مرة جديدة يبعث حزب الله برسالة إلى من يعنيهم الأمر مفادها أن حساباته تختلف عن حسابات الدولة اللبنانية، ومشروعه الخاص منفصل عن المشروع الوطني، وأجندته لا ترتبط بالواقع الداخلي بقدر إرتباطها بالواقع الإقليمي، وأن علاقاته الخارجية لا تسير في الإتجاه الذي تسير عليه علاقات الدولة اللبنانية.
وهذه الرسالة كتب حزب الله حروف كلماتها خلال الجولة الإعلامية التي تولى القيام بها الأسبوع الماضي على الحدود الجنوبية وفي المنطقة العازلة بين لبنان وإسرائيل وعلى الخط الفاصل الذي رسمه القرار الدولي الصادر عن الأمم المتحدة إثر حرب تموز في العام 2006 الذي تم بموجبه التزام الدولة اللبنانية والدولة الصهيونية والتزم به حزب الله مرغمًا على وقف العمليات الحربية بين جانبي الصراع اللبناني والإسرائيلي وحمل الرقم 1701 الذي تولت رعايته وحمايته قوات أممية استقدمت من العديد من دول العالم ضمن إطار قوات الطوارىء الدولية لهذه الغاية.
وخلال جولته الإعلامية فقد تولى أحد مسؤولي حزب الله وهو يرتدي بزة الميدان العسكري القيام بعملية شرح موقف الحزب من الإجراءات الميدانية التي تتخذها إسرائيل على الجانب الآخر من الحدود أمام الوفد الإعلامي الذي شارك في هذه الجولة مع ظهور مقاتلين للحزب باللباس العسكري.
إقرأ أيضًا: قانون الستين هو قانون الضرورة
لا شك أن هذه الجولة الإعلامية لحزب الله في المنطقة الحدودية وداخل نطاق عمل قوات الطوارىء الدولية التابعة للأمم المتحدة اربكت الدولة اللبنانية وأحرجتها ووضعتها على محك التزاماتها بالقرارات الدولية، وخصوصًا بالقرارات الأميركية المتعلقة بفرض عقوبات مالية على حزب الله وعلى أشخاص ومكونات على إرتباط مباشر معه، وأتت في ظل مرحلة بالغة الدقة يواجهها لبنان بعد تصاعد التشدد الأميركي في مواجهة إيران والتنظيمات والميليشيات التابعة لها وعلى رأسهم حزب الله بإعتباره ذراع إيران الأقوى خارجيًا، وبعد التطورات الأخيرة في سوريا والإندفاعة الأميركية الجامحة على خط الأزمة السورية.
إلا أن رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري وتحسسًا مع خطورة اللحظة التي تمر بها المنطقة فإنه لم ينتظر طويلًا، بل سارع في اليوم التالي لجولة حزب الله وكرد عليها ولإحتواء تداعياتها فقد قام بجولة على المنطقة الحدودية في الجنوب بدأها من مقر قيادة القوة الدولية / اليونيفيل / وشملت بعض مواقع إنتشارها المتقدمة مع الجيش اللبناني.
وحرص الرئيس الحريري خلال جولته الحدودية الذي رافقه فيها وزير الدفاع يعقوب الصراف وقائد الجيش العماد جوزف عون على إطلاق مواقف حازمة وصارمة لجهة التزام الدولة اللبنانية بالقرارات الدولية وخصوصًا القرار 1701 مع التأكيد على رفضه خطوة حزب الله مشددًا على ضرورة إعادة الأمور بمجملها إلى الملعب الحكومي والعمل ضمن مندرجات البيان الوزاري مع مراعاته لواقع المساكنة بين إختلافات المكونات السياسية والحزبية اللبنانية التي أشار إليها خلال كلمته من الناقورة حيث قال: " أؤكد التزام لبنان كل قرارات الشرعية الدولية وعلى رأسها القرار 1701 ونحن كدولة رئيس الجمهورية والحكومة ومجلس النواب واجبنا الأساسي حماية الحدود والمحافظة على الأمن والإستقرار لأهلنا في هذه المنطقة العزيزة ".
ولفت الحريري إلى إنتهاك إسرائيل للقرار 1701 مذكرًا بضرورة الإنتقال إلى وقف دائم لأطلاق النار بغية وقف التعديات الإسرائيلية، وأكد على أن " إرادتنا حاسمة بتحرير ما تبقى من أراضينا المحتلة ".
وتعليقًا على جولة حزب الله قال الحريري نحن كحكومة غير معنيين بما حصل ولا نقبل به بكل صراحة.
إقرأ أيضًا: ترامب يسعى لإستعادة مجد أميركا
من جهتها منسقة الأمم المتحدة في لبنان سيغريد كاغ رحبت بزيارة الرئيس سعد الحريري للجنوب بما فيه الخط الأزرق معتبرة أن هذه الزيارة تعكس الشركة المستمرة بين الحكومة اللبنانية والأمم المتحدة لدعم الأمن والإستقرار في لبنان، كما رحبت بتجديد الرئيس الحريري التزام حكومته القرار 1701 مؤكدة على إستعداد الأمم المتحدة للمضي في تنفيذ التزامات هذا القرار.
ولعل أهم ما في جولة الحريري هي محاولة لبنانية للضغط على الأمم المتحدة لممارسة التزاماتها مع إسرائيل للكف عن إنتهاك السيادة اللبنانية بحرًا وجوًا ومن ثم الإنتقال من وقف الأعمال الحربية إلى وقف نار ثابت ودائم.
فحزب الله الذي يمهد لعودته من سوريا خالي الوفاض ودون نصر إلهي فإنه يسعى إلى توجيه الأنظار وخصوصًا أنظار بيئته الحاضنة التي أقنعها زيفًا بمشروعية مشاركته في الحرب السورية إلى جانب النظام ضد شعبه إلى المكان الذي لن يستطيع أحد أن يعترض عليه وهو المنطقة الحدودية مع إسرائيل.
إلا أنه كان للرئيس سعد الحريري موقفا صارما أمام محاولات حزب الله التي قد يؤدي إنفلاتها إلى رمي كرة النار على الحدود اللبنانية الإسرائيلية وإشعال حرب بين الطرفين خارجة عن حسابات كافة مكونات المجتمع اللبناني، وتتجاوز مقدرة لبنان حكومة وشعبًا على تحمل أعبائها وخسائرها.