الطائفي. هم يمثلون الطبقة الوسطى أكثر من الشيعة ولكنهم تعرضوا لنكبة، بحيث بات تفاعلهم مع العملية السياسية ليس قويا وإيجابياً».
وفي رأيه أن قيادات سنية جديدة سوف تظهر في المدى المستقبلي لأن القيادات التي كانت تدّعي تمثيلها للمكوّن السني قد احترقت. مرد اعتقاده أن ثمة شخصيات قاتلت في المناطق السنية وحملت السلاح في وجه النظام، في حين انسحبت القوى السياسية في المحافظات الأربع وانكفأت على نفسها ولم تلعب أي دور سوى التلاعب بالقوى السياسية الشيعية. اليوم هناك فاعلون محليون في مناطقهم على مختلف الصعد، منهم من قاتل بشراسة كي لا تسقط منطقته كحديثة وآمر لي ومنهم من قاوموا بشدة كالرطبة. وهؤلاء الفاعلون لعبوا بعد أن تحررت مناطقهم دوراً بإعادة النازحين والمطالبة بالحقوق. هذه القيادات لا تزال وجوهاً جديدة ناشئة، ولكنها في المنظور المستقبلي سوف تهيئ لقيادات علمانية لأن المكون السني من مصلحته ألاّ يتحدث بأسلوب المكوّنات، كونه أقلية، ومن مصلحتهم أن يتحدثوا بخطاب وطني مدني، وسوف يكتشفون ذلك رويداً رويداً، وسيكون عندهم تمثيل في هذا الاتجاه».
الرهان على الانشطارات داخل القوى
على ماذا تراهنون في المستقبل؟ هذه الحركة الاحتجاجية لديها أهدافها، ألا تخشون من استغلالها؟ يستخدمونكم اليوم ويرمون بكم غداً؟
هذا الاستنتاج أو التخوف هو في اذهاننا، يقول أحمد عبد الحسين، فكثير من الانتقادات التي واجهت الاحتجاج العلماني كانت منصبة على هذا السؤال بالتحديد: كيف يمكن أن تحصنوا هذه الحركة من أن يركبها الطائفيون؟
يرد جاسم الحلفي: «نحن نريد أن نعمل إطاراً سياسياً لهذا الحراك، سواء الحراك الاحتجاجي أو المدني عابر للطائفية بكل أشكالها، وهذا هو التحدي أمامنا. ولكن في المقابل الجميع يراهن على الحراك المدني. نحن ندرك أن ركيزة النظام السياسي هي القوى الثلاث: السنية والشيعية والكردية. ولكن أقواها التحالف الشيعي الذي يستند أيضاً على ثلاث ركائز: حزب الدعوة (نوري المالكي وحيدر العبادي)، والمجلس الأعلى (عمّار الحكيم) والتيار الصدري (مقتدى الصدر). هؤلاء أخذوا مرجعية دستورية عبر الانتخابات، إنما مرجعية النجف هي التي أعطتهم الشرعية المجتمعية. ومن الواضح بمكان أن هناك شرخاً كبيراً بين تلك الأحزاب والمرجعية، باستثناء الصدر الذي علاقته جيدة بها».
أنتم تراهنون على اتساع الهوّة؟ أصلاً أنتم هنا التقيتم ممثل المرجعية، فلماذا جئتم إلى بيروت للقائه ولم تلتقوا من يمثلها في النجف… ما الهدف؟
يرد جاسم الحلفي قائلاً: «إن الحاج حامد الخفاف صاحب كلمة وتأثير ومتابع بدقة لما يجري. كانت لدينا رغبة بأن نتواصل أكثر مع المرجعية لكي نوصل إليها صورة واضحة عن مجريات الحراك».
يأخذ الحديث فارس الحرام مضيفاً «إننا نقلنا التصوّرات العامة لمتظاهري العراق حول أبرز تحديات البلاد، من أزمة النظام السياسي، والمحاصصة الطائفية والفساد وما أنتجته من أرضية مناسبة للتطرف والعنف والارهاب، إلى تعنت السلطات بعدم الاستجابة لمطالب المتظاهرين، إلى التحدي الأكبر في هذه المرحلة، المتمثل بمسألتي قانون الانتخابات وعضوية المفوضية، ولاسيما أن قانون الانتخاب سيرسم المسار الذي سترسو عليه التكتلات الحزبية».
قادة الحراك، الآتون من مناخات علمانية جوهرياً، أو على الأقل من منطلقات ترفض قيام دولة دين، يراهنون على مرجعية النجف، وتماهي المرجعية مع حراك ذات طبيعية مدنية علمانية. ولعل ذلك يعود إلى إدراك «العقلاء» بأن اللعب على الوتر المذهبي والطائفي هو اللغم الذي انفجر في العراق، والذي سيبقى ينفجر إذا لم يتم الخروج من مستنقع الطائفية المذهبية.
أهمية مقتدى الصدر أنه عراقي الانتماء
على ماذا تراهنون؟ يردون بالقول: «ببساطة نراهن على اتساع الشرخ داخل كل القوى، سواء أكانت شيعية أم سنية أم كردية. كل القوى مأزومة، ولكن لا شك أن تفسخ التحالف الشيعي، بوصفه الركيزة الأقوى للنظام، سيساعد في خلخلة النظام».
وهنا يدخل التنسيق مع مقتدى الصدر، وكأن مشروعه فعلاً هو مشروع علماني… أليس هناك تناقض في مشروعكم ورؤيتكم؟
تتداخل الإجابات بين الحاضرين ليخرجوا بخلاصة: «هناك حركة احتجاجية وهناك ما يمكن أن نسميه مباركة من المرجعية وتنسيق مع التيار الصدري ومع رئيس الوزراء حيدر العبادي. التيار الصدري هو تيار مجتمعي تنتمي إليه أكثر الطبقات الفقيرة التي عاشت الحرمان والجوع ونقص الحاجات والخدمات، وهو التيار المجتمعي الأكثر تضرراً من نظام المحاصصة، لذلك انخرط في الحراك وأصبح جزءاً منه. الجزء الأكبر من الجمهور الشيعي غير تابع لإيران. هناك وطنية عراقية تصل إلى حد «العنصرية». أهم نقطة تميّز التيار الصدري أنه عراقي صرف، وعنده عداء لإيران يظهر أحياناً بشكل واضح. فالشعار الذي صدحت به أصوات المتظاهرين «بغداد حرة حرة… إيران برّا برّا» خير دليل على تلك الروح الوطنية الكامنة في نفوس الكثير من العراقيين».
المعركة الفاصلة هي قانون الانتخاب
في الخلاصات التي يدركونها أن أي تحالف أو تعاون أو تنسيق سيكون على أساس الهوية الوطنية ورفضاً للمشروع الطائفي برمته. المعركة الحامية ستكون على قانون الانتخابات. يقول فارس الحرام: «كفاحنا ينصب على نظام القانون المقبل، وهدفنا هو أن نقلل، قدر المستطاع، من إعادة إنتاج الطبقة نفسها. نحن مستعدون وعندنا نوع من التناغم مع المرجعية وكثير من القوى، ويمكن أن ندعو إلى أقصى قدر من الاحتجاج حتى ولو كان عبر النوم في الشوارع، كي لا يُطبّق قانون الانتخابات المقبل».
جلّ ما يطمحون إليه في الانتخابات المقبلة هو توسيع رقعة مراقبة مالية الدولة، واستخدام الرقابة والأداء السياسي وتوسيع حلقة المخلصين للعراق، والضغط أكثر ما يمكن على ممثلي الشعب حتى لا تكون قراراتهم قرارات ذات بعد مصلحيّ، أو نوعاً من أساليب السرقة.
يقولون: «نحن كحركة مدنية ليس بالضرورة أن نتمثل جميعنا في البرلمان. نحن سنكافح الفساد والمحاصصة. سنُبقي على إمكانية الحراك الاجتماعي الموجود في الشارع. وستكون لنا أذرع قوية وضاغطة يمثلها الحراك المجتمعي ليس فقط عبر الاحتجاج والتظاهر وإنما في جميع أشكال الحراك المدني الذي أصبح قوياً ومؤثراً ومهماً». باختصار، تنظر تلك المجموعة من قادة الحراك المدني، إلى أن الصراع المجتمعي لم يُحسم بعد، وأن العراق في خضم صراع قوي لن ينتهي «في لحظة أو لحظتين». الحديث يدور حول دخول رياح التغيير. والمشروع هو تغيير مجتمعي لا تغيير سياسي، ولا استعجال للنتائج: «سنسلّم الراية للجيل الذي يأتي بعدنا إذا لم نصل نحن إلى الهدف في هذا الجيل». إنها أحلام وردية… ربما… لكن كل شيء يبدأ من حلم!