هل يكون لبنان أمام "صيفٍ ساخنٍ" يستعيد فصول "الكباش" السياسي - المصرفي - الأمني الذي ساد البلاد قبل عام على خلفية قانون العقوبات الأميركية على المصارف والمؤسسات المالية والأشخاص المتعاملين مع "حزب الله"، والذي صدرت مراسيمه التطبيقية في نيسان 2016، وكان قد وقّعه الرئيس السابق باراك أوباما في 18 كانون الاول 2015، بعدما أقرّه الكونغرس بالإجماع، وحمل الرقم 2297؟
هذا السؤال يرخي بثقله هذه الأيام على بيروت التي تتلقى بقلقٍ المعلومات عن مشروع قانون جديد يجري الإعداد له في أروقة الكونغرس من أجل توسيع دائرة العقوبات أو"التعقّب المالي" لتطول متعاملين جدداً مع "حزب الله" من خارج الدائرة اللصيقة، وصولاً إلى بعض حلفائه ولاسيما حركة "أمل"، وسط تسريباتٍ أحدثتْ بلبلة في الأوساط المصرفية والسياسية حيال المستهدَفين بعدما جرى التداول بأسماء محدَّدة لشخصياتٍ وإشاعاتٍ عن بنوك ستشملها "العقوبات الموسّعة" التي تكتسب أهمية بالغة نظراً الى توقيت التحضير لها في غمرة "التدافُع الخشن" بين إدارة الرئيس دونالد ترامب وإيران وتَبلْور ملامح قرارٍ أميركي بـ "تقليم أظافر" طهران عبر تضييق الخناق، على مختلف المستويات، عليها كما على حلفائها ولاسيما "حزب الله" الذي يشكّل "رأس الحربة" العسكري في مشاريعها التمدُّدية في المنطقة.
ولم تتوانَ دوائر سياسية في بيروت عن ربْط مسودة المشروع الجديد بالتطور الذي وُصف بـ "أوّل غيث" الاندفاعة الأميركية المتجددة بوجه "حزب الله" والذي تَمثّل في توقيف رَجل الأعمال اللبناني قاسم تاج الدين، الذي يُعتبر "ذراعاً مالية" رئيسية للحزب في المغرب الشهر الماضي قبل نقله إلى الولايات المتحدة حيث وُجهت اليه اتهامات بسبب محاولته التهرب من عقوبات تستهدفه وكانت فُرضتْ عليه في أيار 2009 بعدما اعتُبر "مساهماً مالياً مهماً" لمنظمة "إرهابية".
وفي غمرة "الغبار الكثيف" الذي ساد بيروت حيال مضمون مشروع القانون الذي يحمل عنوان "تعديلات مرسوم حظر التمويل الدولي لحزب الله 2017" والذي تعيش بيروت أجواء إمكان صدوره في أيار أو حزيران المقبليْن والمدى الذي سيبلغه، بدا واضحاً ان ثمة معلومات باتت مؤكدة، في مقابل تسريبات عزّزت انتشارها تقارير عن مسودّة قانون ثانٍ يجري العمل عليه.
وفي سياق "المؤكّد" يمكن تحديد الآتي:
1- تلقى لبنان الرسمي معلومات عن المشروع الذي يشكّل "تتمة" للقانون 2297 الذي كان صدر بعنوان "قرار منع التمويل الدولي لحزب الله" وقضى حينها بتوسيع العقوبات على "حزب الله" (المصنَّف أميركياً إرهابياً) وفرض عقوبات على مَن يتعامل مع المؤسسات التابعة له من البنوك والمؤسسات المصرفية والتجارية، مع تصنيفه "منظمة إجرامية عابرة للحدود" وربْطه بتجارة المخدرات وتبييض الأموال والاتجار بالبشر.
2-بحث مجلس الوزراء في آخر جلسة عمل له هذا الملف الذي أثاره وزير المال علي حسن خليل داعياً إلى استباق مشروع قرار الكونغرس من خلال بذْل جهد حكومي يتمثل بإيفاد ممثلين لمجلس الوزراء (مع وفود نيابية كانت ستتجه الى واشنطن) إلى الولايات المتحدة في محاولة لتطويق أي تداعيات سلبية للقرار الأميركي على لبنان، وصولاً إلى مناقشة رئيس الحكومة سعد الحريري هذه القضية مع وفدٍ من الكونغرس زار بيروت قبل أيام، قبل أن يستطلعها وفد نيابي ضم النائب ياسين جابر (من كتلة الرئيس نبيه بري) والنائب آلان عون (من التيار الوطني الحر)، والنائب باسم الشاب (من كتلة الحريري) في واشنطن التي تَوجهوا إليها للمشاركة في اجتماعات الربيع للعام 2017 لصندوق النقد والبنك الدوليين، وهم التقوا أمس مسؤولين في الخزانة الأميركية.
3- إعلان رئيس جمعية مصارف لبنان جوزيف طربيه أمس، من واشنطن التي يزورها برفقة الوفد النيابي الثلاثي ان "هناك لائحة عقوبات سابقة فرضتها واشنطن على بعض الأشخاص والمؤسسات في لبنان، وتتابعها جمعية المصارف مع حاكم مصرف لبنان"، كاشفاً "ان الكونغرس يبحث اليوم توسيعها"، وآملاً "الا تنحو الادارة الأميركية نحو فرض أي عقوبات جديدة على أشخاص او مؤسسات لبنانية، ما سيرهق القطاع المصرفي في لبنان"، ومؤكداً "رفض الجمعية لأي قيود إضافية على المصارف اللبنانية".
4- حضور رزمة العقوبات الجديدة المتوقّعة في لقاء عُقد أول من أمس، بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة.
5- مناقشة القطاع المصرفي قبل أيام مسودة العقوبات الجديدة خلال اللقاء الشهري بين مصـرف لبنان ولجنة الرقابة وجمعية المصارف حيث نُقل عن نائب حاكم "المركزي" محمد البعاصيري الذي كان عائداً حديثاً من الولايات المتحدة "أن مشروع القانون الجديد الذي تعمل عليه بعض لجان مجلس النواب الأميركي والمتعلق بتشديد العقوبات على "حزب الله" وتوسيعها جدي وخطير، ومن المحتمل أن يصدر القانون مطلع الشهر المقبل"، مؤكداً "ضرورة البدء بالاتصالات على أعلى المستويات لتجنُّب تداعيات هذا القانون"، وداعياً المصارف "الى عدم الأخذ بما ينشر في الصحف من أسماء لعدم صحتها بتاتاً، خصوصا أن لدى الخزانة الأميركية عشرات المحامين الذين يحرصون على عدم زجها بدعاوى على أساس تسريب معلومات خاطئة".
في المقابل، انشغلتْ بيروت بـ "فوضى" تسريباتٍ ركّزت على الآتي:
• المعلومات عن أن العقوبات ستطول مصارف لبنانية محدَّدة، وهو ما نفتْه مصادر مصرفية أكدت أن ما يتم تداوُله عن بنوك محدَّدة غير صحيح، مع إقرارها بأن توسيع العقوبات سيزيد من تعقيدات عمل المصارف، مشددة على أن هذا القطاع يلتزم بشكل كامل بالمعايير والقوانين الدولية المرعية الاجراء لمنع تبييض الأموال أو تمويل الارهاب.
• التقارير عن أن دائرة العقوبات ستتوسّع لتشمل شخصيات من حركة "أمل"، أخرى من "التيار الوطني الحر" و"الحزب السوري القومي الاجتماعي".
وإذ تشير هذه التقارير إلى أن من بين الذين ستشملهم العقوبات بالاسم الأمين العام لـ "حزب الله" السيد حسن نصر الله و90 آخرين من بينهم رجال أعمال ومؤسسات وشركات عقارية وتجارية وجمعيات خيرية ووسائل إعلام "حزب الله"، فإن أوساطاً متابعة لهذا الملف ذكّرت بان اسم نصر الله كان ورد العام 2016 عند صدور المراسيم التطبيقية للقانون 2297 عن مكتب وزارة الخزانة الأميركية لمراقبة الأصول الأجنبية (OFAC)، وهي عبارة عن لوائح ضمّت أسماء مسؤولين ورجال أعمال ومؤسسات قالت واشنطن إنها مرتبطة بـ "حزب الله" (كان عددها 95 اسماً).
وبنشْر وسائل إعلام لبنانية بنوداً من مشروع قانون "تعديلات مرسوم حظر التمويل الدولي لحزب الله 2017"، يَظهر انه يلحظ وضع حركة "أمل" تحت الرقابة الأميركية لجهة واقعها المالي.
ويتضمّن المشروع في إحدى فقراته أن يقدّم وزير الخزانة الأميركة تقريراً دورياً يتضمّن مجموع قيمة الأموال الصافية المقدّرة التي يملكها كلٌّ من الأمين العام لـ "حزب الله" وأعضاء مكتبه السياسي ونوابه و وزرائه، إضافة إلى "أي مسؤول رفيع في الحزب، حركة أمل وأي كيانات أخرى مرتبطة بهما يحددها وزير الخزانة"، على أن يشتمل التقرير على تفاصيل عن "أموال المذكورين، كيف حصلوا عليها وكيف وظّفوها والطريقة التي يصرفونها فيها أو يستخدمونها"، وهو في هذه الفقرة لم يتحدث عن عقوبات ولم يذكر "التيار الحر" أو أي حلفاء آخرين لـ "حزب الله" بالاسم.
ووفق ما نُشر في بيروت فإن "عقوبات 2017" تضيف إلى قناة "المنار" التي كان حظر قانون 2015 التعامل معها، إذاعة النور و"LEBANESE MEDIA GROUP" الجمعية اللبنانية للإعلام، والتي تضم كل إعلام "حزب الله"، كما ذكر في هذه الفقرة مؤسسة "بيت المال" وجمعية "جهاد البناء" وأي تابع لها.
وفي حين يقترح التعديل الجديد إضافة "كل شخص أجنبي يقرر الرئيس انه ضالع في نشاطات جمع أموال أو التجنيد لمصلحة (حزب الله) (حتى من خلال التوجيه الحزبي)"، ينص في سياق توسيع نطاق جمع المعلومات عن "حزب الله" انه "يمكن وزير الخزانة أن يدفع مكافأة لأي ضابط أو موظف في حكومة أجنبية أو في أي جهة أو وكالة تابعة لها إذا قدّم في أثناء تأدية وظيفته الرسمية معلومات مرتبطة بأي شكل حول أعمال يقوم بها "حزب الله".
كما يلحظ التعديل وفق ما نُشر في بيروت "طلب وضع تقارير عن إمكانات (حزب الله) العسكرية والتحقق مما إذا كان الجيش اللبناني يزود الحزب معدات وأسلحة عسكرية".
وفي إطار احتواء "عاصفة العقوبات" المقبلة وتوفير ما يشبه "واقي الصدمات" لتفادي تحوُّلها "صاعقاً" داخلياً وبما يحمي القطاع المصرفي اللبناني في شكل رئيسي، الذي يبقى آخر "صمامات الأمان" أمام انهيار البلاد التي تُستنزف ماليتها تحت ضغط دين عام يناهز 80 مليار دولار وعبء 1.5 مليون نازح سوري، تحدّثت معلومات عن تشكيل خليّة أزمة في مصرف لبنان كما في الوسط المصرفي، لمناقشة تداعيات العقوبات ودرس كيفية تحييد المصارف اللبنانية عنها، والتشديد على التزامها المعايير الدولية والقوانين المرعية في هذا الشأن، مع تكثيف الاتصالات على أعلى المستويات للنأي بلبنان عن تداعيات القرار الأميركي المنتظر.
ولم تستبعد مصادر متابِعة تشكيل وفد يضم ممثلين لجمعية المصارف، وحاكم مصرف لبنان وبعض الوزراء لزيارة الولايات المتحدة بهدف محاولة اقناع الادارة التخفيف من حدة القانون، ومن حزمة العقوبات الجديدة المقترحة لاسيما وان شمولها مباشرة او بالتعقب شخصيات حزبية وسياسية من شأنه أن يضع المصارف في مواجهة تعقيدات كبيرة، خصوصاً ان تداعيات التعامل مع الأسماء المدرجة على لائحة العقوبات او عدم التعاون مع القانون الجديد ستكون دفع مبالغ مالية الى وزارة الخزانة الاميركية، أو قطع علاقات المصارف المراسلة مع المصارف اللبنانية.
والأكيد أن لبنان يقف على مشارف تحدٍّ جديد سيبدأ حين يُقر القانون الجديد، ولاسيما لجهة رسْم "خريطة الطريق" التنفيذية التي ستجري بإشراف "البنك المركزي" الذي كان نجح العام الماضي في المواءمة بين التزام موجبات القانون 2297 وبين تفادي انزلاق تطبيقه نحو معاقبة طائفة بكاملها (الشيعية) تمثّل ودائعها ثلث الموجودات في القطاع المصرفي وتناهز 52 مليار دولار، وذلك عبر التعميم 137 والإعلام التصحيحي رقم 20 الذي أعاد زمام القرار في تنفيذ مندرجات القانون الاميركي الى "المركزي" عبر هيئة التحقيق الخاصة فيه التي بات يتعيّن على المصارف والمؤسسات المالية ومؤسسات الوساطة المالية منذ ذلك الحين "عدم اتخاذ أي تدابير لجهة إقفال أي حساب عائد لأحد عملائها أو الامتناع عن التعامل معه أو عن فتح أي حساب له قبل مرور ثلاثين يوماً على إبلاغ الهيئة، على أن يتضمن هذا التبليغ توضيحاً للأسباب الموجبة التي تبرّر اتخاذ هذه الإجراءات والتدابير".