بعد 3 سنوات على إقرار مجلس النواب قانون حماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري، تمّ إطلاق مسودة لتعديل هذا القانون، بهدف تشديد العقوبات على الجناة، وتفعيل قرارات الحماية.
إقتراحات تعديل بنودٍ في القانون رقم 293/2014 ليست عبثية بل أتت عصارة تجربة القضاة المولجين تطبيقه، ولا سيما من بينهم القضاة العاملون في المجال الجزائي وقضاة الأمور المستعجلة في جميع المحافظات اللبنانية.
هؤلاء طرحوا الإشكاليات القانونية والواقعية التي تواجههم وتحدّ من توفير الحماية الكاملة لضحايا العنف الأسري في لبنان. ومن شأن هذه التعديلات أن تُحسِّن تنفيذ القانون، وتكبح الجرائم المرتكبة بحق النساء وسائر أفراد الأسرة.
التعديلات
التعديلات المُقترَح إدخالها على القانون تشمل نصف أحكامه تقريباً، وهي كالتالي:
• التعريف بالأسرة: أصبحت تشمل أيّاً من الزوجين، ليس فقط أثناء قيام الرابطة الزوجية وإنما أيضاً بعد انحلالها لأنّ هذا الانحلال لا يمنع المعنِّف من ارتكاب التعنيف.
• العنف الأسري: يشمل ذلك الذي يعكس سوء استعمال السلطة داخل الأسرة بالقوة الجسدية أو غيرها...
• يُعاقب بجريمة العنف الأسري كل مَن حرّض أو اشترك أو تدخّل بهذه الجريمة ولو كان من غير أفراد الأسرة وهذا للحؤول دون استعانة المعنِّف بأشخاص غرباء عن الأسرة.
• إدراج نص خاص للعقوبات يُغني عن العودة إلى نصوص قانون العقوبات، فأصبحت جريمة العنف الأسري بموجبه جريمة قائمة بذاتها، وتتمّ معاقبة نتائجها الجرمية كافةً من قتل متعمَّد، وغير مقصود، واستغلال جنسي، وحجز الحرية، وإيذاء جسدي ومعنوي...، وفقاً للعقوبات المنصوص عليها في القانون عينه.
• انسجاماً مع الاتفاقيات الدولية المُطبّقة في هذا المجال، تمّت إضافة مفهوم العنف الإقتصادي وتجريمه واعتباره صورة من صور العنف الأسري. ويدخل في مفهوم العنف الاقتصادي الحرمان من الموارد المالية، أو الحرمان من الاحتياجات الأساسية، أو جرائم الاحتيال والسرقة واغتصاب التوقيع بين أفراد الأسرة. وتُشدَّد العقوبات في حال كانت الجرائم المرتكبة بهدف ممارسة الجماع أو بسببه.
• اعتماد مبدأ تخصّص القضاة في قضايا العنف الأسري عبر تكليف قضاة في كل محافظة لتلقي الشكاوى ومتابعة جميع مراحلها من محامين عامين وقضاة حكم أو موضوع من دون الحاجة إلى إنشاء محاكم جديدة وذلك في قرار توزيع الأعمال.
• التعديلات المُقترحة جعلت من استعانة الضحية بمساعدة اجتماعية مسألة شخصية ومرتبطة بطلبها.
• توفّر التعديلات أيضاً التواصل المباشر بين قضاة النيابة العامة وقضاة الأمور المستعجلة، الذين يصدرون قرارات حماية، ويسمح ذلك للمحامي العام أن يتّخذ إجراءات بمعرض تنفيذ أمر الحماية الصادر عن قاضي العجلة. بالتالي باتت الضابطة العدلية، بالاستناد إلى إشارات النيابة العامة، بمثابة الذراع الحديدية القادرة على فرض بنود أمر الحماية على المعنِّف.
• وبينما تنص النسخة الحالية من القانون على أنّ أمر الحماية يكون للأولاد في سن الحضانة دون سواهم، ألغيت الفقرة المذكورة، ولم يعد يشترط القانون أن يكون لسنّ الحضانة أيّ دور.
• وبموجب التعديلات يُمنح القاضي صلاحية الاستعانة بكل مَن يراه مناسباً من المختصين لتفعيل قرار الحماية ومواكبة تطبيقه. وخُصّص أمر الحماية للنساء فقط كونهنّ الأكثر عرضةً للعنف بنتائجه القاتلة، بصرف النظر عن وضعهن الاجتماعي والاقتصادي، وذلك للحؤول دون قيام المعنِّف بإستصدار قرار حماية كيدي للضغط على ضحيته وحملها على التراجع عن مطالبها.
• أصبح بإمكان الضحية القاصر، أن تتقدّم بطلب حماية من جانب قاضي الأحداث وتطلب اتّخاذ تدبير أو أكثر من التدابير المنصوص عنها في القانون المذكور. فحالياً، الفتاة القاصر المتزوّجة والتي تقع ضحية العنف الأسري، لا تستطيع المثول أمام قاضي العجلة إلّا من خلال وليّ أمرها الذي قد يكون رافضاً لمبدأ الحماية من أساسه أو غير متقبّل له كجزء من ثقافته.
فإذا أتاح لها القانون ولوج باب قاضي الأحداث دون الحاجة إلى ولي أمر، فيكون من المجدي أن تكون لهذا الأخير أيضاً صلاحية إصدار أمر حماية تطبيقاً لأحكام قانون حماية المرأة وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري.
• أيضاً، تضمّنت الاقتراحات وجوب إعطاء مهلة قصوى للقاضي المختص قدرها 48 ساعة لإصدار أمر الحماية، وذلك لما لسرعة البت في حماية الضحية من أهمية.
• ومن أبرز التدابير التي أُضيفت إلى أوامر الحماية حق المرأة في إخراج أولادها معها حكماً كما وسائر الأشخاص المقيمين معها إذا كانوا معرّضين للخطر الأمر الذي يشكل استباقاً لقوانين الأحوال الشخصية حول مسائل الحضانة وبقاء الأولاد مع الأم.
أهمية تعديل القانون
منذ 3 سنوات، كان لا يزال ضرب الزوج لزوجته، أو الأخ لأخته، أو الأب لابنته شأناً عائلياً خاصاً، فلو اتصلت الضحية بالسلطات لتُبلّغ عن تعرضها للأذى على يد أحد أهل بيتها، يُجاوبها المولجون حماية المواطنين باستخفاف. وكأنها ليست مواطنة مُعرّضة للخطر من قبل مواطن آخر، وكأنّ المرأة ملك رجل نصَّب نفسه وليّ أمرها، وهو إن أذاها لا يردعه أحد عن ذلك، إلّا أفراد العائلة إذا تكرّموا بفضّ الشجار.
انطلاقاً من هذا الواقع المأساوي المُجحف بحقوق الإنسان، شكّل إقرار قانون حماية المرأة وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري في الأول من نيسان 2014 خطوة جبارة على طريق حماية العائلة وخصوصاً النساء مِن مَن يستعمل قوّة عضلاته وزخم صوته لتهديد أقاربه ولاسيما قريباته، بحجّة «حمايتهم».
وجود هذا القانون شجّع نساءً كثيرات على كسر صمتهن فبات للضحايا إطار قانوني يلجأن إليه هرباً من ظلم أقرب الناس ومَن يجب أن يكون مصدر الحنان والاهتمام. واليوم سلك مشروع إقتراح تعديل هذا القانون، طريق مجلس الوزراء لإقراره وإحالته إلى المجلس النيابي، لضمان تطبيقه بشكل أفضل.
العنف الأسري يهدّد حياة أقارب الوحوش، وهم غالباً من النساء والأطفال وأحياناً من الكهول. وكم من امرأة خسرت حياتها بعدما انقضّ عليها زوجها الحنون متلذّذاً بإيذائها وبتعذيبها وضربها حتّى الموت، وبأسلوب لا يتمكن فيه إنسان من قتل هرّة حتّى.
وكم من مرّة برأ المجتمع هؤلاء المجرمين، وهَرّبهم من العقاب تحت غطاء دفاعهم عن «الشرف»، فلفلفت العائلة موت الزوجة على يد زوجها، تحاشياً للعيب والجرصة وادّعت أنّ الضحية «توفيت بسكتة قلبية»، مثلاً.
حماية النساء والأولاد من العنف الأسري تندرج في خانة حماية حقوق الإنسان وسلامة المجتمعات، وآن الأوان لينفّذ لبنان، التزاماته وتعهداته الدولية بالقضاء على جميع أشكال التمييز ضد النساء، وحماية الإنسان عموماً.
سابين الحاج