إذا كان تدليل الصغار عبر لمس أعضائهم التناسلية أو مخاطبتهم بلغة جنسية يُدرجها علم النفس في خانة التحرّش الجنسي بالأطفال وهو ما يجب الكفّ عنه فوراً حتى لو كان ذلك يُعتبر في مجتمعنا "تقليداً طبيعياً"، فإن للتحرّش الجنسي أيضاً أشكالاً أخرى أكثر خطورة وصولاً إلى الاعتداءات الجنسية والتي تحصل للأسف كثيراً في مجتمعنا.
يعرّف الطبيب والمعالج النفسي مرام الحكيم التحرّش الجنسي بأن قيام شخص، ذكر كان أم أنثى، بلمس شخص آخر على المناطق الحساسة، أو التكلّم معه بلغة فيها ايحاءات جنسية ودعوة على ممارسة الجنس، في حين يتمثّل الاعتداء الجنسي بقيام شخص بممارسة الجنس مع شخص آخر (اختراق جنسي) عنوة، أي منتهكاً إرادته.
وفي حالات سفاح القربى تُصبح هذه الاعتداءات أشدّ وقعاً، من الناحية النفسية، لأن ثمة ثقة تكون قد انتُهكت ايضاً.
من الناحية القانونية، تنصّ المادة 490 من قانون العقوبات اللبناني المتعلقة بـ "سفاح القربى" على التالي: "السفاح بين الاصول والفروع شرعيين كانوا أو غير شرعيين أو بين الاشقاء والشقيقات والاخوة والاخوات لأب أو لأم أو من هم بمنزلة هؤلاء جميعا من الاصهرة يعاقب عليه بالحبس من شهرين الى سنتين. اذا كان لاحد المجرمين على الآخر سلطة شرعية أو فعلية فالعقوبة من سنة الى ثلاث سنوات. يمكن منع المجرم من حق الولاية.".
أما من الناحية النفسية، فيلفت د. الحكيم في حديث لـ "لبنان24" إلى أن الأسباب التي تدفع بشخص (ذكر أم أنثى) الى ارتكاب سفاح القربى مع أحد افراد العائلة رغماً عن إرادة الأخير أو مع فارق في العمر، متعددة، يذكر منها: خلل في حالة النفسية عند المرتكب، خجل كبير يحول دون قدرته على التعرّف الى شخص خارج العائلة فيستسهل هذا النوع من العلاقات مع أحد افراد عائلته في ظروف معيّنة أو في خلال عمر معيّن، تعرّضه لاعتداء في مرحلة سابقة فتتكرر المأساة، حالات هرمونية فائقة، كبت جنسيّ كبير في مجتمعه وانعدام حريته في العلاقات الجنسية والاجتماعية، تأثير الكحول أو المخدرات ما يفقده ادراكه...
وعموماً، يصعب ترّصد هؤلاء الأشخاص بمعنى لا يمكن رصد إشارات صادرة عنهم تؤشر إلى قيامهم بمثل هذه الأفعال. يقول د. الحكيم:" من الصعب جداً تحديد "بروفايل" لهؤلاء الأشخاص بمجرد المشاهدة، لكن في حال تمّت دراسة شخصيته علمياً، أو اذا كنا نعرف عنه انه تعرّض لاعتداء في الصغر أو قام بتحرّش ما في فترة سابقة أو أنه يعيش كبتاً معيّناً او حرماناً، فيمكن حينها أخذ هذه الإشارات في الاعتبار.
وفي الحديث عن حالات الاعتداءات الجنسية على الأطفال من قبل أحد الوالدين، يشددّ د. الحكيم على ضرورة أن يتحلّى الطرف الآخر بالوعي الكافي الذي يخوّله اكتشاف الأمر والإسراع في اتخاذ الإجراءات اللازمة. فعموماً، تلتزم الضحية بالصمت، وبخاصة الأطفال، لذلك من الضروري التنبّه لكل الإشارات التي تُنبئ بوجود مشكلة ما. في حال اعتداء والد على ابنه أو ابنته على سبيل المثال، على الزوجة أن تأخذ في الاعتبار مثلاً النقص في العلاقات الجنسية معها، أو سلوك الأب غير الطبيعي أو المبالغ به مع الطفل (ة)، أو تحريض الصغير (ة) على الأم، أو ادمانه على المخدرات والكحول ما يفقده القدرة على التمالك.
إضطرابات الضحية
ليس هذا وحسب، بل الأهم هو رصد الإشارات اللاإرادية التي ترسلها الضحية. فبحسب د. الحكيم، غالباً ما تظهر الضحية إشارات مثل اضطرابات في النوم والأكل، عدائية، انطواء وانعزال عن المحيط وأفراد العائلة، البكاء والخوف، التراجع في المدرسة...وفي هذه الحال، على الوالدة أن تصرّ على معرفة أسباب هذه الاضطرابات عبر استجواب خفيف وواع. ولا ينصح . الحكيم بمصارحة المشكوك بأمره (الوالد) قبل التأكد من الأمر، لأن في ذلك خطراً تدير العلاقة الزوجية اذا كان الأخير بريئاً.
مواجهة الفاعل بعد التأكد من حصول هذه الاعتداءات وحقيقتها أمرٌ لا بدّ منه، وعلى المرتكب بحسب د. الحكيم أن ينال عقاباً ومن ثم يجب إخضاعه إلى علاج نفسيّ:"العقاب دون علاج، ربع الحلّ". بطبيعة الحال، يجب أن تتمّ معالجة الضحية بعمق وبإشراف اختصاصيين وأطباء في علم النفس، كي تتخلص من آثار الإساءة.
ما لا يجب أن يحصل ابداً ومطلقاً هو "التغاضي عن القيام بهذين التدبيرين (العقاب والعلاج)، وأيضاً السكوت عن هذه الاعتداءات. هذه حالات موجودة، بحسب د. الحكيم، إذ تلجأ الوالدة في بعض الأحيان الى تهديد ابنتها في حال فضحت الأمر أو تكلمت عنه مرغمة إياها على الرضوخ، وفي أحيان أخرى لا تجرؤ الزوجة على التدخل رغم علمها بالموضوع.
يقول الطبيب النفسي:" لا يجوز أبداً السكوت أو الرضوخ لأن هذا الأمر بمثابة إساءة ثانية بحق الضحية وانتهاكاً لكرامة الانسان وحقوقه وكيانه. لكن للأسف، ثمة عوامل اجتماعية تدفع الزوجة الى التستر أو الرضوخ، ومنها تفضيلها الصبي على البنت، انعدام استقلاليتها واتكالها على الرجل الذي يعيلها فتخاف أن تخسره، حقوق المرأة المهدورة وغياب الحماية التامّة لها وللضحية... وفي النتيجة، المشكلة سوف تتفاقم، بل قد تستمرّ هذه المأساة الحقيقية لسنوات وسنوات.
من هنا، يدعو د. الحكيم إلى تحديث القوانين أو إقرار أخرى،"فالوضع القانوني مزر! مثال على ذلك، قانون الأحوال الشخصية المجحف الذي يتيح تزويج القاصرات..."
ويختم د. الحكيم بضرورة التوعية حيال هذه المواضيع، لكن ليس بطريقة سطحية أو "سينمائية" تهدف الى الاثارة وجذب الرأي العام، لأن هذا الأمر لا يشجع الضحايا على التكلم وطلب المساعدة، بل بأسلوب علميّ، واع وهادف.