يتوقع وزير الأمن الإيراني السابق حيدر مصلحي أن تشهد إيران اضطرابات خلال مرحلة ما بعد الانتخابات الرئاسية. وحذّر من أن “هذه المرة ستكون أقوى مما كانت عليه عام 2009”، في إشارة إلى الاحتجاجات على خلفية اتهامات بتزوير الانتخابات لصالح الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد.
ووجّهت السلطات الإيرانية تحذيرا شديد اللهجة من مغبة محاولة تكرار أحداث الحركة الخضراء الاحتجاجية التي نفذها إصلاحيون خلال انتخابات عام 2009 الرئاسية. ومردّ تحذيرات المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي وقلق المسؤولين ما تم الكشف عنه من فضائح فساد في سياق احتدام السباق الانتخابي.
ويعلم المرشد الأعلى والمسؤولون الإيرانيون أن الوضع اليوم مختلف وخطير، خصوصا وأن المرحلة التي تمر بها البلاد حاسمة بمختلف أوجهها بدءا من صحة خامنئي المتدهورة وصولا إلى الوضع الخارجي المتأزم والنبش في قضايا الفساد وقد يزلزل كل ذلك أركان النظام.
انهمر في الفترة الأخيرة سيل من التسريبات والاتهامات في قضايا فساد طالت المحسوبين على الرئيس الإيراني حسن روحاني وعلى المسؤولين في أجهزة الدولة التي تخضع لإشراف المرشد الأعلى. ليتبين للإيرانيين أن عددا من المرشحين للرئاسة مورطون بشكل أو بآخر في قضايا فساد.
نجاد يعترف على نفسه
من المفارقات أن الرئيس الإيراني السابق ومرشح الرئاسة الحالي أحمدي نجاد هو من هدّد بالكشف عن تلاعب بالانتخابات الرئاسية عام 2009، في حال عدم موافقة مجلس صيانة الدستور الإيراني على أوراق ترشحه للانتخابات المزمع إجراؤها في 19 مايو المقبل.
وذكر موقع آمد نيوز، المقرب من الإصلاحيين، أن نجاد هدد بتسريب تسجيل يظهر أن عدد أصواته الحقيقي هو 16 مليون صوت، وليس 24 مليونا. وإذا كان رجال الدين يسيطرون على الاقتصاد ورئيس السلطة القضائية متورط في قضايا فساد، وبصمات كبار المسؤولين في الدولة واضحة على عمليات تلاعب مالي بالملايين من الدولارات، فلا غرابة في أن يتم تزوير الانتخابات، لصالح الرئيس الذي تقتضيه المرحلة، إما أن يكون محافظا وإما إصلاحيا، المهم أن يكون حافظا لهذا النظام.
وصلت الفضائح ذروتها من خلال التراشق بين الرئيس حسن روحاني ورئيس السلطة القضائية صادق لاريجاني، حيث طالب كل منهما الآخر بكشف حسابات جهازه وسط ذهول الإيرانيين من حدة الاتهامات المتبادلة بين أعلى سلطتين في البلاد. وغرّد روحاني عبر صفحته في تويتر كاشفا عن استعداده لكشف حسابات جهاز رئاسة الجمهورية، مطالبا في الوقت نفسه لاريجاني بأن تقوم السلطة القضائية بإجراء مماثل.
متابعون للشأن الإيراني: روحاني طرد الفاسدين من جماعة الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد واستبدلهم بمجموعة من أصدقائه الفاسدين
وجاء إعلان روحاني ردّا على اتهام رئيس السلطة القضائية رئيس الجمهورية بتلقي الدعم المالي في حملته الانتخابية عام 2013 من بابك زنجاني الذي حكم القضاء الإيراني بإعدامه بعد اتهامه بسرقة أموال تقدر بـ27 مليار دولار من مبيعات النفط الإيراني. وردّ أنصار روحاني على هذا الاتهام بتقارير تقول إن الحرس الثوري استخدم زنجاني وعددا من الشخصيات الاقتصادية في تمرير مشاريع فساد نفطي للاتفاق على العقوبات من خلال استخدام شبكة خارج إيران.
وفي خطوة تصعيدية، كشف الإصلاحيون عن وثائق تدين رئيس السلطة القضائية صادق لاريجاني، المقرب من المرشد الأعلى، واسمه من بين المرشحين لخلافته، بتحويل الكفالات المالية إلى حساباته الشخصية.
وكان النائب محمود صادقي أول من أثار رسميا فساد السلطة القضائية في بلاده كاشفا إيداع مبالغ حكومية تقدر بمئات الملايين من الدولارات في حسابات رئيس القضاء الإيراني، وهو التصريح الذي أثار حفيظة لاريجاني وأمر باعتقال النائب رغم حصانته البرلمانية.
وقال إن أرصدة هذه الحسابات تبلغ ألف مليار تومان إيراني، أي ما يزيد عن 310 ملايين دولار أميركي تم إيداعها في 63 حسابا. وهذه الأموال هي قيمة الكفالات المالية التي يدفعها المتهمون.
قال باحثون في الشأن الإيراني لـ”العرب” إنه لا يمر يوم إلا وتكشف وسائل الإعلام عن تورط إحدى القيادات الإيرانية أو أبنائهم في قضية فساد مالي أو سرقة تقدر بالمليارات.
وأكّد كامل البوشوكة أن الفساد في إيران انتشر بشكل سريع، وذكّر بما قاله فيروز آبادي، نائب وزير التعاونيات والعمل والرعاية الاجتماعية في إيران، بأن رقعة الفساد تكبر في إيران لأن “الفاسدين” لديهم قوة في السلطة.
وحذّرت مؤسسة غان، المعنية بمحاربة الفساد وتقديم المشورة إلى المؤسسات والمستثمرين، من خطر الاستثمار في إيران حيث ترتفع معدّلات الفساد.
فساد بالجملة
جاء في تقرير للمؤسسة حول الفساد في إيران صدر في شهر أبريل الجاري أن المؤسسات التي تدير مشاريع في إيران أو تخطط للاستثمار في هذا البلد، بعد رفع جزء من العقوبات، تواجه مخاطر عالية جدا بسبب انتشار الفساد. وأضاف أن النظام السياسي يرعى المحسوبية المنتشرة في جميع قطاعات الاقتصاد. وكثيرا ما يضطر المستثمرون لتقديم رشاوى للحصول على الخدمات والتصاريح وتمرير العقود.
وفي حين توجد قوانين متعددة تجرم مختلف أشكال الفساد في القطاعين العام والخاص إلا أنها لا تنفذ بفعالية، والإفلات من العقاب أمر متفش؛ وما أعلن عنه من محاكمات لمسؤولين متهمين بالفساد ليس سوى نقطة في بحر الفساد الذي تغرق فيه البلاد.
ومن بين أشهر القضايا التي يتذكرها الإيرانيون قضية شهرام جزايري رجل الأعمال الإيراني الذي أدين، في مرات عديدة، بالتربح غير المشروع. وحكم عليه، سنة 2016، بالسجن لمدة 13 عاما و50 جلدة بتهم تتعلق بالحصول على تسهيلات مالية بطرق غير مشروعة ودفع رشاوى لعدد من الشخصيات النيابية والسياسية.
وتبرز أيضا قضية محمد رضا رحيمي، النائب الأول للرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، الذي أدين بتهمة التربح بطرق غير مشروعة وحكم عليه بالسجن لمدة خمس سنوات وتسديد غرامة بقيمة 300 ألف دولار وسداد تعويض بقيمة 800 ألف دولار.
تذكر فضيحة رحيمي، بمجموعة قضايا ظهرت في عهد أحمدي نجاد، خصوصا في الفترة الأخيرة من حكمه حيث تصاعد الغضب الشعبي ضدّه، فيما بدأ يشكل قلقا للتيار المحافظ؛ فكان أن ظهرت قضية سرقة ثلاث ناقلات نفط عملاقة، أثيرت على إثرها ضجة قوية، واتهم عدد من مسؤولي حكومة نجاد بسرقة هذه الناقلات وبيعها عن طريق تاجر يوناني.
رئيس السلطة القضائية في إيران متهم بتحويل 310 ملايين دولار أميركي من قيمة الكفالات المالية التي يدفعها المتهمون
ومع احتدام فضائح الفساد المتبادلة تم تسريب وثائق تظهر رواتب المسؤولين في إدارة حسن روحاني. كشفت الوثائق عن حصول مسؤولين ووزراء في حكومة روحاني على رواتب فلكية، في وقت وصل فيه معدل الفقر في البلاد إلى أعلى مستوياته.
وبلغت بعض الرواتب حوالي 622 مليون ريال إيراني، أي ما يعادل 20 ألف دولار، في الوقت الذي يبلغ فيه متوسط الراتب لموظفي الحكومة والمؤسسات والدوائر الرسمية والخاصة 400 دولار أميركي شهريا. ولم تختف قضية الرواتب حتى ظهرت قضية فساد في بلدية طهران، حيث اتهم مسؤولون فيها بتوزيع أراض على بعض المسؤولين.
وعرفت القضية باسم “العقارات الفلكية” ويقول متابعون إنه تم تسريبها ردّا على تسريبات رواتب المسؤولين في حكومة روحاني. ويبرز في القضية اسم عمدة طهران اللواء محمد باقر قاليباف، أحد قادة الحرس الثوري، ومنافس حسن روحاني.
بموازاة ذلك ظهرت فضيحة اختلاس مبالغ ضخمة من أموال صندوق ادخار التربويين. ويتهم المسؤولون في هذا الصندوق بتقديم تسهيلات وقروض لمعارف أو مقابل رشاوى.
ووصلت الفضائح إلى فريق السيدات لكرة القدم، الذي قام الاتحاد الإيراني لكرة القدم بحلّه، في صائفة 2016، بعد الكشف عن سرقة مليار تومان (30 ألف دولار) من الحساب البنكي للفريق.
وفي يناير 2017 تقدّم أربعون نائبا برسالة مفتوحة لرئيس السلطة القضائية الإيراني صادق إثرها لاريجاني بإجراء محاكمة سريعة لحسين فريدون شقيق الرئيس الإيراني بتهمة تلقيه رشوة من رسول دانيال زادة أحد أبرز متهمي ملف الفساد الاقتصادي في البلاد.
ويقول متابعون للشأن الإيراني إن “روحاني طرد الفاسدين من جماعة الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد واستبدلهم بمجموعة من أصدقائه الفاسدين”.
وكان المرشد الأعلى منع حسين فريدون وهو مستشار الرئيس الإيراني الخاص الذي يترأس مجلس المعلومات والإعلام في حكومته، ورئيس مكتب روحاني، محمد نهاونديان، من المشاركة في اجتماعات مجلس الوزراء منذ أكثر من عام بعدما تصاعدت حدة الجدل ضدهما.
وفيما يضع المرشد الأعلى يده على ثروة من مليارات الدولارات من العقارات المصادرة من مواطنين هربوا إبان الثورة، ورد اسم ابنه مجتبى ضمن تقارير تقول إن حوالي 1.6 مليار يورو من عائدات النفط أودعت لحسابه عن طريق البنك المركزي عام 2011 دون أي حق.
يعلم الإيرانيون أن فرص محاسبة المسؤولين باختلاف توجهاتهم ومراتبهم ضئيلة وأن ما يتم الإعلان عنه أمر مقصود ومدروس في سياق إسكات المعارضين ومحاولة تخفيف الاحتقان في صفوف الإيرانيين الذين يجثو الفقر المدقع على 15 بالمئة منهم، فيما يعاني 30 بالمئة من الشباب من البطالة.
ويعرف عدد كبير من هذا الشباب، الذي لا ينتمي لا إلى التيار الإصلاحي البراغماتي ولا إلى التيار المحافظ المتشدد، أنه من الصعب محاربة الفساد داخل المؤسسات والدوائر الرسمية الإيرانية.
لكنهم واعون بأهمية ما حذر منه أحمد توكلي، نائب سابق عن التيار المبدئي في طهران، بأنه “لا يمكن إسقاط الجمهورية الإسلامية من خلال انقلاب عسكري أو ثورة مخملية”، بل ستكون نهاية “النظام الإيراني من خلال انتشار الفساد الاقتصادي والإداري في جميع أركانه ومؤسساته الرسمية”، وهو ما يعلمه النظام ويخشاه ويقلل من فرص الإصلاحيين في انتخابات 19 مايو المقبل.