وكما نجح في العملية العسكرية وفي تمرير فترة الأعياد من دون خضات أمنية بفضل الخطة المحكمة التي وضعها مع الأجهزة الأمنية الأخرى، في وقت تمر بلدان مختلفة بخروقات أمنية، استطاع الجيش تحقيق ضربات جديدة موجعة للإرهاب.
نزاع للسيطرة
ويعتبر مهماً، الحديث الذي يتردد في الفترة الأخيرة، والذي تعزّزه التحليلات الغربية والمحلية عن أنّ أبو بكر البغدادي أعطى تعليمات لمناصريه في ظل وضعهم العسكري في العراق وسوريا، بأن يقطعوا من خلال البادية الى لبنان، وتشكّل في هذه الحال الجرود المنفذ الوحيد للوصول إليه، فضلاً عن اعتبار كل من "النصرة" و"داعش" جرود بلدة عرسال منذ بداية الإشكالات عام 2014، قاعدة لوجستية خلفية للأكل والدواء، من هنا الصراع للسيطرة عليها وإمساك الوضع فيها، وهو ما يؤدي الى حركة التصفيات الدورية بين الطرفين في داخل البلدة وخارجها، فضلاً عن أنّ وضعهم بات أسوأ في ظل انتفاضة الأهالي والرفض المطلق لهما داخل البلدة، إلّا أنّ المشكلة الأساسية تبقى في مخيمات النازحين التي تشكل بؤرة أو مصدراً للخطر في هذا المجال.
لم يفتِ لقتل العسكريين؟
من هنا كانت العملية التي نفذت أخيراً وقتل فيها والي القلمون في "داعش" علاء الحلبي الملقّب بـ"المليص" وأوقف عشرة إرهابيين أساسيين خطيرين ومتهمين في تنفيذ عمليات في الداخل اللبناني وضلوعهم في "احتلال" عرسال في آب الـ2014 وخطف العسكريين، وتجدر الإشارة الى أنّ أمير "داعش" الذي قتل وهو سوري من بلدة قارة، لم يفتِ بقتل العسكريين الأسرى كما سُرّب، بل أفتى بتنفيذ عمليات ضد عسكريين وضد مواقع عسكرية لبنانية، لكنه لم يصدر فتوى بقتل العسكريين المخطوفين في آب الـ2014 بحسب المعلومات المتوافرة لدى المحققين حتى الساعة.
علامات استفهام
السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا كان أمير القلمون موجوداً في عرسال؟ التحليلات كثيرة في هذا الإطار، لكنّ المنطق على ما يبدو أنه كان هناك لسببين، أولها الخلافات الموجودة بين "داعش" و"النصرة"، وثانيها الحديث عن محاولة «داعش» وضع خطط لتأمين سيطرته على شريط في المنطقة الجردية يسمح لها بتأمين ممر في حال قرر فتح الجبهة اللبنانية.
لكنّ الأكيد أنّ العملية الأمنية التي جاءت نتيجتها نظيفة من دون أيّ إصابات في صفوف العسكريين، ونتجت عن عمليات رصد ومتابعة دقيقة للمنطقة وبعض من الأشخاص العشرة لفترة طويلة، حيث رصدت الأماكن التي يرتادونها والمخيم الذي دخلوه وحركتهم في هذه المنطقة، كما ساعدت في الوصول إليهم التحقيقات التي حصلت مع موقوفين في قضايا سابقة، أبرزها شبكة أوقف عناصرها منذ فترة قصيرة.
بدوره، يروي مصدر أمني لـ"الجمهورية" أنّ قوة خاصة من مديرية المخابرات قسّمت المنطقة بالتعاون مع وحدات الجيش المنتشرة فيها الى مربعات أمنية لضبط كل الإحتمالات، ونفّذت إجراءات عزلت بموجبها المناطق التي تتم مداهمتها، فيما نفذت القوة الخاصة المداهمة الساعة صفر من ليل الجمعة، بمؤازرة مجموعة إحتياط من القوة المنتشرة لتأمين الدعم في حال حصول أيّ طارئ، ونفذت عمليات دهم بالتوازي في المخيم، ودهمت بالتحديد منزل من يعتبر اليد اليمنى لتنظيم "داعش" في بلدة عرسال وائل ديب الفليطي (1992) وشقيقيه حسين (1975) ومحمود (1982) بعدما كانت متأكدة من وجودهم فيه، مع العلم أنهم متهمون بالإعتداء على مراكز عسكريين ومهاجمتها، وأخذ أسرى عسكريين، إضافة الى تنفيذ عمليات ضد أبرياء في الداخل اللبناني.
ولدى وصول القوة تعرضت لإطلاق نار ردّت عليه بالمثل، ما أدى الى مقتل أمير «داعش» وتوقيف الباقين واقتيادهم الى وزارة الدفاع للتحقيق معهم.
مفاجأة للجميع
لفت توقيت العملية كثراً أوّلهم الإرهابيون، خصوصاً أنّ البعض اعتبر أنه سيُستفاد من فترة التغييرات في الأجهزة الأمنية وفي القيادة العسكرية لتحقيق خروقات معينة حتى تعتاد القيادة الجديدة على أسلوب العمل، من هنا كانت المفاجأة... الى ذلك أتت العملية لتثبت للبنانيين أنها لو خفّت أحياناً وتيرة العمليات الإستباقية عند جهاز أمني ما وزادت عند آخر، إلّا أنّ جميع الأجهزة تعمل وتخطط لتنفيذ عملياتها في أوقات تراها مناسبة حسب الهدف والمنطقة ومجموعة عوامل أخرى.
عملية تطهير
ويُعتبر التوقيت مهماً كونه جاء بالتوازي مع الوقت الذي عاد فيه فتح موضوع الوجود المسلح في جرود عرسال أو على المنطقة الحدودية الشمالية الفاصلة بين لبنان وسوريا، والحديث عن أنّ "حزب الله" يحضّر وحداته لتنفيذ عملية تطهير للجرود مع بداية فصل الصيف، وعن إمكانية إقامة منطقة آمنة، بالتوازي مع الحديث عن مفاوضات قطرية - إيرانية لإخلاء القرى الأربع في المرحلة الاولى، وإخلاء منطقة الجرود من المسلحين في اتجاه إدلب في المرحلة الثانية، وهنا نتحدث عن "النصرة".
الى ذلك، ما يعتبر بارزاً، هو تنفيذ العملية بعد فترة وجيزة على إفشال أبو مالك التلي لاتفاق كان يُعقد في غرب القلمون لعودة اللاجئين إليه بين «حزب الله» والسكان وبعض المجموعات المسلحة فيها مع النظام السوري ضمن ترتيبات معينة.
إذاً، سيشكّل الموقوفون مفتاحاً جديداً لرصد رؤوس الإرهابيين على اختلافهم، وسواء كانوا فعلاً صيداً ثميناً كما يُرجّح أو لا، فإنهم بالتأكيد عبرة لكل متطاول على أمن المواطنين والجيش".