يغيب الرئيس سعد الحريري عن الساحة الانتخابية. عمل الحكومة معطّل وإن كان ذلك بشكل غير معلن. فلم تعقد الحكومة جلستها الأسبوعية، وإذا كان رئيس الجمهورية ميشال عون قد علّق عمل مجلس النواب برسالة إلى اللبنانيين، فإن تعليق عمل الحكومة يأتي ضمناً وليس علناً. حتى أن اللجنة الوزارية التي تشكّلت لبحث قانون الانتخاب برئاسة الحريري فهي لا تجتمع، وإن أجتمع بعض أعضائها فالحريري ليس من بينهم. لماذا هذا الغياب؟ الجواب بسيط: يريد الحريري رمي الكرة في ملعب الاطراف الأخرى. قال كلمته ومشى. آخر كلامه كان أنه مستعد للسير بالنسبية الكاملة سواء أكان لبنان دائرة واحدة أم تم التوافق على آلية أخرى لتوزيع الدوائر.
أكد الحريري أخيراً أنه مستعد للموافقة على أي صيغة يتفق عليها الأفرقاء، وهو وافق على النسبية الكاملة لأنه يريد تسهيل الإتفاق وليس العرقلة. الآن، يلتزم الحريري الصمت. في الاجتماع المصغّر الذي عقد في وزارة الخارجية واستمر حتى ساعة متقدمة من ليل الأربعاء الخميس. لم يتم التوصل إلى أي إتفاق في شأن أي صيغة أو أي قاسم مشترك. ويصف أحد السياسيين البارزين ما يجري بأنه الحراك دائري، لا ينطلق من نقطة محددة ولا يصل إلى نقطة أخرى.
يعتبر الحريري أن ابتعاده عن الساحة الإعلامية فيه فائدة أكثر من الإدلاء بالمواقف والتصاريح. يريد تجنب الوقوف في خندق الخلاف أو الاشتباك مع أي طرف، خصوصاً مع الثنائي المسيحي الذي مازال يعارض النسبية الكاملة ويتمسّك بالمختلط والتأهيلي الذي رفض من مختلف المكونات. وكان لافتاً أن رفض هذا المقترح جاء على لسان النائب وليد جنبلاط ثم حزب الله وحركة أمل. فيما موقف المستقبل الرافض له كان متأخراً، لأن الحريري لا يريد الاصطدام بعون أو بوزير الخارجية جبران باسيل.
يفضّل الحريري أن يأخذ الصراع الانتخابي طابعاً مسيحياً- شيعياً، وخصوصاً بين الحلفاء. فهو لا يريد مواجهة المسيحيين، كما لا يريد مواجهة حزب الله. ولم يكن تعليق جلسات الحوار الثنائي بين حزب الله وتيار المستقبل في عين التينة، سوى تأكيد ضمني على ذلك، ولعدم الإيحاء بأن هناك توافقاً سنياً وشيعياً ضمنياً ضد المسيحيين، إذ يعتبر الحريري أن توسيع النقاشات وعدم حصرها بين فريقين أفضل في هذه المرحلة.
وسط المراوحة القاتلة، خرج عون في موقف لافت، بلاءاته الثلاث: لا للتمديد، لا للفراغ ولا للستين. ما أثار حفيظة العديد من الأفرقاء، الذين يعتبرون أن الرئيس وحلفاءه يريدون عرقلة ولادة قانون الانتخابات وعرقلة الخيارات المتاحة. وتبدي المصادر استغرابها لسبب تراجع التيار الوطني الحر عن النسبية الكاملة، معتبرة أن التيار فضّل الوحدة المسيحية على الوحدة الوطنية، وانطلق من حساباته هذه إلى رفض النسبية والإصرار على قانون الستين مبطناً في المناطق المسيحية لضمان الحصول على مزيد من النواب. وهنا تؤكد المصادر أن الخامس عشر من أيار قد يشهد أزمة سياسية جديدة في حال عدم التوصل إلى إتفاق على قانون، إذ إن الرئيس نبيه بري سيدعو إلى جلسة للتمديد لمجلس النواب. وهنا، تعتبر المصادر أنه في حال أراد عون التصعيد، فقد يلجأ إلى صلاحياته الدستورية مجدداً ويلوح باستخدام المادتين 65 و77 من الدستور اللتين تتيحان له الدعوة إلى حلّ مجلس النواب، بشرط موافقة الحكومة. وفي حال لجأ عون إلى هذه الخطوة، فموافقة الحكومة مجتمعة غير متوافرة، ولكن هذا سيأخذ منحى تصعيدياً بينه وبين بري.
في المقابل، هناك من يعيد طرح قانون الستين في الكواليس، كما أكد النائب جنبلاط بالأمس، بأن هناك قانوناً نافذاً يجب العودة إليه بموجب الدستور، وهو قانون الستين المعدّل في إتفاق الدوحة. وتشير المصادر إلى أن المخرج لمواقف عون بالعودة إلى قانون الستين قد يكون بعيد استخدامه صلاحيته الدستورية بحلّ مجلس النواب، وبعد إنعدام التوافق داخل الحكومة، سيفرض عليها الدعوة إلى اجراء الانتخابات فوراً وفقاً للقانون النافذ لتجنّب التمديد وفق المادة 74 من الدستور.